لئلا ننشغل بتصريحات حياة.. وننسى

 

غسان الشهابي

أثارتْ المُدَاخلة الهاتفية للفنانة حياة الفهد، على إحدى محطات التلفزة الكويتية الخاصة، لغطاً كبيراً، خصوصاً في الأوساط المصرية؛ كون التصريح قد تناول العمالة المصرية السائبة تحديداً في الكويت، وفي كل الأحوال فإنَّ ما صدر عن الفنانة يعتبر سيئاً ولا يليق بها، كما لا يليق أن يطلق على بشر لا ذنب لهم!

تتكرَّر هذه القصة في معظم دول مجلس التعاون، وهي -بحسب معرفتي- مؤكدة في الكويت والبحرين؛ إذ بدأت القصة بمتنفذين يأتون بعمالة غير ماهرة، وتحت ذرائع مختلفة يجري نشرهم في السوق، بينما يقبض من أتى بهم على رقابهم باحتكاره أوراقهم الرسمية، وعليهم سداد ثمن مجيئهم إلى الخليج، أرض الفرص والأحلام؛ فيسعون سعيهم، ويكِدُّون كدّهم، ليعيشوا ولو بأقل القليل، ويسددوا الديون التي دفعوها للسماسرة في بلادهم، ويدفعوا للكفيل الإتاوة السنوية، وهذا أمر مخالف لجميع القيم الإنسانية؛ لأنه متاجرة بالبشر ولا شك، ولكن لأن الأمر ينطوي على "مُتنفذين"، فبدلًا من أن يغرفوا من الأموال العامة، يجري التغاضي عن هذه الممارسة لكي يحصلوا الأموال الإضافية من هذا "الرقيق الجديد".

المسألة لم تتوقَّف عند المتنفذين بل تعدتها، وإنْ بنسب وأعداد أصغر لدى شرائح أخرى، وما دام تم السكوت عن زيد، فلِم لا يفعل فعله عبيد؟! وهكذا امتلأت الديار بالعمالة غير النظامية، السائبة الـ "فري فيزا"، ولنسمِّها ما نشاء، ولكنها من دون حقوق ولا تأمين ولا وضع إنساني في السكن ولا الطبابة ولا أي شيء يُمكنه أن يركن إليه، يعيش يوماً بيوم، ويحاذر ألا يمرض أو يموت، والأمر لا يتعلق بجنسية بعينها، فهناك أكثر من جنسية تعيش الوضع ذاته، وفي أكثر من دولة الجنسيات الأكثر هم من شبه القارة الهندية!

وفي تحقيقات صحفية تم الدخول إلى المساكن المتداعية التي يجري تكديس العمال فيها، كثيرٌ منهم لا يملكون حتى سريرهم الذي ينامون عليه، بل يجري تأجير السرير لثلاثة أشخاص بالتناوب، كلٌ ينام عليه لثماني ساعات، ناهيك عن الحالة الصحية، ونظافة المكان...إلخ.

أليس من العبث أن تطالب السلطات، في أي مكان كان، أن يبقى الناس في بيوتهم؟ أيُّ بيت يسع هذا التكدس؟ أي غرفة خاصة وشخصية يعزل المصاب منهم نفسه فيها؟ أي مرافق صحية خاصة يستعملها لوحده، وأي نظافة تُطلب ممن يستخدمها بعده، بل أي معقمات وصابون نطلب أن يتوافر لغسل اليدين باستمرار؟!

إن ما قالته الفهد خطأ، ولكنه لا يقارن أبداً بخطيئة السكوت عن هذه الحالة اللا إنسانية إلى أن تفاقمت وصارت صعبة الحل في الحالات الاعتيادية، ويُطل فتيلها لينفجر في أي لحظة في مثل هذا الظرف... فبدلاً من صبّ جام الغضب على الفنانة وتصريحها، لنعمل -الدول المصدرة والمستوردة للعمالة- على إنقاذ هؤلاء العمال والمجتمعات المحلية معاً.