هل سيعلمنا كورونا ما لم نتعلمه سابقا؟

 

عباس المسكري

 

بعد التَّحية والتقدير لجميع القراء المُتابعين وجميع من يُتابعني على حد سواء، إشارة للمقطع الصوتي ومداخلتي مع الفاضل سلطان العبري حول ما تمَّ تداوله آنفا عن ما وصلنا إليه من احتياج لسلة غذائية مُتكاملة مصدرها ومنبعها من داخل السلطنة، أعود للتذكير لكل أذن صاغية ولكل عقل مُتدبر ولكل غيور يُؤمن بأنَّ الوطن يحظى بخيرات في كل شبرٍ من ربوعه إذا ما تمَّ العمل عليها وفقاً لأهمية الحاجة الماسة فإنِّه بدون أدنى شك لن يكون إلا التوفيق بإذن الله مبلغه ومنتهاه.

ولهذا بادئ ذي بدء..أود الإشارة أيضاً إلى أنَّ في حديثي مع الخبير الاقتصادي أحمد كشوب في البرنامج الاقتصادي بإذاعة عُمان الأول قد أكدت على أهمية هذا الجانب واستفضت في شرح أبعاده.. وللأهمية سلطت الضوء على الموضع في أغسطس ٢٠١٧ وكنت ولا زلت أتمنى أن يلقى ندائي آذنا صاغية تخدم مصلحة الوطن لا تعزز مصالح شخصية حيث أشرت في مقالي حينها أن عُماننا الغالية وبموقعها الاستراتيجي الذي لم تحظ به دولة أخرى في المنطقة فيها من المقومات ما ليس في دول كثيرة، وإنها تتمتع بأمن واستقرار يحسدها عليه الكثيرون وما ذلك إلا بفضل الله تعالى ثم السياسة الحكيمة والنهج القويم لسلطان البلاد -حفظه الله تعالى-، وكلنا نعلم أن السلطنة غنية بالموارد وبها من المقومات ما يجعلها متميزة، كما إنه على مر التاريخ عرفت عُمان بنشاطها التجاري، وكانت مصدرا أساسيا للكثير من السلع للعديد من الأسواق العالمية، وقد تكون مرت بفترة صعبة جراء بعض الانقسامات والخلافات الداخلية، إلا أن جلالة السلطان قابوس- رحمه الله- استطاع أن يوحدها ويبث الأمن والاستقرار في ربوعها؛ حيث أولى جلالته كل اهتمامه لتوحيد الوطن تحت راية واحدة، وأسس لها منهجاً تسير عليه وبخطى ثابتة، وها نحن اليوم والله الحمد ننعم بكل مقومات الأمن والاستقرار الداعم لبناء الاقتصاد الوطني والاكتفاء الذاتي.

ورغم المرحلة الحرجة التي مرت وتمر بها المنطقة اقتصاديا، استطاعت السلطنة ومن خلال السياسة المتبعة أن تقلل من الضرر الذي أصاب الكثير من البلدان، وبما أننا استطعنا أن نقف أمام كل التيارات والعواصف المفتعلة التي هبَّت حولنا، وكل المحاولات من أجل الإطاحة باقتصادنا إلا أن العزيمة والإرادة العمانية حكومةً وشعبًا حالت دون ذلك، وعلى سبيل المثال ليس الحصر، خلال الأشهر الماضية هبَّت علينا عاصفة الخضروات والتي شغلت الرأي العام على أرض الواقع وخلطت الحابل بالنابل في قنوات التواصل الاجتماعي، وتطايرت معها كل الأوراق المتساقطة، وأشير هنا إلى أزمة الخضروات التي حصلت بين السلطنة ودول الجوار، حينها وقف الشعب العماني بأكمله مع قرار الحكومة الصادر بمنع الاستيراد من تلك الدول، بل شمَّر أبناء الوطن المخلصون عن سواعدهم وسعوا جاهدين إلى إيجاد أسواق أخرى لهم، وتكلل سعيهم بالنجاح بما أن عمان تحظى بكل المقومات الداعمة لتنمية الاقتصاد، ولديها من الثروات الحيوانية والزراعية والسمكية، والمائية، وتنعم بأمن واستقرار، وبها موارد بشرية، وموانئ ومطارات ومنافذ حدودية برية وبحرية تربطها بالعالم أجمع.

ومن هنا: لماذا لا يكون اعتمادنا على أنفسنا من خلال جعل السلطنة سوقا تجاريا عظيمة دون الاعتماد على الاستيراد من الأسواق المجاورة، ولماذا لا نجعل من السلطنة واجهة سياحية؟ هل نعاني من نقص في العقول المفكرة التي تستطيع التخطيط لذلك؟ وهل نعاني من عدم وجود تجار حقيقيين؟ أم أن هناك من له مصلحة في إبقاء سوقنا على ما هو عليه؟ هل تعلمون أن نسبة ارتفاع الأسعار لدينا تصل إلى 70% عن دول الجوار وخاصة في المواد الاستهلاكية وقطع غيار السيارات؟ ألا تستطيع العقول الموجودة لدينا خلق سوق منافسة؟ أين كبار التجار المهيمنين على السوق، كلنا نعلم أن الحكومة قدمت لهم الكثير من الدعم وسخَّرت لهم كل الإمكانيات، فماذا قدموا للوطن؟ أين رؤوس أموالهم التي تعد بالمليارات؟ لماذا لا نراهم اليوم في اللحظة التي يحتاجهم الوطن فيها مشمرين عن سواعدهم؟ علماً بأن المجتمع العماني قياسا بالمجتمعات الأخرى لديه قوة شرائية ونراها واضحة في نهاية كل أسبوع عندما تصطف مركبات العوائل العمانية في المراكز الحدودية في طوابير ولساعات، أليس بالإمكان جعل هذه الطوابير في الاتجاه الآخر؟

رحم الله الأجداد عندما قالوا (من يتكل على غيره يقل خيره) رحمهم الله رحمة واسعة، ففي زمن فيه بلدان المنطقة بأكملها عبارة عن صحراء قاحلة، كان الأجداد يجوبون بلدان العالم ويقطعون البحار والمحيطات في سفنهم الشراعية وكانت البضائع العمانية تهيمن على الكثير من الأسواق المجاورة، ومنها البعيدة تلك في بلاد الهند والسند، ففي تلك الحقبة كانت عُمان مركزا تجاريا ولديها اكتفاء ذاتي، فلماذا لا يكون ذلك في هذا الوقت وعُمان والحمد لله لديها بنية تحتية متكاملة، وهنا نتساءل اليوم ما الذي ينقصنا للاعتماد على أنفسنا؟

أعتقد في الفترة التي تتحول فيها البلدان من تجارية بحتة ومستوردة إلى صناعية ومصدرة تغزوا منتجاتها الأسواق العالمية، نحن نصر على إبقاء بلدنا تجاريا مستوردا لأغلب مستلزمات الحياة، ولهذا أعتقد لابد لنا من أن نقوم بنقلة نوعية باقتصاد السلطنة وتحويلها من تجارية إلى صناعية، لأنَّ العالم اليوم بأكمله توجه إلى ذلك ومن وجهة نظري الشخصية نحن ينقصنا ما يلي:

 

ما ينقصنا بالدرجة الأولى هو التنفيذ، فنحن أفضل دولة تعمل دراسات وأكثرها تعاقداً مع استشاريين عالميين وأكثر دولة في تشكيل اللجان ولأقل الأسباب وأكثر دولة في عقد المؤتمرات والندوات وكل ذلك يبقى حبيس ورقة بين أسطره وحبره كالمحكوم عليه بالمؤبد.

ينقصنا الرغبة الصادقة المبنية على المصلحة العامة وليس الخاصة لبناء اقتصاد قوي يعتتمد على إنتاج السلع والخدمات أكثر من استيرادها، ولنبحث عن أسواق جديدة.

ينقصنا التجار المعتمدين على أنفسهم ممن لديهم الجرأة لاستثمار أموالهم في مشاريع صناعية وسياحية، فقد تعب اقتصادنا ممن يمتلكون اسمياً أكبر الشركات في البلد وهي في حقيقتها ملك للآسيوي.

ينقصنا فتح أبواب السوق العماني على مصراعيه للمنافسة الشريفة، وأعتقد أنَّ الأمهات العمانيات أنجبن الكثيرين ممن يمكنهم القيام بنقلة نوعية في عالم المال والأعمال·

 

ينقصنا الترويج التجاري والصناعي والسياحي الجاد، ولا أنكر هناك مؤسسات تقوم بذلك ولكن سأضع تساؤلاتي بين قوسين (منذ قيام هذه المؤسسات بالترويج، سمعنا الكثير من التصاريح ورأينا عناوين عريضة في الجرائد ولكن وبكل صدق لم نلمس شيئا على أرض الواقع، إلا إن كانت هناك نتائج مخفية فربما، وهنا لا بد لي من التساؤل ما هي الشركات العالمية التي استقطبتها للاستثمار في السلطنة؟ أين هذه الشركات ومن هم كفلاؤها ؟

ينقصنا القيام بمراجعة شاملة لبعض القوانين التي تخدم التنمية الاقتصادية لتواكب الزمن، وتقديم التسهيلات والتقليل من بيروقراطية اتخاذ القرارات التي تُعاني منها بعض المؤسسات الخدمية.

عندما أدركنا كم نحن بطيئين والعالم يتسارع ويُداس بالأقدام كل ذي رتم تطوري بطيء زدنا الطين بلة بزيادة الهيئات والمجالس واللجان والوحدات فهناك هيئة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وسند وبنك التنمية، ورفد ومجلس بلدي ولجنة البلدية، ومجلس التخطيط ولجان في مجلس شورى وأخرى في مجلس الدولة...إلخ وأخيراً وربما ليس آخر وحدة تنفيذ .. وبذلك تهنا في متاهة صنعناها بأنفسنا وفي نهاية المطاف لا يصح إلا كما قال أينشتاين: من الغباء أنك تقوم بنفس العمل كل مرة وفي كل مرة تتوقع نتائج مختلفة، المشكلة في آلية العمل برمتها حيث أصبحت بالية لا تصلح لهذا الوقت وبالطبع للمستقبل أقلها تضع كل مؤسسة خطتها الخمسية وبعد اعتمادها تتم عملية التقييم أثناء الخمس سنوات ومن لا يملك سوى تقديم الدراسات وتشكيل اللجان وحضور المؤتمرات فلا مكان له فالحاضر والمستقبل في حاجة لمن يبلور ما يخطه في سطور الورق على صفحات الواقع، ولا أعتقد أنه ينقصنا العقول المفكرة التي تستطيع أن تواكب التطور الحالي، لأنه ولله الحمد وبكل جدارة أثبت الشباب العماني وجوده في كل التخصصات، فقط ينقصنا منحهم الثقة ومشاركتهم المشاركة الفعلية والاعتماد عليهم في التخطيط لمُستقبلهم ولهذا أجزم بأنَّه آن الأوان لنرى العقول الشابة المتنورة الطامحة في خدمة وطنها.

ورغم هذا وذاك أجد بصيص نور شمس صبح مشرقة لاقتصاد واعد تشرق من منطقة الدقم فتحية تقدير للجهود المخلصة هناك التي أنجزت الشيء الكثير في الجانب الصناعي والتجاري، أعتقد أن ذلك ما ينقصنا،، لنعتمد على أنفسنا، وأضيف اليوم هنا بما أننا كباقي بلدان العالم الذي يعاني من جائحة كرونا كوفيد المتجدد، وثانياً بسبب تدني أسعار النفط وتأثر اقتصادنا كغيره من اقتصادات الدول الأخرى بسبب الاعتماد الكلي على النفط، فهل سنتعلم من هذه الدروس مالم نتعلمه سابقًا، وسأترك الكرة في ملعب المسؤولين وذوي الاختصاص.

تعليق عبر الفيس بوك