مُوتوا بسلام

 

أنيسة الهوتية

لَيسَ هناك ما يهيب الإنسان ويخيفه أكثر من الموت؛ فهو التهديد الأعظم والخوف الأكبر والنهاية التي لا يُريد التفكير فيها أي إنسان بسبب حبه للحياة، وكل إنسان يتهرَّب من واقعِ أنه واقعٌ لا محالة حتى يستلذ بتفاصيل حياته ولهوه ولعبه، وكل الأمور التي تزينت بها الحياة له، وما زين له الشيطان من كبائر ومعاصٍ، فهي الحقيقة المُرة التي لا يستسيغها الإنسان لنفسه ولكل من يحبه حتى لا يفقدهم فيفقد بهم الأمان، والاطمئنان، والحب، وأيضاً قرة العين والراحة النفسية التي يحصل عليها إن كان بجوارهم وحواليهم؛ فالحزن يجعل القلوب تذبل وتتعذب من ألم الفقد وحرقة الشوق للمتوفَّى والمشاعر هي المتحكم الأساسي للإنسان وشعور الفقد بلا شك الأكثر إيلامًا وتعذيبًا. وبمجرد أن يتخيَّل الإنسان أنَّ المتوفى وحيد في ظلمة القبر بدون أنيس ورفيق يبكي لحاله، متناسيا أنَّ الله لطيف بعباده الصالحين فوق الأرض وتحته، ولكن هي مشاعرنا وتصوراتنا الذهنية التي تهيج البكاء عليهم، والحقيقة أنَّ من يستحق البكاء عليه بعد موته هو من كان بعيداً عن ربه ودِينه، وموازينه فارغة من العمل الصالح يوم الحساب يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون، وللأسف لا نعرفهم حتى نُقرر أن نحزن عليهم أو لا؛ فهناك الكثير من فاعلي الخير رئاء الناس أو لمنافع تأتيه من خلال العمل الذي ظاهره صالح وباطنه خبيث، ومثل هؤلاء يأتون الله يوم القيامة فارغي اليدين وإن كانت صحائفهم ملأى بالثواب، إلا أنَّها ستذهب إلى موازين من ظلموهم، فإن الله يغفر كل شيء إلا الشِرك به وحقوق العباد، وهناك الكثير من المسميات تحت فئة حقوق العباد، والتي تجعل الظالم مجرماً في حق البشرية ومحروما من رحمة ربه التي هي السر الوحيد لدخوله الجنة؛ فالراحمون يرحمهم الله، ومن أساسيات الرحمة أن يبدأ الإنسان بنفسه ويرحمها ويشفق عليها، ولا يشق عليها ويحملها الأوزار والآثام.

وفي أيامنا الحالية، نرى الكثير من الناس يشعرون بالاكتئاب والخوف والقلق والحزن من فكرة أن القيامة قريبة، خاصة كل من اقتنع بأنَّ فيروس كورونا المتطور علامة من علامات الساعة، وهنا أتوقف متفكرة لِماذا لم يشعروا بهذه الرهبة مع تذكر الموت؟ فالموت هو القيامة الصغرى وبوقوعه علينا ترفع صحائفنا ونكون قد انتهينا من دار الامتحان الذي تعلقنا فيه وكأنها دار قرار واستقرار! وليس كل من يعيش الآن سيكون شاهداً على يوم القيامة وهوائلها، فلربما نكون أمواتًا يوم تقوم القيامة، ولكن وإن كنا كذلك ستكون تلك رحمة بنا من رؤية هوائلها، لكنها لن تكون رحمة لنا لدخول الجنة! وعلينا أن نهاب من موتنا قبل أن نهاب من يوم القيامة.

ومع ذلك، هؤلاء الذين خشعت قلوبهم المتخوفة من وقوع القيامة ما زالوا أفضل من المتمردين على البشرية غير الآبهين بمصيرهم وبعذاب الآخرة، وكأنهم سيعيشون أبدا، أو أن غضب الله لن يطالهم؟! أو أنهم سيتهرَّبون من الحساب والعقاب بفعل حسنات ظاهرات يعتقدون أنها ستنقذهم من ملايين السيئات التي افتعلوها وكأنهم يقايضون الله، متناسين أن دعاء المظلوم سيف بتار لا حجاب بينه وبين الله سبحانه، وأن الله تعالى يقتص ويجازي بالحسنات والسيئات، كما قال تعالى في سورة الأنبياء (الآية:47): "ونضع الموازين القسط ليوم القيامة فلا تظلم نفس شيئاً وإن كان مثقال حبةٍ من خردلٍ أتينا بها وكفى بنا حاسبين".

فالموت ليس خوفاً للمؤمن، بل هي فرحة ينالها بلقاء خالقه الذي هو أرحم عليه من أمه، ولنيل تلك الفرحة "موتوا بسلام" مع أنفسكم وربكم.