< شركة أمريكية ترفع سعر "دواء مُحتمل" بعد "تصريحات غامضة" لترامب
< فلكي يترأس فريقا طبيا يزعم التوصل لدواء.. والجزائز تنفي
الرؤية - هيثم الغيتاوي
كما "أغنياء الحرب"، يبدو أنَّ للأوبئة أغنياء أيضا؛ يستثمرون حالة الذعر العام، ويتاجرون في بضاعة.. ظاهرها الأمل؛ وباطنها الاستغلال. شركات عالمية ترفع أسعار أدوية تنتجها، بمجرد انتشار شائعات -في شكل أخبار صحفية- تروِّج لأنها أدوية يُحتمل أن تكون صالحة للحد من أعراض فيروس "كورونا"؛ فضلا عن بعض الهيئات المتخصصة، والكثير من المُدعين وطُلاب الشهرة، الذين يتسابقون -بكل ثقة- لتأكيد توصلهم للقاح أو دواء يواجه الوباء العالمي؛ ليقع جمهور مواقع التواصل الاجتماعي ضحايا لفخ "الشير"، ونشر "أخبار الأمل"؛ مخلوطة بالشك في مدى الجدية والنزاهة.
في أمريكا، ضاعفتْ "رايسينج فارماتيكال"، شركة الدواء الوحيدة التي تصنع دواء محتملا لعلاج فيروس كورونا، سعر عقارها الطبي، بنسبة 97%، مع تفشي الوباء وحصد مئات الأرواح يوميا، ليبلغ سعر الدواء 20 دولارا لتركيز 500 مجم، ونحو 8 دولارات لتركيز 250 مجم.
وتنتج "رايسينج فارماتيكال" عقار كلوروكين المضاد للملاريا الذي تحدَّث عنه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقال إنَّ بلاده صادقت على استخدامه كعلاج لفيروس كورونا. ويعني رفع الشركة لأسعار عقارها أنها ربما كانت على علم باتجاه الرئيس الأمريكي نحو التصديق على استخدام العقار في علاج فيروس كورونا. وإنْ كان مسؤول بالشركة صرح بأنَّ رفع السعر كان من "قبيل الصدفة"، وأنها خفضت السعر مرة أخرى بمجرد أن علمت أن الدواء ربما يتمُّ استخدامه على نطاق واسع في علاج "كوفيد 19". وفي مقابلة صحفية، برر المسؤول رفع السعر بأنَّه كان يستهدف فتح خطوط إنتاج جديدة من أجل ضمان توافر الدواء في السوق بكميات كبيرة وتلبية الطلب المتوقع عليه.
وبعد أن أحدثت تصريحات ترامب أثرها، عاد لينفي التوصل إلى دواء مضاد لفيروس كورونا، رغم إعلانه سابقا عن موافقة هيئة الغذاء والدواء الأمريكية على اعتماد علاج ضد كوفيد 19، كان مخصصا للملاريا، موضحا أنَّه سيتم صرف هذا الدواء بوصفة طبية قريبا إلى مجموعات كبيرة. وأضاف "نعمل مجتمعين بأقصى طاقة لاحتواء العدو الخفي".
يُشار إلى وجود أكثر من 20 لقاحا في طور العمل على تطويرها، وقد وصل أحد هذه اللقاحات إلى مرحلة الاختبار على البشر بعد أن اجتاز مرحلة التجارب على الحيوان، حيث تُجرى عمليات اختبار مدى كفاءته وتأثيره على البشر، فضلا عن مدى سلامة استخدامه بالنسبة إليهم.
ويعملُ علماء آخرون في بحوث على لقاحات ما زالت ضمن مرحلة اختبارها باستخدام الحيوانات، ويأملون اختبار نتائجها على البشر في وقت لاحق هذا العام. بيد أنه حتى لو احتفل العلماء بتطوير لقاح هذا العام، سيظل هناك عمل هائل من أجل إنتاج كميات كبيرة منه.
ويعني هذا الأمر من الناحية الواقعية أنه لن يكون ثمة لقاح جاهز للاستخدام حتى منتصف العام المقبل على الأقل. مع الوضع في الاعتبار أنَّ هناك 4 أنواع من فيروس كورونا تنتشر حاليا بين البشر، وتتسبب بأعراض نزلة البرد المعتادة وليس لدينا أي لقاحات ضدها.
وفي بريطانيا، قال وزير الإسكان روبرت جنريك: هناك عدد من اللقاحات قيد التطوير، لكن لم تبدأ التجارب في الولايات المتحدة إلا على لقاح واحد. وردًّا على سؤال عن الوقت الذي سيستغرقه توفير هذا اللقاح في بريطانيا، قال إنه ينبغي على الناس التحلي بالواقعية. علينا التأكد من أنه آمن تماما... نتحدث عن عام على الأقل. اللقاحات ستتوفر لكن علينا الآن فعل ما ينبغي علينا فعله.
وفي فرنسا، أكدت مجموعة "سانوفي" استعدادها لتوفير ملايين الجرعات من "بلاكنيل"، الدواء المضاد للملاريا، الذي أظهر نتائج "واعدة" في معالجة المرضى بفيروس كورونا. وفي مرسيليا بجنوب فرنسا، عمل الفريق على تجريب الدواء على 24 شخصا، فتقلصت نسبة الإصابة بينهم إلى 25% فقط. لكن وزير الصحة الفرنسي أوليفييه فيران يرى أنه من الضروري إجراء تجارب أوسع على عدد أكبر من المرضى قبل طرح الدواء كعلاج.
ودعا العديد من الخبراء إلى توخِّي الحذر في غياب المزيد من الدراسات ويحذّرون من الآثار الجانبية الخطيرة المحتملة، لا سيما في حالات الجرعات الزائدة. فيما قالت المتحدّثة باسم الحكومة الفرنسية سيبيث ندياي: إنَّ هذه التجربة السريرية "واعدة"، لكنها شدَّدت في الوقت نفسه على أنّه في هذه المرحلة "ليس لدينا أيّ دليل علمي" على أنَّ هذا العلاج فعّال. من جهته، أكد وزير الصحّة أوليفييه فيران ضرورة أن يكون أي قرار يتّصل بسياسة عامة في مجال الصحّة مبنياً على بيانات علمية موثوقاً بها وعمليات تحقّق لا لُبس فيها.
وفي مصر، قال الدكتور محمد هاشم رئيس المركز القومي للبحوث -التابع لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي- إنَّ المركز بصدد إنتاج لقاح مضاد لفيروس كورونا المستجد، خلال شهر ونصف الشهر. وأضاف في تصريحات لجريدة "الوطن"، أنه سيجري تجربة اللقاح على المواطنين، بعد موافقة وزارة الصحة والجهات المعنية بذلك.
من جانبها، حذرت هيئة الدواء المصرية من أن الاستخدام غير السليم لمركب الهيدروكسي كلوروكين كعلاج لفيروس كورونا المستجد يؤدى لأعراض جانبية، مؤكدة أنه لم يتم اعتماد دواء للعلاج أو الوقاية ضد الفيروس حتى الآن.
وأوضح مركز اليقظة الصيدلية -التابع للهيئة المصرية- أنَّ المستحضرات المحتوية على مركب الهيدروكسي كلوروكين مسجلة فى جمهورية مصر العربية وخارجها، ومصرح باستخدامها حالياً في علاج الملاريا والذئبة والتهاب المفاصل الروماتويدي، لكن لهذا المركب العديد من الآثار العكسية؛ ومن ضمنها التأثير السلبي على عضلة القلب، وتلف في الشبكية، كما أن المستحضر له العديد من التفاعلات مع الأدوية الأخرى من ضمنها أدوية السكر وبعض أدوية القلب؛ لذلك يجب ألا تستخدم هذه المركبات دون توجيه وإشراف طبي لضمان الاستخدام الآمن للمستحضر، وتفادي أي مخاطر أو آثار عكسية.
لكن الاستثمار الأكثر غرابة لمشاعر الأمل لدى الناس؛ كان من جانب فلكي جزائري متخصص في علم الفلك والزلازل يُدعى لوط بوناطيرو، زعم أن فريقا علميا يرأسه توصل إلى دواء لعلاج الفيروس. ولقي مشروع الفريق العلمي الجزائري-العراقي، الذي أطلق عليه "دواء بوناطيرو"، تفاعلا كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي، بين داعم ومستهزئ بعد أن ظهر بوناطيرو عبر فضائيات محلية حاملا بيده عينة صغيرة من أنبوب طبي يزعم أنه "الدواء المعالج للفيروس".
ووجهت وزارة الصحة الجزائرية الفلكي إلى معهد باستور؛ باعتباره الجهة الطبية الوحيدة المتخصصة في علم الأوبئة. فأعلن بوناطيرو -عبر صفحته الرسمية على موقع فيسبوك- أن "نتائج تحاليل معهد باستور ستظهر قريبا". وقال في فيديو مباشر: "طمأنني مسؤولون كبار في وزارة الصحة بأنهم وافقوا على مشروع الدواء الذي اكتشفناه، وينتظرون نتائج معهد باستور". وصرّح لإعلام محلي قائلا إن "دولا أجنبية طلبت الحصول على الاكتشاف لكنني فضلت العزة وإنتاجه في بلدي"!
لكن مدير معهد باستور فوزي درار، قال إن "المعهد ليس من صلاحياته إبداء رأيه بخصوص نجاعة أي دواء أو لقاح مهما كانت طبيعته... سواء تعلق الأمر باللقاح الذي روج له بوناطيرو أو بدواء آخر، يجب اتباع الإجراءات المعمول بها في الحالات العادية لتسجيل أي دواء ثم عرضه في السوق". وقال وزير الصحة الجزائري عبد الرحمن بن بوزيد، إنَّ التوصل لإنتاج دواء معين، يتطلب سنوات من البحث والتجارب والتدقيق قبل الموافقة النهائية.. الأمر ليس سهلا.
وبالاتجاه شرقا، قال رئيس منظمة الدواء والغذاء محمد رضا شانه ساز، إنَّ إيران بدأت إنتاج دواءٍ مضاد لفيروس كورونا يعمل على معالجة الالتهاب الرئوي الناتج عن الفيروس. وأشار إلى أن الدواء سيطرح في الأسواق، ويستخدم في معالجة المرضى خلال أسبوعٍ أو عشرة أيام.
وكان رئيس اللجنة العلمية لمقر مكافحة فيروس كورونا في إيران الدكتور مصطفى قانعي، قال إنه "تم تركيب دواء في إيران من العقاقير الطبية المتوفرة في البلاد، وهو يساعد في معالجة الأضرار الرئوية التي يسببها فيروس كورونا". وبالتزامن، أعلن وزير الصحة الإيراني سعيد نمكي أن قوات التعبئة الصحية نجحت في مسح حالات أكثر من 25 مليون مواطن.
وبتوريط الصحة في السياسية؛ رفض المرجع الديني الإيراني ناصر مكارم شيرازي -المعروف بآرائه المثيرة للجدل- استخدام دواء محتمل قد تطوره إسرائيل لشفاء المصابين بفيروس كورونا المستجد، قائلاً إن ذلك يجوز بشرط واحد هو أن لا يكون هناك بديل عن هذا العلاج.
وقال شيرازي ردًّا على سؤال من صحيفة "همدلي" اليومية الإيرانية حول إمكانية شراء هذا الدواء إذا تمكنت إسرائيل من تطويره؟: "ذلك لا يجوز إلا في حال كان فريداً من نوعه وليس له بديل". وكانت وسائل إعلام إيرانية قد نقلت عن مكارم شيرازي دعوته الناس في وقت سابق إلى "الإكثار من قراءة دعاء زيارة عاشوراء وحديث الكساء" للوقاية من كورونا!