في تقرير لمسؤول بصندوق النقد الدولي

"صدمة مزدوجة" تنتظر الشرق الأوسط وآسيا الوسطى: كورونا وأسعار النفط

 

◄ عدم اليقين بشأن طبيعة الصدمات ومدتها أدى إلى تعقيد استجابة الحكومات

◄ انخفاض تدفقات المحافظ المالية بنحو ملياري دولار منذ منتصف فبراير

◄ المسؤول الدولي يوصي بحلول مالية اتخذها "المركزي العماني" بالفعل

◄ التعاون الدولي ضرورة وجودية لمنع "ندوب اقتصادية دائمة"

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

 

الدكتور جهاد أزعور هو مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، والمشرف على عمل الصندوق في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى والقوقاز، وهو عندما يكتب عن كورونا والنفط معا فإنه يشرح حجم التأثير المضاعف للخطرين اللذين تآلفا خلال الأشهر القليلة الماضية صدفة -من حيث التوقيت- وعمدا -مع عدم الاتفاق على خفض إنتاج النفط الذي كانت تقتضيه ظروف انخفاض الطلب.

وفي تقرير نشر على الموقع الإلكتروني لصندوق النقد الدولي، يحلل أزعور واقع الأزمة، ومن اللافت في استعراضه وتحليله ما جاء من توصية لمواجهة الحالة بقوله: "عندما يكون نقص السيولة مصدر قلق كبير، يجب على البنوك المركزية أن تكون مستعدة لتوفير سيولة وفيرة للبنوك، وخاصة تلك التي تقرض المشاريع الصغيرة والمتوسطة، في حين أن المنظمين يمكن أن يدعموا إعادة الهيكلة الحكيمة للقروض المتعثرة دون المساس بقواعد تصنيف القروض والمخصصات". وهذا ما قام به بالفعل البنك المركزي العماني قبل أيام.

ويبدأ الدكتور جهاد أزعور بالتأكيد على أن تأثير فيروس كورونا المستجد مع هبوط أسعار النفط في الشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى كبير ويمكن أن يتفاقم. ويقول إنه مع ثلاثة أرباع البلدان التي أبلغت عن حالة مؤكدة واحدة على الأقل من فيروس كورونا المستجد ويواجه البعض تفشيًا كبيرًا، أصبحت جائحة فيروس كورونا المستجد أكبر تحد على المدى القريب للمنطقة. مثل الكثير من بقية العالم، فوجئ الناس في هذه البلدان تمامًا بهذا التطور، وقال أود أن أعبر عن تضامني معهم أثناء مواجهتهم لهذه الأزمة الصحية غير المسبوقة.

ويضيف أنه بجانب الخسائر المدمرة على صحة الإنسان، فإنّ الوباء يتسبب في اضطراب اقتصادي كبير في المنطقة من خلال الصدمات المتزامنة - انخفاض الطلب المحلي والخارجي، وانخفاض التجارة، وتعطيل الإنتاج، وانخفاض ثقة المستهلك، وتضييق الأوضاع المالية. ويواجه مصدّرو النفط في المنطقة صدمة إضافية من انخفاض أسعار النفط. أدت القيود المفروضة على السفر بعد أزمة الصحة العامة إلى خفض الطلب العالمي على النفط، وأدى عدم وجود اتفاقية إنتاج جديدة بين أعضاء أوبك + إلى وفرة في إمدادات النفط. ونتيجة لذلك، انخفضت أسعار النفط بأكثر من 50 في المائة منذ بداية أزمة الصحة العامة. من المتوقع أن توجه الصدمات المتشابكة ضربة قوية للنشاط الاقتصادي في المنطقة، على الأقل في النصف الأول من هذا العام، مع عواقب محتملة دائمة.

ويلفت إلى أنّ هذا التحدي سيكون شاقًا بشكل خاص للدول الهشة والممزقة في المنطقة - مثل العراق والسودان واليمن - حيث يمكن أن تتفاقم صعوبة إعداد أنظمة صحية ضعيفة للفاشية من خلال انخفاض الواردات بسبب الاضطرابات في التجارة العالمية، مما يعطي ارتفاع النقص في الإمدادات الطبية والسلع الأخرى مما أدى إلى زيادات كبيرة في الأسعار.

 

إليك ما نعرفه!

وتحت عنوان إليك ما نعرفه يضع أزعور بعض الحقائق قائلا: أولاً، إن الإجراءات المتخذة لاحتواء انتشار الوباء تضر بالقطاعات الرئيسية الغنية بالوظائف: مثل الضيافة وتجارة التجزئة، وبالنظر إلى الأعداد الكبيرة من العاملين في قطاع الخدمات، ستكون هناك أصداء واسعة إذا ارتفعت البطالة وانخفضت الأجور.

كما يتم تعطيل الإنتاج والتصنيع وتأجيل خطط الاستثمار. وتتفاقم هذه الصدمات السلبية بسبب انخفاض ثقة الأعمال والمستهلكين، كما لاحظنا في الاقتصادات حول العالم.

بالإضافة إلى الاضطرابات الاقتصادية الناجمة عن فيروس كورونا المستجد، يتأثر مصدرو النفط في المنطقة بانخفاض أسعار السلع الأساسية. سيؤدي انخفاض عائدات التصدير إلى إضعاف المواقف الخارجية وتقليل الإيرادات، والضغط على الميزانيات الحكومية وامتدادها إلى بقية الاقتصاد. من ناحية أخرى، من المحتمل أن يتأثر مستوردو النفط بآثار الجولة الثانية، بما في ذلك تدفقات التحويلات الأقل وضعف الطلب على السلع والخدمات من بقية المنطقة.

وأخيرًا، أدّت الارتفاعات الحادة في النفور من المخاطر العالمية وهروب رأس المال إلى الأصول الآمنة إلى انخفاض تدفقات المحافظ إلى المنطقة بما يقرب من 2 مليار دولار منذ منتصف فبراير، مع ملاحظة تدفقات كبيرة في الأسابيع الأخيرة - وهو خطر أكدته في المدونة الأخيرة. انخفضت أسعار الأسهم، وارتفعت هوامش السندات. يمكن أن يكون مثل هذا التشديد في الظروف المالية تحديًا كبيرًا، بالنظر إلى ما يقدر بنحو 35 مليار دولار في المنطقة من الديون السيادية الخارجية المستحقة في عام 2020، وفي ظل هذه الخلفية الصعبة، من المرجح أن تشهد المنطقة انخفاضًا كبيرًا في النمو هذا العام.

 

سياسة الأولويات

تتمثل الأولوية السياسية الفورية للمنطقة في حماية السكان من فيروس كورونا المستجد. ينبغي أن تركز الجهود على تدابير التخفيف والاحتواء لحماية الصحة العامة. يجب على الحكومات ألا تدخر أي نفقات لضمان تجهيز الأنظمة الصحية وشبكات الأمان الاجتماعي بشكل ملائم لتلبية احتياجات سكانها، حتى في البلدان التي يتم فيها عصر الميزانيات بالفعل. فالحكومات تزيد من الإنفاق الصحي وتدرس اتخاذ تدابير أوسع لدعم الفئات الضعيفة ودعم الطلب.

ومع الأخذ في الاعتبار أنّ هذه تعد الحتمية والأولوية الأولى فإنّ هناك أولوية لاحقة ومهمة؛ حيث يجب أن تكون استجابات السياسة الاقتصادية موجهة نحو منع الوباء - وهي أزمة صحية مؤقتة - لكن لابد من الانتباه أيضا إلى عدم ترك الحالة تتطور إلى ركود اقتصادي طويل الأمد مع خسائر دائمة في الرفاه للمجتمع من خلال زيادة البطالة والإفلاس. ومع ذلك، يقول أزعور إنّ عدم اليقين بشأن طبيعة ومدة الصدمات قد أدى إلى تعقيد الاستجابة السياسية. وحيثما يتوفر حيز تحرك للسياسات، فيمكن للحكومات أن تحقق هذا الهدف باستخدام مزيج من السياسات الموجهة في الوقت الصحيح من جانب، والموجهة للقطاعات والسكان الأكثر تضررا كذلك، بما في ذلك تخفيف الضرائب المؤقتة والتحويلات النقدية.

ويرى أنه يجب أن يتألف الدعم المالي المؤقت من تدابير توفر دعمًا جيدًا موجهًا للأسر والشركات التجارية المتضررة. ويجب أن يهدف هذا الدعم إلى مساعدة العمال والشركات على تجاوز هذه الحالة المسيطرة على النشاط الاقتصادي، والذي يؤمل أن يكون مؤقتًا، وما ستستتبعه الإجراءات الصحية التي يتم تنفيذها للسيطرة على انتشار فيروس كورونا المستجد، ومع ذلك فينبغي أن يأخذ هذا الدعم في الحسبان الحيز المالي المتاح، وحيثما تكون مساحة الحركة المالية محدودة يتم استيعابها من خلال إعادة ترتيب أولويات الإيرادات وأهداف الإنفاق ضمن الأطر المالية المتاحة حاليا.

ويضيف أنّه عندما تبدأ الأزمة المباشرة من فيروس كورونا المستجد في التلاشي، يمكن النظر في اتخاذ تدابير مالية تقليدية أكثر لدعم الاقتصاد، مثل إعادة تشغيل الإنفاق على البنية التحتية، على الرغم من تآكل الحيز المالي بشكل كبير على مدى العقد الماضي. نظرًا لطبيعة التباطؤ الحالي، من غير المرجح أن تنجح محاولة تحفيز الاقتصاد في هذا الوقت وقد تخاطر بإلغاء الحيز المالي المحدود الذي لا يزال متاحًا.

ويوضح أنّ العديد من الدول تقوم بالفعل بإدخال تدابير هادفة، والاعلان عن حزم مالية كبيرة لدعم القطاع الخاص. وتشمل هذه الحزم تدابير موجهة لتأجيل الضرائب والرسوم الحكومية، وتأجيل مدفوعات القروض، وزيادة التمويل الميسر للمشاريع الصغيرة والمتوسطة الحجم، بينما الدول الأخرى، ولا سيما الدول المستوردة للنفط في المنطقة، لديها مساحة سياسية محدودة.

دعم "صندوق النقد"

وحول دور صندوق النقد الدولي في هذه الأزمة أو كما يطلق عليها الصدمة المزدوجة يقول الدكتور جهاد أزعور: "منذ اندلاع فيروس كورونا المستجد، كنا في تفاعل مستمر مع السلطات في منطقتنا لتقديم المشورة والمساعدة، لا سيما أولئك الذين هم في حاجة ماسة إلى التمويل لتحمل الصدمات. ويمتلك الصندوق عدة أدوات تحت تصرفه لمساعدة أعضائه على التغلب على هذه الأزمة والحد من تكلفتها البشرية والاقتصادية، وقد اتصلت عشرات الدول من المنطقة بالفعل بالصندوق للحصول على الدعم المالي. والعمل مستمر لتسريع الموافقة على هذه الطلبات - وفي وقت لاحق من هذا الأسبوع، سينظر مجلسنا التنفيذي في طلب من جمهورية قيرغيزستان للحصول على تمويل طارئ، على الأرجح أول دفعة من هذا القبيل منذ تفشي جائحة فيروس كورونا المستجد. وسينظر المجلس التنفيذي في عدد قليل من الطلبات الأخرى في الأيام المقبلة. الآن، أكثر من أي وقت مضى، التعاون الدولي أمر حيوي إذا كنا نأمل في منع ندوب اقتصادية دائمة.

يشار إلى أن الدكتور أزعور يحمل درجة الدكتوراه في العلوم المالية الدولية ودرجة علمية عليا في الاقتصاد الدولي والعلوم المالية؛ وكلتيهما من معهد الدراسات السياسية في باريس. إضافة إلى ذلك فقد أعد أبحاثا حول الاقتصادات الصاعدة واندماجها في الاقتصاد العالمي حين كان زميلا لما بعد الدكتوراه في جامعة هارفارد. وللدكتور أزعور عدة كتب ومقالات منشورة حول القضايا الاقتصادية والمالية كما أنّ لديه خبرة طويلة في التدريس.

تعليق عبر الفيس بوك