الحب في زمن الكورونا!

طاهرة فدا

جلست ليلى في بلكونه منزلها في الطابق العلوي ترتشف القهوه التي أعدتها لنفسها، كعادتها هي تستخدم البن مع الهيل لأعداد القهوة التركية، رتبت الطاولة الخشبية الصغيرة في البلكونة وضعت عليها مزهرية فيها ورود زهرية وبيضاء قطفتهم الخادمة من حديقة منزلها، وبجانب المزهرية وضعت صحن جميل عليه رسومات بلون الأزرق وكأنه من التراث الصيني القديم. وضعت بعض حبات التمر العماني داخل الصحن ثم تذكرت المفرش الكشميري الناعم الذي اشترته من عجوز في المعرض الاستهلاكي فأحضرته وفرشت الطاوله بالمفرش، كان المفرش لونه أزرق بحري عليه تطريز بخيوط بيضاء ناعمه، قالت بخاطرها "جميل هذا المفرش، ولونه مريح للعين". بعد أعدادها للطاوله صبت فنجان قهوتها ثم تأملت المنظر وأخذت هاتفها تصور الطاولة كي تضع الصورة على صفحتها في الانستغرام. لم تقتنع بجوده الصورة الأولي فكررت التصوير حتى اقتنعت بإحدى الصور وقامت بنشر الصوره على صفحتها وكانت في انتظار أعجاب المتابعين لها، لكن قهوتها بردت

قالت: ما أحبها باردة أحسن أقوم أسوي لي فنجان ثاني

ذهبت إلى المطبخ ونظرت إلى فنجان القهوة وتذكرت أنها أحضرت هذه الفنجانين من سوق المغطى في تركيا عندما ذهبت مع زوجها نبيل وأبنها سامي لقضاء الإجازة الصيفية وكان هذا قبل خمسه أعوام. تذكرت كيف أشار عليهم زوجها نبيل عندما قال لها: شفت شيء يعجبك واجد

ردت: وش هو؟

قال: شوفي وهو يشير إلى طقم من فنجانين القهوة التركية برسومات من العهد العثماني أضاف: هاي قيشاني*

قالت: حلوين يجننوا، خيال

قال: أنتِ تحبي اللون الأزرق

قالت: أكيد، وأخذت تنظر إلى فنجان القهوة وهي تقلبه يميناً ويساراً تتأمل جمال الرسومات الدقيقة عليه وكأنه تحفة فنية صاغها رسام

قال: هذا الطقم مال الفناجين حالش.. هدية مني

قالت: شكرا يا أبو سامي، دوم أنت ذوق معاي وربي لا يحرمني من كرمك

ومنذ رجوعهم من تركيا وهي كل يوم تعد القهوة في هذا الفنجان

 

رجعت إلى البلكونة مع كوب قهوتها وهي ساخنة ونظرت إلى الطاولة

قالت في خاطرها: والله زمان ما جلست هل الجلسة من زحمة العمل، لكنها كانت غير قادرة على إخفاء قلقها

فانتشار فيروس الكورونا (كوفيد 19) سريع وبالرغم من فرض العزل المنزلي في السلطنة إلى أن الشارع المقابل لمنزلها مليء بالعمال والخدم والأطفال. سمعت صوت هاتفها يرن ورفعت السماعة، صوت أختها منى من الطرف الآخر

 تقول: كيف حالش ليلى؟ بغيت أخبرش أنه سهام بنتي رجعت من بريطانيا وتوهي في الحجر المنزلي

قالت: حمد لله على سلامتها. ربي يحميها

كانت مكالمة قصيرة جدا

بعدها سمعت زوجها نبيل يقول لها: "سوي لنا شاي"، لأنه هو أيضا كان يعمل من المنزل بالاستخدام الأنترنت

ردت عليه: تعال البلكونه اشرب قهوة معاي 

جلس بجانبها في البلكونه المنزل وقال باستغراب: تو الدولة ما فرضت العزل المنزلي وقللت من عدد الموظفين الى ٣٠٪، ليش الشارع مليان عمال

ردت: وحدي ما أفهم! أضافت: أقول أبو سامي بنت أختي منى رجعت من بريطانيا أمس ما المفروض نسير نسلم عليها؟

قال: لا طبعا ما نروح هي في الحجر المنزلي تو

قالت: كلنا في الحجر المنزلي، بسير أسلم عليها عن أختي تزعل وتأخذ بخاطرها

قال: ما يصير يا أم سامي ترا ما تعرفي وضعها الصحي كيف تو، وأحسن ما تسيري

قالت بخاطرها ما عليه بسير شوي نص ساعة وارد البيت، وحدي مليت من البيت

ذهبت في المساء إلى منزل أختها وسلمت على سهام وطلبوا بعض العصائر والمثلجات ومن ثم رجعت للبيت

كان زوجها نبيل ما يزال نائم

قالت: الحمد لله أنه أبو سامي نايم ولا كان نازعني وقال ليش سرتي عند أختك منى

بعد العشاء ذهبت للنوم لكنها أحست بجفاف في حلقها وحمي وعطاس، فجأه جمدت تذكرت أن هذه هي أعراض مرض الكورونا أخذت تترجف من الخوف وتنادي " يا أبو سامي، يا نبيل هينك"، جاء الزوج الذي كان يتابع فيلم مع أبنه

قالوا: وش فيش آماه

قالت: فيني كورونا

قالوا: نعم! كيف، ليش، متى؟!

اعترفت أنها ذهبت لزيارة أختها منى وأبنتها سهام

قال سامي: طيب وسهام كيف تطلع من غرفتها المفروض ما تقابل حد عن تعديهم

قالت: ترا مشتاقه لنا فطلعت تسلم ورجعت غرفتها بسرعة

قال: ما يصير المفروض ما تطلع وما تقابل حد أبدا لمدة ١٤ يوم

قالت: مو دراني ترا نسيت كنت فرحانة بشوفتها

 

أخذها نبيل إلى أقرب مشفى وبعد الكشف عليها شخصت الدكتورة بانه الاعراض التي لديها توضح أنها مجرد نزلة برد موسمية لكن لازم يتم آخذ عينة للفحص وانتظار النتيجة. مرت الأيام ثقيلة جداً وهي تنتظر نتيجة الفحص خلالها كان نبيل يحضر الطعام لزوجته التي كانت في الغرفة المفردة وهي في الحجر المنزلي، ويحادثها بالهاتف ويرسل لها رسائل نصية حتى يخفف عنها القلق والملل، لم يتعمد أن يلومها على تصرفها لأنه يعلم أنه من عادات العمانيين الزياره حين الرجوع من السفر وكانت هي تشعر أنه يدعي لها بالشفاء في صلاته. أما هي فاستعدت للموت وجلست تفكر كيف تعد الوصية وماذا تكتب فيها. كانت تأخذ وقت طويل في الصلاه والدعاء على غير عادتها. كان نبيل يحاول أن يبعد فكرة الموت عن تفكيرها. 

فقال لها وهو واقف خلف الباب غرفتها يحادثها: طبخت لك، عملت لك طبق معكرونة مع الصلصه البيضاء

قالت: كيف تعرف تطبخ ومن متى! ما كنت اعرف يا أبو سامي أنك خطير

قال: تراش انت علمتيني

قالت: متى؟

قال: لما كنت حامل بآبنا سامي، كنت أساعدك في المطبخ وعاد غشيت الوصفة

قالت: قلت إنك خطير، علشان كذا أحبك

قال: الله أكبر عليش يا ليلو بس هذا هو السبب أني خطير ماشي سبب آخر

قالت: خطير ترا ما شوية يعني أنك شاطر بكل شيء

قال: تعرفي نحن الاثنين انشغلنا بالحياه ونسينا حبنا الأولي

قالت: وحدي ما نسيت، بعدني أتذكر كيف كنا نحضر المعكرونة ونجلس سوا نتعشى على ضوء الشموع ونشوف فيلم ونتضارب على الريموت

قال: أقول تراش رومانسية حتى في الضرابة

قالت: كانت ليالي جميلة ورومانسية وكلها ضحك ووناسه

قال: بترجع بإذن الله 

 

كان سامي في الغرفة المجاورة يسمع حوار الأم والأب ويضحك في خاطره ويتمنى أن تكون علاقته مع زوجته في المستقبل كعلاقة والديه، لكنه همس في خاطره: تو هل العشاق ما خلوني أركز في دروسي، ما يكفي أن المدرسة مسكره وأتعلم عن بعد. يا الله متى نخلص من كورونا العوق

 

 

وظهرت نتيجة الفحص سلبية، بكت ليلى من الفرحة، أما نبيل فجلس على الكرسي يحمد الله، اعتذرت ليلى لنبيل ولأبنها سامي عن تصرفها اللامسؤول 

اتصلت بأختها منى لتحكي لها ما حدث معها بعد زيارتها لهم

ردت الأخت: الحمد لله على سلامتك وسهام ما فيها إلى العافية، أقول ليلى أحمدي ربك أنه عندك زوج محب وكريم وعطوف، هاي نعمة من رب العالمين، ترا تعرفي زوجي عبد الله وش سوا، تركني وأخذ وحده كانت تشتغل بالصالون مالي (قالتها بمراره وألم وحرقة).

 

 

--------------------------------------

* فن ظهر في مدينة قيشان الإيرانية ويعني الخزف المنقوش.

ماري ألياس: بلاط القيشاني عبارة عن خزف مغطى بقشرة رقيقة بيضاء عليها طلاء أبيض شفاف براق تحته رسوم حدودها سوداء أما ألوانها فإما خضراء براقة أو زرقاء أو حمراء فاتحة، وكثيراً ما يضاف إلى هذه الألوان لون آخر أحمر براق.

المصدر: صحيفة الاتحاد (2011): القيشاني قطع فنية إلى القصور العتيقة.

https://www.alittihad.ae/article/6042/2011/-%D8%A7

تعليق عبر الفيس بوك