الأمن الغذائي والدوائي

حاتم الطائي

لا شك أنّ أزمة فيروس كورونا التي تعصف بجميع دول العالم الآن دون استثناء، وتحدث آثارها السلبية علينا، تؤكد حتمًا أنّه يتعيّن علينا التفكير في أنجع الوسائل والطرق التي تسهم في حمايتنا وتوفير الآليات الملائمة لمواجهة المخاطر المحتملة، والعمل على وضع الحلول وبلورة الأفكار التي من شأنها أن تساعدنا في تجاوز الأزمات.

وقد صدرت التوجيهات السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم - حفظه الله ورعاه- بتشكيل اللجنة العليا للتعامل مع فيروس كورونا، والتي يمكن وصفها- وفق المصطلحات المتخصصة- بأنّها "خليّة أزمة"، تعمل على دراسة الأوضاع لحظة بلحظة، ومن ثمّ تدارس القرارات واتخاذها بما يخدم المصلحة العامة، ويحقق الأهداف المنشودة منها.

ولذلك وفي إطار جهود مجابهة هذه الأزمة، فإننا نود تسليط الضوء في هذه السطور على قضيّة عاجلة، لا تقل أهميّة عن إجراءات العزل الصحي والتدابير الاحترازية لمواجهة كورونا أو أي أزمة أخرى، إنّها قضية الأمن الغذائي والدوائي. فالغذاء والدواء سلعتان أساسيتان لا غنى لأي فرد في المجتمع عنهما، وتوافر الأغذية والأدوية يساعد على تحقيق الأمن الاجتماعي، ويبعث برسائل الطمأنينة في نفوس الأفراد، ولذلك وجدنا المسؤولين في الجهات المعنية بالإسراع في التأكيد على توافر مختلف السلع، والتأكيد على جهود الحكومة الرشيدة في توفيرها ولشهور مقبلة. لكن يبقى أن نعمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي، من الدواء والغذاء، وهذا لن يتحقق إلا من خلال وضع رؤية استشرافية وتخطيط مستقبلي يعتمد أفضل الآليات، بما يضمن توفير الكثير من المحاصيل الزراعية والمواد الغذائية المُصنعة، وأن نعمل على توظيف التقنيات الحديثة في هذا الجانب.

فاتساقا مع خطوات سابقة بناءة تُشكر عليها الجهات المعنية، فإننا نأمل البدء في خطوات لتحقيق الاكتفاء الذاتي من الغذاء والدواء، ولتحقيق ذلك نقترح حزمة من الإجراءات؛ منها: بلورة استراتيجية وطنية لتحقيق هذا الاكتفاء، ووضع سياسات مرحلية تضمن: أولا: زراعة أكبر مساحة ممكنة من الأفدنة الزراعية بالمحاصيل، مع اعتماد نهج البيوت المحمية. ثانيًا: تبني برنامج وطني لحث المستثمرين على ضخ رؤوس الأموال في الزراعة، واعتبار المشاريع الزراعية من بين المشاريع المستحقة للدعم من جهات التمويل المختلفة بنسب فائدة منخفضة. ثالثا: توفير أفضل البذور والأسمدة المستخدمة في الزراعة لضمان خلوّها من الأمراض أو التأثيرات الكيماوية. رابعًا: التوسّع في منظومة الاحتياطي الغذائي، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للإسهام في جهود تخزين الأغذية، برقابة حكومية صارمة، وفق أعلى معايير الجودة.

أمّا فيما يتعلق بمنظومة الدواء، فالواقع يشير إلى تزايد أعداد الخريجين من أقسام العلوم وكليات الصيدلة، وهم طاقات بشرية متخصصة، قادرة على الإسهام في تحقيق تقدم في جهود صناعة الدواء، وتوطين هذه الصناعة محليا، بجانب الاستعانة بالخبرات الأجنبية المتخصصة لتقديم التدريب والتأهيل اللازمين لأبنائنا. ونقترح أيضا أن تتم دعوة كبرى شركات الأدوية العالمية، لافتتاح مصانع في السلطنة، تكون مراكز إقليمية، تعمل من خلالها على إنتاج الأدوية وتوزيعها محليا وتحقيق الاكتفاء الذاتي، بجانب التوسّع في التصدير على مستوى المنطقة والعالم.

وجهود تحقيق الاكتفاء الذاتي متواصلة بالفعل خلال مسيرة النهضة المباركة، فمشروع المليون نخلة، يعد أحد أبرز صور هذه الجهود، وعلينا أن نتذكّر جميعا أنّ عمان كانت بلدًا زراعيًا في الأساس، مكتفيا ذاتيا بما يزرعه من محاصيل، والجميع يعلم جيدًا مذاق الليمون العماني المميز، أو الرمان، أو الخيار والطماطم المزروعة في مختلف الولايات، وكذلك القمح بسنابله الذهبية، وولايتا أدم وبهلاء خير شاهد على ما ننتجه من أقماح نوعية.

هناك الكثير من الجهات المعنية مدعوة بقوة لدعم جهود تحقيق الاكتفاء الذاتي، وعلى رأسها وزارة الزراعة والثروة السمكية، والشركة العمانية للاستثمار الغذائي القابضة وكل ما يتبعها من شركات، إلى جانب أصحاب رؤوس الأموال في القطاع الخاص.. علينا أن نتجه نحو الإنتاج، لا الاستهلاك، وأن نستثمر هذه الأزمة في توليد العديد من الفرص، واستثمارها على خير وجه، فالعالم لا مكان فيه سوى للأقوياء، ونحن ولله الحمد أقوياء بإرادتنا ولحمتنا الوطنية، وعلينا أن نكون أقوياء أيضًا بإنتاجنا واكتفائنا ذاتيا.