"العزل المنزلي".. الثغرة التي يجب أن تُسد

مسعود الحمداني

Samawat2004@live.com

"العزل المنزلي".. من وجهة نظري ونظر الكثيرين هو واحدة من الثغرات التي انتشر من خلالها مرض كورونا في البلاد، وأصبح يشكِّل رُعبا غير مسبُوق للناس، وقد اعتمد هذا الإجراء في المراهنة على وعي عالٍ من المجتمع في تغيير سلوكياتهم الحياتية اليومية فجأة ودون سابق إنذار، وعلى رِهَان مُؤسَّسي يعقد آماله على التزام المجتمع بآلية العزل الذاتي دون خَرق أو اختراق، ولكن اتَّضح فيما بعد أن معظم الحالات التي دخلت المستشفيات جاءت نتيجة لهذا العزل الاختياري.

لقد سَمِعنا الكثيرَ من الحكايات التي نَشَر من خلالها هؤلاء المعزولون (المفترضون) المرض بقصد أو بدون قصد، وباستهتار من بعضهم غالبا لم يحسبوا حسابه، وقلّة إدراك من الأسرة لماهية هذا العزل، وحسنا عملت اللجنة حين فعَّلت عملية العزل المؤسسي، غير أنها تركت ثغرة أخرى بتركها الخيار للمريض للاختيار بين العزلين: المنزلي أو المؤسسي، ولعل التصريحات التي خرجت من بعض المسؤولين بأن العزل المنزلي هو الخيار الأفضل لأنه يجعل المريض مستقرا (نفسيا) بين أسرته، كانت تصريحات غير دقيقة، وتبرير غير مُقنع لتزايد حالات الإصابة نتيجة لذلك الإجراء.

وحين رَاهن بعض المسؤولين على وعي ونضج المجتمع، فهذا الرِّهان أتى دون قياس لمستوى هذا الوعي، ودون رقابة للتغيير السلوكي الذي يمكن أن يُحدِثه طارئ معيّن خلال فترة زمنية قياسية، وهذا سوء تقدير -من وجهة نظري- للأزمة، وقراءة غير واقعية لمخاطر العزل المنزلي، فكيف تتوقع من مجتمع اعتاد على الاجتماعات والتواصل الاجتماعي، من باب ديني وإنساني، كيف تتوقع منه أن يغيِّر سلوكه بين ليلة وضحاها، ويصبح مجتمعا جامدا لا حِرَاك له؟! وما الذي تتوقعه من أبناء وزوجات وأمهات وآباء وهم يرَون أحد أفراد أسرتهم طريح الفراش دون أن يقدِّموا له يد العون -من وجهة نظرهم؟ هل يقفون ليتفرجوا عليه، أم يعودونه من باب الاطمئنان، تماما كما يحدث في المستشفيات التي تعجُّ بالزوار لمرضى القلب مثلا رغم التحذيرات المتكررة بعدم الزيارة؟

من جانب آخر، يجب مُحاسبة الأشخاص المرضى الذين تعمَّدوا نشر العدوى، فهذه جريمة لا تغتفر، وعدم إدراك ومسؤولية لما يسببه ذلك من أذى نفسي وصحي على الآخرين، قد يصل إلى جريمة قتل غير عَمد في حالة وفاة أحد المخالطين لهذه الحالة، ولعل من فعل ذلك لم يُعِر الحجر المنزلي بالا، واستخف بالجائحة التي أصابت نارها أكثر من نصف مليون شخص حتى الآن حول العالم، وهنا يأتي دور الحجر القسري للمصابين، وهذا لن يأتي دون رقابة لصيقة للمرضى وفي أماكن محددة، ومعينة يمكن مراقبتها، وحصرها، وهو ما يفعله الحجر المؤسسي بكل فاعلية.

إنَّ تفعيل "الحجر المؤسسي" الإلزامي بات ضروريًّا لردع المستهترين، والإبقاء على تفشي المرض في مستواه الحالي، وصولا إلى الحالة الصفرية التي نسأل الله أن يعجّل بها، صحيح أن هذا قد يكلّف الدولة تكاليف إضافية من ناحية توفير الكادر الطبي، لكنه إجراء حكيم في هذه الفترة بالذات، وهذا سيحد من اختلاط المصابين بالأصحاء، وبالتالي سيخف من حدة انتشار هذه الجائحة سريعة الانتشار والعدوى، وهو ما سيعجِّل بانحسار هذا المرض الذي حبس البلاد والعباد، وأوقف الاقتصاد في كل بقاع الدنيا.

لعلَّ في جعبة اللجنة المكلفة بمتابعة تطورات مرض كورونا الكثير من الإجراءات والخطوات التي قد تكون مُؤلمة أحيانا، ولكن لا بد منها لعبور هذه الأزمة الكارثية، والوصول إلى الضفة الأخرى من النهر؛ وذلك لن يأتي إلا بتضحيات كبيرة من الحكومة من جانب، والقطاع الخاص والمجتمع من جانب آخر، ولكن لا مفر من الألم المالي والإداري أحيانا، لكي نقضي على الألم الأكبر، ألم فقد الأرواح -لا قدّر الله.

نسال الله أن يَرفع عن الجميع شرَّ هذا البلاء والوباء، وما ذلك على الله بعزيز.