الحد الأقصى للتعاضد.. "كوفيد-19"

 

فاطمة الحارثية

 

يمتلك الإنسان الكثير من مقومات الوعي والإدراك وهو في ذلك يستخدم حواس مُختلفة لتغذية وفهم المُعطيات من حوله وترجمتها إلى "منفعة أو ضرر/ مهم أو غير مهم"، وبيّن قوله سبحانه وتعالى "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" أن العلوم تُؤتى ولا تُكتسب فقط، كذلك فهم تلك العلوم وكيفية الانتفاع منها في معاش الإنسان سواء في مراحل حياته المختلفة أو الظروف والأوضاع المُتغيرة.

أتت جائحة كوفيد19 علينا بالكثير من المُتغيرات وتكاد تكون بعض تلك المتغيرات جذرية كسمات العادات الإنسانية وقواعد السلوك الاجتماعي، وطرحها ليس بالهين فكرياً وعاطفيًا لكل مُدرك ومتصور إلى ما بعد جسر كوفيد19. أصبح جليا للجميع ما كان مطلباً "مسكوت عنه"، رفع "الرعوية" عن أسس التعليم والتعلم، رفع "الرعوية" عن جوهر الأداء الصناعي والتجاري والاقتصادي، رفع "الرعوية" عن مُختلف الخدمات الأساسية، رفع "الرعوية" عن كل ما هو تحت مظلة "الرعوية" ووضع نظما وتحكيما مطلقا يعتمد على نفسه في الإنشاء والتنمية والتطوير.

إنَّ جائحة كوفيد19 استنفذت غطاء "الستر" إن أجدت التعبير وأظهرت الكثير من الثغرات التي تغافل عنها من "أمل أن يصنع الخير نفسه"، إنه لمن المؤسف أن يستطيع طلاب دونا عن آخرين أن يُكملوا تعليمهم، ومن هم في حُكم التعليم "الحكومي" في حيرة من مستقبلهم وحياتهم التي هي إلى يوم كتابة هذا المقال لم يتم سؤالهم فيها أو عنها ليبقى مستقبلهم مجهولاً وقد يتأذى البعض بما لا مجال له لإصلاح مخرجاته. دول كثيرة تحصد استثمارات عملت عليها بكل جهد من أجل بقائها على خارطة الحياة والعالم وها هم أبناؤهم مستمرون في التعلم ومن منازلهم بكل سلاسة.

قالت لي نوال: "ماذا حصل لنا كعُمانيين! أين عمان نبض واحد! لا أكاد أصدق الاستهتار ونشر الغسيل الذي يتبعه العمانيون عبر وسائل التواصل الاجتماعي دون حشمة أو عقل"!

لا أعلم ولا أفهم الكثير من سلوكيات من هم أهلي باسم الوطن، ولا أكاد أتنفس من سلبيتهم التي لا طائل منها سوى نشر ما لا يُثمن أو يُغني من جوع، وكأن النقد والنقل السلبي بات شغل شبابنا الشاغل، قلت عوائد الثقافة العامة من فكر وأعمال ثقافية ومشاركات اجتماعية مثمرة في سبيل الشهرة أو زيادة عدد المُتابعين، أصبح التواصل الاجتماعي كالصحف الصفراء! لا بأس من التنافس لكن ليكن التنافس في تثقيف المجتمع ونشر الفكر والعلوم وما يحتاجه المجتمع من وعي في مختلف جوانبه الحياتية، وهذا ما يحتاجه المجتمع والأجيال التي تتأثر وتتأسس بما حولها وما سينعكس ذلك على خارطة مستقبل عُمان. إنَّ الاستثمار الصحيح للوقت سواء في عزلة أو حجر صحي بما هو مفيد ونافع كالقراءة أو التأمل أو تعزيز هواية ثقافية أو مُراجعة الذات وتقييم وضع ما بعد الهدوء والحجر، "لتكن استراحة محارب" وليس هزلاً ومعمعة، وأيضًا قد تكون بالمشاركة النفعية من قبل جميع الفئات التي ترعرعت في خيرات هذا الوطن الغالي، كاستمرار التعليم ولو بمجهود شخصي من قبل المدرسين عبر وسائل التواصل الاجتماعي وفئات المجتمع المعطاءة في العلوم المختلفة والاستشارات الاجتماعية والفكرية.

إنَّ العلاقات الإنسانية أتى عليها جائحة كوفيد19 لتشكل حدودا غريبة المعالم بين الأقران، وما كان ضعيفاً أو زائفاً سقط وما هو حقيقي بقي وصمد، ومنها أتت علينا بتنبيه واضح ومستنكر، كيف نقبع في طابور المنتظرين للقاح أو علاج وقد أنجبت عمان علماء ومفكرين ودونت الحضارات عنهم فأين البحث العلمي هنا وأين السعي لإيجاد العلاج لا انتظاره، لربما تكلفة إيجاد العلاج علينا أقل من شرائه هذا إن وجد قريبًا.

جسر...

نحن نطالب بأمور كثيرة وحقوق أوجدناها لأنفسنا ولكن ماذا أعطينا "إضافة إلى سوء استخدام شبكات التواصل الاجتماعي من بعضنا" ماذا بالفعل اجتهدنا فيه من علوم وحلول، هبّ من هبّ لإعطاء المال! وهل المال هو كل الحل أو زيادة أدوات الفحوصات المخبرية؟ أين علماء أرضنا في البحث عن العلاج؟ أين هيئات البحث العلمي والابتكار، أين حصاد الاستثمارات التي وضعت أساس البحث والعلوم؟ دخل في مناهج أطفالنا "كمبريدج" وغيرها، الآن أين تلك الحلول الجذرية التي تضمن استمرار التعليم؟ نحتاج إلى حلول حقيقية في خضم تداعي الاقتصاد وسلامتنا وليست أوامر لها السمع والطاعة فقط.