اقتصاد العالم ما بعد كورونا

 

 

مُحسن بن مرتضى اللواتي

يَرَى الكثير في هذا العالم المضطرب أنَّ تفشِّي فيروس كورونا شرٌّ مُطلق أصابَ الاقتصاد العالمي؛ وذلك منذ نهاية شهر ديسمبر الماضي إلى اليوم وحتى في المستقبل القريب على الأقل، خصوصا مع وصف الوباء بالجائحة العابرة لحدود الدول والقارات، وبشكل دراماتيكي متسارع، مشلة ومدمرة للاقتصاد العالمي؛ حيث لا يخفى على أحد مُطَّلع تأثيراته الارتداية المؤلمة لاقتصاديات الدول المتقدمة؛ فما بالك بالدول النامية، التي تعتمد على سلعة واحدة رئيسية بدخلها كالنفط مثلا في دول الخليج العربية ونيجيريا بالقارة الإفريقية وفنزويلا بقارة أمريكا الجنوبية.

ونستطيع القول أو التنبؤ بأنَّ هذا الحدث المشل للاقتصاد في العام 2020م سيكون حدثا فاصلا في تاريخ العالم والبشرية، وكما نستطيع بتشبيه مثل هذا الحدث بأحداث الحادي عشر من سبتمبر للعام 2001م، كأنه حدث فاصل في تاريخ البشرية والعالم، كما أنه من المتوقع أيضا على الصعيد الاقتصادي أن يُتداول عند المطلعين على المواضيع الاقتصادية مصطلح ما قبل كورونا 2020 وما بعد كورونا 2020. ورغم هذا الضرر الذي أصاب الاقتصاد العالمي بسبب انتشار جائحة كورونا، إلا أنه توجَد فرص جديدة متوقعة لتغيير طرق تفكيرنا نحن كشعوب وحكومات نحو الأفضل على حدٍّ سواء، خصوصا في المسائل المتعلقة بالاقتصاد وأولويات صرف الأموال؛ حيث يتبادر إلى أذهاننا عدة أسئلة؛ هي كما يلي: هل سنستمر بالتفكير في جدوى وضع أموالنا لشراء الأسلحة والإنتاج الحربي، أم ينبغي علينا التفكير بوضع أموالنا للاستثمار بالمشاريع المتعلقة بالقطاع الصحي كالطب والمستشفيات والأبحاث العلمية لمحاربة تفشي الأمراض خاصة المعدية منها؟ وهل أصبح من المهم إعلان الحروب وإن كانت باردة بين دول العظمة وحلفائها إعلاميا، أم أنَّ هناك أشياءً وأولويات أكثر أهمية لابد الالتفات إليها؟ وهل سيُعاد تشكيل العالم في السنوات المقبلة بناءً على هذه الجائحة التي لا تزال تعصف بالعالم والبشرية؟ وهل سيُعاد التفكير بجدوى ونفع سياسة العولمة الاقتصادية التي أشار إليها الكثير من خبراء التحليل السياسي والاقتصادي في السابق، وعلى مدار السنين الماضية، خاصة من التيارات اليسارية الرأسمالية بأنها واقع لا مفر منه؛ حيث تبيَّن الآن تحديدا -وبشكل واضح- أنها سياسة غير آمنة، وأنَّ الحدود المفتوحة وحركة التنقل والملاذات الآمنة للأموال والتصنيع الخارجي من خلال السعي للعمالة الرخيصة عالميًّا؛ ومن أبرزها: الصين، سياسة لا تصمد أمام تفشي الأمراض الوبائية المعدية، ولعل أبرز درس مُستفاد من هذه الأزمة هو اكتشاف مدى خطورة أن يتَّكئ العالم بالاعتماد على الصين بشكل مفرط؛ وذلك على اعتبار أنها دولة واحدة وإن كانت عظمى ذات إمكانيات هائلة، وذلك في تصنيع أغلب مستلزمات الإنتاج أو فتح العديد من المصانع فيها؛ حيث إنَّ الأمر أصبح أشبه بمن يَضَع أغلب بيضه في سلة واحدة وهذا الأمر في غاية الخطورة في دولة تعاني على فترات زمنية ليست مُتباعدة من انتشار الأوبئة والأمراض المعدية؛ مثل وباء مرض السارس الذي انتشر بالصين عام 2002م؛ حيث رأينا ذلك أنَّ الصين كانت البؤرة الأساسية الأولى لنشر هذا الوباء ليكون جائحة منتشرة حول أنحاء العالم.

الخلاصة أنني أرى -خصوصا بعد سيطرة الأحزاب اليمينية في الانتخابات الديمقراطية بالدول المتقدمة- أن توجهاتها ستكون نحو تسريع التحول إلى التنويع في مصادر وأماكن التصنيع حول العالم؛ وذلك لعدم الوقوع في فخ العمالة الصينية الرخيصة مستقبلا.

تعليق عبر الفيس بوك