هديّة وأمان

 

أحمد بن سالم بن علي الحوسني

 

معالجو القلق يقولون إن كنت قلقا من أمر وتريد دفعه فتصور أسوأ ما يمكن أن يحدث وتكيف معه، بمعنى أن تذهب إلى النهاية فتتكيف وتعود منها إلى البداية فيكون شأنها أقل، فتستقر نفسك وتطمئن وتستطيع أن تفكر أفضل وتعمل بطريقة أحسن.

وهذه طريقة لا بأس بها لكنّ الله أهدانا هدية أفضل من ذلك، تعمل على استقرار النفس وتهدئتها.

إنّها كلمة الاسترجاع (إنّا لله وإنّا إليه راجعون) كلمة قليلة الألفاظ كثيرة المعاني.

فهي كلمة ليست لحوادث الموت فحسب كما قد يتصورها بعضنا، بل هي شاملة لكل المصائب التي تصيب الإنسان سواء كانت خوفا أو جوعا أو نقصا ماليا أو نقصا بشريا أو نقصا في الموارد، وسواء كان الخوف من عدو أو مرض أو تقلب في الطبيعة من ريح أو إعصار أو عاصفة.. كل ذلك وغيره مندرج في إطار هذه الكلمة ذات الألفاظ القليلة.

(ولنبلونّكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا لله وإنا إليه راجعون).

 

إنّها كلمة وليست كأي كلمة.

إنّها الانقياد المطلق والتسليم التام لخالق الكون ومدبره.

مهما كانت الأسباب، ومهما كانت الظروف والأحوال يبقى هنالك ربّ مدبر لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.

إنّها التسليم بأنّه يملكنا ويملك أمرنا، إن شاء أبقانا وإن شاء ردنا إليه، مهما تصرفنا ومهما فعلنا ففي النهاية كما في البداية نحن له وهو لنا.

لا يعني ذلك أن نترك البحث عن الأسباب ومعالجتها، ولا أن نعفي أنفسنا من أي استعداد أو أية مقاومة، بل من منطلق التسليم له أن نعمل ونستعد ونتحرك ونتعاون ونعالج ونقاوم، ونحن نعلم أنّ إلهنا لن يترنا أعمالنا، ولن يبخسنا جهودنا، بل سيهدينا سبلنا، وسيرى سعينا، ويجزينا الجزاء الأوفى.

نعمل مستعينين به متوجهين إليه مخلصين له محتسبين الأجر من صبرنا، صبر على العمل أو صبر على الفقد أو صبر على الأذى..

نعمل جهدنا وكأنّ الأمر مرده إلينا، ولكن في قلوبنا يقين أن النتائج من الله، كالطبيب الذي يبذل كل جهده وعنايته بالمريض ويوقن في قرارة نفسه أن الشفاء بيد الله. أو كقائد مركبة يهتم بها ويقودها بطريقة آمنة ويعلم في نفسه أن الحافظ الله فالحوادث قد تقع مهما بالغ في الاحتياط.

إنّ إدراكنا لهذا الأمر يزيل عنا التوتر والقلق ويمنحنا شبكة نجاة وصمام أمان، أنّه مهما كانت النتائج ومهما كان اختيار الله لنا فلن تجد منا إلا صبرا وقبولا وإيمانا وتسليما.

نعم هي هدية من الله لأننا لا نحتاج إلى تصور أسوأ النتائج بل يكفي أن نكيف أنفسنا على تقبل كل ما يحدث وعلى وضع ثقتنا بالله اللطيف الخبير، وهو ما يمنحنا استقراراً أكبر ومجالا للعمل بصورة مطمئنة في كل حال وكل حين.

 وفوق ذلك وعدنا مكافأة عظيمة

(أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون).

تعليق عبر الفيس بوك