جائحة كورونا: هل أحرجت التقدم العلمي؟

عبد الله العليان

لا شك أنَّ وباء الفيروس الصغير الحجم، الذي لا يُرى بالعين المجردة (كورونا)، والذي أذهل العالم بقدرته على التحدي والصمود والانتشار الكبير، أمام مواجهة الحرب المضادة لهزيمته، أو وقفه، في كل قارات العالم لهو ظاهرة أو فارقة في العقل الإنساني الحديث، كما أنَّه أحرج القدرات العلمية والبحثية المعاصرة، التي كانت تدعي أنَّها استطاعت أن تقدم للإنسانية، الكثير مما لم يخطر على بال الإنسان علمياً، من قدرات الطب الحديثة، ضد أخطر الأمراض ومواجهتها، كما أنَّ وسائل الوقاية العلمية التي قيل عنها الكثير منذ عدة عقود مضت لم تُحقق نتائج جيدة وسريعة، إلى جانب التقدم الهائل في سائر العلوم، وبات عصر العلم ـ كما يدعون ـ والتقدم التكنولوجي، لم يعد يقف شيء أمامه من حيث ما يملكه الإنسان المُعاصر من المعارف ومن التقنيات ـ إنسان هذه الحضارة ـ من حيث ما قدَّمه من البحوث والدراسات الكبيرة التي اطلع بها العلم الحديث، ومن حيث التطورات المذهلة التي كانت تتباهى هذه الحضارة، أنها حققت الانفجار العلوم في كل المجالات، لكن كل هذه الأقوال والوسائل، أصبحت على المحك الحقيقي بسبب هذه الجائحة التي أرعبت الإنسان المُعاصر، بعد عجزها وفشلها، أمام هذا الفيروس المخيف، الذي أصبح أقرب إلى الشبح الذي كنَّا نسمع عنه من جداتنا نحن أطفالاً، عن الأشباح المخيفة التي تجتاح العالم وتدمره وتقضي عليه أو تجعله لا يملك ما يفعله إزاء هذا الفيروس الصغير الحكم، أو كما من تورده أفلام الخيال العلمي في عصرنا الراهن، فهذا الفيروس استطاع أن يغزو الكون كله دون أن يقف أمامه علوم أو تكنولوجيا، أو طرق تحييده لقارة من القارات، إلى حد أنه وصل للتحدي ومقاومة إضعافه، مما جعل شوارع روما، وباريس، ولندن، ونيويورك، وبكين، والكثير من المدن في العالم خالية من حركة السكان بسبب منع التجوال في الكثير من مدن العالم، إلى حد استخدام القوة المفرطة في هذا الحظر!، ومن حتى وجود مكان للمرضى في المستشفيات في بعض الدول الأوروبية، وحصد حتى الآن عشرات الألوف بوفاتهم، ومئات الآف من مرضى هذا الوباء، أو من تمَّ الحجر عليهم، بسبب الاشتباه بمرضهم، بالإضافة إلى مئات الملايين في دول العالم، تمَّ إبلاغهم بالجلوس في بيوتهم، إلى أن تنتهي هذه الجائحة الخطيرة، التي لم يسبق لها مثيل في التاريخ الإنساني !!

ولذلك أصبح الكلام عن التقدم العلمي الكبير، الذي لا يقف أمامه أي عائق، مجرد رأي، أو أصبح كلاماً بلا دليل، بعد عجزه، وفشله، وسقوطه أمام فيروس، استطاع أن يقهر كل العالم الأكثر علمياً وتقدماً ونهضة، ويقول عنه بعض علماء الطب الحديث أنه ليس بتلك القدرة المذهلة التي يحملها التي أذهلت علماء متخصصين في علم الأبحاث الفيروسية، وهذا هو الأمر الغريب في تحدي مقاومته من كل دول العالم، وهذا هو كذلك التحدي الجديد القادم، فالحضارة الإنسانية، أصابها غرور القوة، وجنون تقدم الوسائل التكنولوجية، لكن ما فعله هذا الفيروس فيهم، يجعل المراجعة والاعتراف بضحالة الإمكانيات أمر لا مفر منه، وقد كانوا يعتقدون أنهم وصلوا إلى مستويات الإعجاز في المخترعات وتقدم العلوم الطبية وغيرها.

أما ما يقوله البعض من هذا أن الفيروس مؤامرة من الصين ضد الولايات المتحدة أو العكس من الولايات المتحدة ضد الصين، فهذا هروب من الاعتراف بالفشل، أمام تحدي هذا الفيروس "كورونا"، فالذي أود طرحه، أن الحضارة العالمية في موقف عصيب، فهذا الفيروس قلب الطاولة على الحضارة الحديثة إذا ما ظهر ما هو أخطر من أوبئة مقبلة، ذلك أنَّ فشلها أمام هذا الوباء، يجعلها أمام تحديات كبيرة وخطيرة، قد لا تخطر على بال، إذا ما كانت القدرات العلمية عاجزة عن مُواجهة التحدي الخطير من كورونا!. ومن هنا قال جون ألين مدير معهد بروكنجز، أن الأزمة ستعيد :" تشكيل هيكل القوى العالمي بطرق يصعب تخيلها، يستمر الفيروس في الضغط على النشاطات الاقتصادية، وزيادة التوتر، بين الدول وعلى المدى الطويل، سيخفض الوباء القدرة الإنتاجية للاقتصاد العالمي.وخطر العُزلة سيكون عظيماً خاصة على الدول النامية والتي لديها جزء كبير من العمالة غير المحصنة اقتصاديا. وسيتعرض النظام العالمي ـ كما يقول جون ألين ـ لضغط كبير ينجم عنه عدم الاستقرار وخلافات بين وداخل الدول".

ولا شك أنَّ هذه الجائحة، ستكون آثارها، اقتصادياً، وثقافياً وعلمياً كبيرة جدًا، والأخرى أن الأزمات الاقتصادية، ستكبر بين بعض الدول إلى حد المواجهات العسكرية كإحدى الاحتمالات لهذا الخسائر الاقتصادية، وسيدور صراع واضح وجلي، إن لم تتم التفاهمات السياسية على حلول وسيطة بين هذه الدول، كما أن شعوب دول العالم الأكثر تقدماً، سيكون رد فعلها عنيفاً، على أخطاء هذه الكارثة عنيفاً خاصة على الدول المُتقدمة، بعد ما تستقر الأوضاع، التي عجزت حكوماتهم عن التصدي لمقاومة هذا الوباء، وجعل هذه الشعوب في العراء، بين الموت القسري المفاجئ، وبين عدم وجود الاستعداد لاحتواء هذا الوباء من وسائل حماية صحية وعلاجية سريعة.

وباء كورونا لا شك له ما بعده، وهذه المابعدية، ستحدد آثار ما ستسفر عنه هذه الجائحة الكبيرة لكل قارات العالم.