البشر يختنقون.. والعالم يتنفس

 

علي بن سالم كفيتان

عالمياً بات المشهد مأساويا وحزيناً في كل بقاع الدنيا فالخوف هو سيد المكان والإنسان بات يبحث عن النجاة على كوكبه المفضل قبل أن يؤمن لنفسه مقام جديد على كوكب آخر كما يزعم أرباب الأمم المتقدمة منذ عقود وتأخرت رحلات السياحة إلى الفضاء وإلى الكواكب البعيدة بملايين الدولارات وباتت البشرية برمتها تحتضر تحت وطأة كائن مجهري دقيق فخلت المدن والساحات وتوقفت الصلوات وعاد الإنسان الذي طغى وتجبر إلى جحره مجددًا ينتظر دوره في الموت بينما تنفست الأرض بعد أن لجم كورنا طغيان الإنسان وجشعه فحلَّ هذا الفيروس بديلاً لكل اتفاقيات المناخ والتنوع الأحيائي والتصحر التي نكث بها الإنسان.

ولا يهم إن كان هذا الفيروس هو من صنع الإنسان أو من موجودات الطبيعة التي اختزنها رب العالمين في هذا الكوكب فكلاهما يسيران بأمر الله لكن ما اقترفه الإنسان في حق نفسه وحق الكوكب كان عظيمًا فقد ساد الجشع وعمَّت الأنانية وتسابق من يزعمون سيادة الكون لامتصاص كل خيرات الأرض وتركوا أبناء جلدتهم يرزحون تحت وطأة موجات الجوع والفقر والمرض، إنهم تجار الحروب وموردو الموت إلى معظم بقاع الدنيا وكما يتضح اليوم أن النجاة باتت صعبة حتى في داخل أوكارهم التي حصنوها لأنفسهم عندما تحين لحظة حرق العالم وتطهيره من الفقراء والمعوزين بزر بسيط يحمله هؤلاء الجبابرة حيثما رحلوا ليبينوا بأنهم سادة الدنيا متناسين قدرة الله عليهم فكم هو محزن رؤية آلاف البشر يموتون كل دقيقة بعد أن حلَّ مؤشر الموت محل مؤشر البورصة في كل شاشات ومحطات التلفزة.

محلياً تمنيت أن تُبث كلمة الشيخ الجليل العلامة أحمد بن حمد الخليلي مفتى عام السلطنة على الهواء مباشرةً ليلة تمَّ تسجيلها قبل أن تُبث على قناة خاصة عبر وسائط التواصل الاجتماعي فالرجل تحدث عن وجوب العودة إلى الله وترك المحرمات من الشرك بالله والخمر والزنا والشعوذة والربا وغيرها من الأمور التي غرقت فيها البشرية فما دعا له الشيخ حفظه الله هو من باب التوبة إلى الله فإذا حلَّ البلاء نكون متوجهين إلى الله غير معرضين ولا مكابرين وقد يرحمنا ويقلل علينا العذاب وننجو بعفوه من هذه المحنة وكلا الأمرين فيهما خير كثير فاليوم بتنا حبيسي الدور وإذا خرج أحدنا ودعته أسرته وإن عاد خافوا منه كي لا يجلب لهم العذاب ومع ذلك لازلنا نكابر ونزايد في الممنوعات والمحظورات الشخصية ونغدق الإعفاءات على أصحاب البنوك والشركات وكأنَّ الجميع تجار فالناس كانت تنتظر إعفاءات من القروض أو تأجيلا للأقساط الربوية التي أنهكت كاهل المواطنين، كما فعلت معظم الدول أو على الأقل التوجيه بعدم قطع خدمات الكهرباء والماء أثناء هذه الجائحة.

إنَّ محاصرة الأفراد في البيوت لن تجدِ نفعًا إلا إذا صاحبتها حزمة من القرارات الاقتصادية التي تلامس الإنسان في حياته اليومية تحت وطأة هذه المحنة فعندما يصبح الإنسان آمنا اقتصادياً وقادرا على توفير حاجيات أسرته يستسلم طوعاً للحجر أما أن يطلب منه الحجر دون إعفاءات وترك شركات الكهرباء والماء تقلم العدادات وتقطع الإمدادات الحيوية ويطلب منه المكوث في هذا الوضع غير اللائق إنسانياً فستكون المعادلة صعبة بلا شك.     

كتبنا في مقالنا السابق الذي كان تحت عنوان (العُمانيون هم الأكثر التزاما في الأزمات) رؤيتنا وثقتنا بالإنسان العُماني للعمل تحت الظروف الصعبة واستجابته القوية لما تفرضه حكومته من إجراءات لكن لا يجب أن تصل الأمور إلى العظم ويكون العُماني هو الاستثناء الوحيد فلا يوجد ما يبرر تأخر البنوك في تقديم دعمها في هذه الجائحة وإن لم تفعل طوعاً فالجميع ينتظر من اللجنة المختصة أن تمارس ضغطها وتقدم حزمة من المسموحات مقابل كومة الممنوعات التي تتوالى يوميا.

حفظ الله عُمان من كل الشرور والمحن.