مدن الأشباح

 

غسان الشهابي

كاتب بحريني

قبل حوالي السنتين طرح الدكتور عُمر هشام الشهابي سؤالاً على طريقة استطلاعات الرأي في التويتر: أي المدن الخليجية ستغدو أولاً مدينة أشباح؟

والسؤال لا يخفي المخاوف الاقتصادية التي ربما تمرّ بها المنطقة إثر تزعزع أسعار النفط وتدهورها بشكل مُستمر، الأمر الذي سيخلي المدن العملاقة من قوتها وقدرتها الشرائية، وسيغادرها ساكنوها وبالتالي العاملون فيها، والقائمون على خدمتها وخدمتهم، ذلك لأنَّ الميزان السكاني المختل لدول الخليج العربية في إشارته إلى الغلبة الغالبة للعنصر غير المواطن في أربعٍ من ثلاث دول مجلس التعاون، وبنسب كبيرة جداً في بعض الدول حيث يصبح سكان هذه الدول أقلية في بلادهم، بينما الوضع شبه أفضل في المملكة العربية السعودية حيث نسبة المواطنين من إجمالي عدد السكان 62.69% (2016)، وسلطنة عُمان بنسبة مواطنين 54.9% (2017)، ولكن هذا أيضاً لا يقي من مخاطر "تشبّح" المدن.

لسنوات طويلة والدعوات من أجل تنويع مصادر الدخل في الدول الخليجية المُنتجة للنفط، مُستمرة ومتصاعدة، ولكن الاستجابات لها لا تزال ضعيفة، فتم استثمار الفوائض النفطية في بناء الأبراج الشاهقة والمدن التي تزيد عن حاجات أهلها، والتباهي بقيام العمارات الزجاجية المتلامعة تحت سياط شمس الخليج اللاهبة، حيث أنشأنا مُدناً لا يمكننا تعبئتها، ورحنا نستدرج العالم ليأتي ويسكن لدينا، يشتري أو يُؤجر، يضخ أموالاً سهلة في جيوب الملّاك، بلا ضرائب ولا رسوم حقيقة تساوي ما ينفق على هذه المدن من بنى تحتية متقدمة أكثر مما هي في الدول المتقدمة.

اليوم نحن نواجه اللكمة المباشرة الثالثة في وجه اقتصاداتنا، بعد الأزمة المالية العالمية (2008)، وانخفاض أسعار النفط (2014)، وفيروس كورونا (2020) الذي ضغط أكثر على أسعار النفط، وتسبب في شلل شبه تام للكثير من الأسواق، وبدأت الآثار تظهر رويداً رويداً على الاقتصادات الهشّة القائمة على الصرف بما في الجيب مادام باطن الأرض لا يزال متخماً بالنفط.

لقد رأينا هذه الأيام "بروفة" لمدن الأشباح حيث لا أناس في الأسواق، ولا حركة بيع وشراء، ولا مطاعم بأنوارها، ولا الفنادق بسكانها، ولا الساحات بفعالياتها، ولا البرامج الضخمة التي أغدقت عليها مئات الملايين لكي نجتلبها قد تحققت، وتبددت مليارات، وتبخرت آمال كبار.

في ظروف صعبة وقاسية كهذه، إن استمرت، أو قست أكثر، سوف لن يبقى غير أبناء البلاد الراسخة جذورهم فيها، الذين لا منجى لهم غيرها، وسيعود الآملون برزق أفضل ووضع أأمن إلى بلادهم، أو بلاد أخرى تحقق لهم طموحاتهم، وهذا حق شرعي تماماً، لنظفر بمدن مغبرة تصفر فيها الريح.