بلا عنوان

 

أنيسة الهوتية

مع بداية هذا الأسبوع، ذهبتُ إلى مركز لولو، الواقع في نجوم العامرات مول، مع عائلتي لشراء "راشن" أساسي للبيت، ورغم عدم محبتي "لدوارة" المولات وجلسات المقاهي والمطاعم، إلا أنَّ الحجر المنزلي وحظر التجوال في الأيام الماضية، وإكمال العمل من المنزل عن بُعد دون الذهاب للمكتب، جعلني أشعر وكأنني في نزهة، ولكنَّ الأجمل من شعور النزهة هو أننا حين ذهبنا لكاونتر المحاسبة، كان المحاسب هناك شاباً من الأشخاص ذوي الإعاقة الباحثين عن العمل منذ أربع سنوات! تفاجأت به وأخبرني أنه قد توظَّف مع مجموعة ماجد الفطيم بوظيفة محاسب هو وبضعة آخرين من زملائه -أبنائي- من ذوي الإعاقة الباحثين عن عمل من زمن طويل، ولا أستطيع وصف سعادتي حين رؤيته، وسعادتي المضاعفة حين سماعي عن البقية وكأنني شربت ماءً سلسبيلاً بارداً بعد طول صيام، فكَم تعبنا في تقديم سيرتهم الذاتية لعدة شركات ومؤسسات في الأعوام السابقة ولكن دون جدوى، وسبحان الله حين نزلت رحمة الله نزلت على مجموعة منهم، فشكرا لله على ذلك، وشكرا لماجد الفطيم على هذه اللفتة الجميلة، خاصة وأنَّ رواتبهم ليست أقل من رواتب الحاصلين على الدبلوم العام!

استكملت يومي بالدعاء لصاحب مشاريع كارفور ولولو بأن يُبارك الله في رزقهم؛ لأنهم راعوا تلك الفئة المهمشة، وفتحوا لهم مجالاً لخوض الحياة، والحصول على رزق ثابت، ولن يكونوا بحاجة لأحد ماديًّا!

ومع شُعوري بالفرحة التي كانت تغمُرني من رأسي إلى أخمص قدمي، أتاني شعور كئيب حين تذكرت تصرُّف بعض المؤسسات والشركات غير الإنسانية مع الموظفين في أزمة كورونا، وتعكرت فرحتي أكثر حين تذكرت أنَّ هناك بنوكاً لم يفعلوا خدمة توقيف الأقساط لشهر مارس 2020، والذي تسبَّب بتصعيب حياة بعض العائلات التي مُعِيلوها ليسوا موظفين خُصمت رواتبهم، ومن ثم تم إرجاع حقوقهم من وزارة القوى العاملة، إنَّما هم أشخاص عملهم يومي مثل: سائق تاكسي، مُعلم سياقة، مُرشد سياحي... وغيرهم ممن ليس لديهم مدخول شهري ثابت، وأيضا أصحاب المشاريع المتوقفة عن العمل؛ مثل: المحلات، والصالونات. وهنا لا أتحدث عمَّن وظف وافد في محله ولديه مدخول إضافي وراتب تقاعدي ثابت، إنما عن الشباب العمانيين الذين يشغلون هذه الوظائف بأنفسهم، دون أن يكون لديهم مدخول آخر، وإن توقفوا عن دفع الإيجار لهذه الثلاثة أشهر، إلا أنهم لا تزال لديهم حاجة في كسب المال للمعيشة اليومية الأساسية، وبعضهم من عزة نفسه وكبريائه لا يشتكي، ولايطلب، ولا يتسلف، حتى وإن بات جائعاً في داره، إلا الآباء حين تجبرهم الأبوة على التذلل والسؤال لأجل أبنائهم، والأسوأ من ذلك أنَّه إذا تم تحويل مبلغ إلى حسابه عن طريق التطبيق البنكي؛ كونه أسهل إجراء في ظل التطور الإلكتروني "يشفط" البنك ذلك المبلغ قبل أن "يلحق" صاحب الحساب سحبه لشراء احتياجات الأبناء والبيت! وذلك قانوني دون شك، فالقسط غير المدفوع يُؤخذ جبراً، وإن كان مجال رزق العميل مُتوقف؛ فهذا لا يهم المؤسسة البنكية، ولا يغير قوانينها؛ لأن لا قانون صارم يجبرها على تأجيل الأقساط في وسط جائحة كورونا التي أوقفت نشاط الكرة الأرضية، لكنها لم توقف قوانين الرأسماليين الذين يُفكرون خارج نطاق التغطية الحالية، والذين نسوا أن رضا العميل هو أهم عنصر لكسبه على الدوام، ومع غياب الإنسانية هنا نرى غياب فن التعامل مع العملاء وخدمة الزبائن كذلك من هذه المؤسسات، والتي أتمنى من الجميع مقاطعتها إن لم تبدأ بقانون تأجيل الأقساط على من لا يستطيع الدفع على الأقل.

فالوطنية والإنسانية فوق الجميع...،