تأمُّل إنساني في ظل كورونا

 

سُمية السليمانية *

* استشارية في مناهج العلوم الإنسانية

تعجُّ وسائل التواصل الاجتماعي -مُتنقلة بين نقاط أشبه بشبكة عنكبوتية- تتشابك خيوطها بأشكال وأنواع ولغات مختلفة من الأخبار والمعلومات والتحليلات والأحزان والنكات واللطائف.

وفي خُلوة الكتب التي تشدني، رغم ما يغلف الجو النفسي والفكري والثقافي والديني من فيروسات بشرية مُضرَّة أو بكتيريا بشرية نافعة، ترمي بثقلها علينا من كل حدب وصوب، بقصد أو من دون قصد، عدت إلى قائمة كتبي، وقررت إنهاء آخر كتاب علق في يدي.

قلبتُ آخر صفحة من رواية "قواعد العشق الأربعون" لإليف شافاق، وكانت ثمَّة أسئلة عالقة في ذهني عن الأسباب ونتائجها والأحداث ووقائعها والشخصيات ومشاعرها، يعرف من قرأ هذه الرواية ماذا أقصد بهذا الربط التحليلي. عرجت إلى كتب التنمية الذاتية والبشرية التي أملك منها قرابة العشرين عنواناً  أو تزيد، وأخذت أسجِّل في دفتري العبارات التي شدتني وهي كثيرة. بدأت في كتابة الفئات التي تأثرت بما يحدث في مارس 2020م، فوجدت أنها ثنائيات إنسانية وعندما عمدت إلى تصنيفها، أبت إلا أن تمثل في المطلق "الإنسان".

وفي خُلوة القراءة التأملية كانت آيات القرآن الكريم حاضرة في تفسير ما يحدث أو التدليل عليه، ولا أدعي في ذلك علماً، لكنني على يقين بأنَّ هناك من يستطيع كشف باطن المعاني واستحضار العبرة والدروس المستفادة لتُعِين المؤمن على فهم المنحة قبل المحنة وتذوُّق الأمل قبل الألم.

انزويتُ قليلاً، وحاولتُ الرسمَ بأنامل صغيرة غير مُكتَرثة بما حولي، حتى وجدتني أمام صورة جميلة باهية، رسمتها بقلم رفيع غاية في الدقة، ولوَّنتها بألوان زاهية فاتحة على ورق ناصع البياض، تمعَّنت النظر فيها بكل فرح وبهجة، لكنني تراجعت قليلا للوراء عندما تذكرت أنني قد رأيت ما رسمت قبل ذلك، لم يستطع ذهني أن يأتيني إلا بشخوص أعرفها، ومناظر ألفتها، وأحداث ممكنة، وتفاصيل معهودة ومعلومة؛ فكانت رسمتي عادية بسيطة مكرورة.

تركتُ زاويتي ورسمتي البائسة، وعدتُ إلى ركني أفكر في الأجمل مما تصورت، عصرت ذهني علَّني ألتقي بشخوص لم أعرفها من قبل، وأغمضتُ عيني علني أرى في الظلام نورا لحدث جديد غير مُتوقع، وأصغيت إلى الأصوات من حولي علَّني أسمع سرًّا يُعينني على فهم ما كان وما يكون وما سيكون. وعدت أقلب صفحات الأحداث من حولي، وألزمت نفسي بعيش اللحظة في مكانها وزمانها.

بعد مُضي أسبوع حاولتُ أن أكتب قصة تسجل رقمًا قياسيًّا في عدد القراء، انسابَ قلمي في سرد الأحداث وإجراء الحوار وتخيُّل الشخصيات الرئيسية والثانوية وصناعة التفاصيل، ووصف المشاعر والمواقف بكل احتراف، وددتُ أن تكون القصة ماتعة تشد القارئ وتسيطر على فكره، وتثير مشاعره، حتى ينهي آخر سطر فيها، لكنني أدركت حينها أنَّ ما كتبته صورة نمطية مكرورة بشكل أو بآخر.

عُدت للمحاولات الواحدة تلو الأخرى، فخارت قواي عن تصوُّر جديد، حينها أخذت ورقة من مكتبي الصغير وتناولت جهازي الخاص وسجلت اعترافاً مفاده "وخلق الإنسان ضعيفاً"؛ فالله هو الخالق الذي يعلم ما كان وما لم يكن، ولو كان كيف يكون، فإنَّ قَصُر وعينا عن فهم ما كان، فإننا بجميل الطلب منه جل شأنه وصدق الدعاء سنكون ما سيكون، وسيتكشَّف للجميع فرادى وجماعات ذلك السر وستنجلي الحقيقة عن رسائل الله.

ارسموا لوحات حياتكم الجميلة، واحكوا قصة يومياتكم المثيرة من الآن، وغلفوا ما رسمتم وكتبتم بالدعاء الصادق والطلب الجميل.

تعليق عبر الفيس بوك