خبراء يشرحون تركيبة العلاج

كيف يمكن تحصين الاقتصاد العماني من تأثيرات "كورونا"؟

...
...
...
...
...
  • المحرمي: تحفيز القطاع الخاص يعود بالنفع على الجميع والأولوية للاكتفاء الذاتي
  • المعولي: المتغيرات "الجيو كورونية" تكشف أهمية الفطام من النفط
  • الهوتي: "الغرفة" تُعد دراسة لمقترحات تخفف العبء عن كاهل القطاع الخاص

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

 

تلك الأهداب الصغيرة التي تلف فيروس كورونا يبدو أنَّها تمثل تداعياته المختلفة، صحيا واجتماعيا، لكن إن كان أحد تلك الأهداب أكثر تأثيرًا على العالم الآن فهو الجانب الاقتصادي. وفي سبيل البحث عن "مصل اقتصادي" يقلل من تلك الآثار على الاقتصاد الوطني في السلطنة، في ظل ما نتج عن الفيروس من ضربات أصابت عصب الموارد المالية للدولة بانهيار سعر النفط، استطلعت "الرؤية" مقترحات ورؤى خبراء اقتصاديين.

وقال المكرم الدكتور سعيد بن مبارك المحرمي عضو مجلس الدولة: ينبغي النظر إلى ما بينته أزمة كورونا من فرص، حيث إن تبعات فيروس كورونا حول العالم كشفت لنا أن هناك جوانب معينة يجب أن نوليها المزيد من الاهتمام، سواء على المستوى الحكومي أو القطاع الخاص، بل والأفراد أيضًا؛ وعلى رأس هذه الجوانب ما يتعلق بالأمن الغذائي والمستلزمات الطبية الضرورية، وهذان العنصران وإن كشفت أزمة كورونا عن أهميتهما لكل دولة إلا أن الاهتمام بهما لا يقتصر على أوقات الأزمات أو بشكل مؤقت وإنما يعني التركيز على تحقيق الاكتفاء الذاتي منهما على المدى الطويل وبشكل مستدام، وهذا في حد ذاته يُمثل فرص استثمارية في التصنيع الغذائي، والتصنيع في المجال الطبي، وما يترتب عليه من فرص عمل للمواطنين في تخصصات مُختلفة.

وأضاف المحرمي أنَّ أزمة الكورونا العالمية أظهرت أهمية التكاتف بين فئات الجميع، وأن للجميع أدوارا كل في موقعه وعمله تجاه اقتصاد بلاده؛ وليس فقط الحكومة أو أصحاب الأعمال، بل المطلوب حاليًا الشعور بالمسؤولية بدءًا من الفرد تجاه نفسه وأسرته والمجتمع في الدرجة الأولى، وكذلك أهمية التكاتف فيما بين الجهات المختلفة، وكيف يمكن أن نعبر معاً أية تحديات طارئة سواء أكانت تداعيات فيروس كورونا أو تراجع أسعار النفط.

وضرب المحرمي مثالاً على أدوار التكاتف المطلوبة حاليًا، فقال إنَّ أحد أوجه التكاتف مراعاة البنوك لتأثيرات الأوضاع الحالية خاصة على المؤسسات الصغيرة والمتوسطة؛ وما يمكن أن تقوم به البنوك من مبادرات تنم عن التكاتف مع المجتمع والتعامل مع المستجدات بمرونة وبروح من المسؤولية المجتمعية؛ ومن تلك المبادرات على سبيل المثال؛ عدم ملاحقة من يتخلف عن سداد أقساط أو قروض سواء من الأفراد أو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة خاصة إذا كان المتعثر له تاريخ وسجل من الالتزام، كذلك يمكن للبنوك المبادرة بالإعلان عن تقليل الفوائد وتخفيف في قيود الحصول على قروض لأصحاب الأعمال والمؤسسات وأيضاً القروض لبناء المنازل وغيرها من الأنشطة التي تفيد المجتمع والاقتصاد، ويشجع على سرعة دوران هذه القروض في الاقتصاد، كما يمكن أن يقدم أصحاب العقارات مبادرات في هذا الوقت تكاتفا مع المؤسسات الصغيرة والمتوسطة عبر التغاضي عن التأخر في الإيجارات خلال الفترة الحالية خاصة وأن أعمال هذه المؤسسات الصغيرة تأثرت بسبب تبعات كورونا.

وأضاف المحرمي أنَّ ذلك لا يعني أننا نطلب أن يخسر أصحاب العقارات أو البنوك جزءا من دخولهم عبر هذه المبادرات لكن نطالب بتغليب المصلحة العامة وأن تكون النظرة أبعد على المدى الطويل، لأنَّ هذه المؤسسات إذا ما اضطرت للإغلاق فلن يكون هناك طلب على الإيجارات لدى أصحاب العقارات وبالتالي فإنَّ المصلحة مشتركة والتحدي واحد وعلينا جميعاً مواجهته معاً.

وتابع المكرم الدكتور سعيد المحرمي لافتا إلى أهمية التكاتف أيضاً في صورة التزام المواطنين بشراء المنتج العماني، لأنَّ هذا سيعني تخفيف حجم الاستيراد وتوفير العملات الأجنبية ويسهم في ضبط الميزان التجاري السلعي غير النفطي للسلطنة.

وفيما يتعلق بمبادرات أصحاب الأعمال، فقال إن الشركات الكبيرة في عمان عليها الواجب والالتزام الأكبر تجاه المجتمع وعمان بشكل عام ليس فقط كرد لما حصلوا عليه عبر الخمسين عاماً الماضية من دعم ومساندة لكن لأن هذا في مصلحتهم أيضًا، لأن اقتصاد منتعش ومستوى معيشة أعلى يعني استهلاكا أكبر ورواجا أكبر لتجارتهم ومنتجاتهم، وما يمكن أن يقوموا به من مبادرات تجاه المجتمع ليس منة أو إحسانا لكنه واجب وإلزام كما يحدث في كل دول العالم؛ وفي هذا الوقت أتوقع أن يقف القطاع الخاص العماني الوطني مبادرا نحو التكفل بجزء من مستلزمات الوقاية وتوفيرها للناس على سبيل المثال بدلاً من أن نسمع عن رفع للأسعار، كما يمكن لأصحاب الأعمال أن يوفروا أماكن مجهزة لاستقبال من يحتاج للإقامة في الحجر الصحي لفترة معينة، وغيرها الكثير من التفاصيل التي ينبغي للشركات الكبيرة وكبار أصحاب الأعمال القيام به.

ولفت المحرمي إلى أنَّ الحكومة يمكنها أن تقدم المساهمة المطلوبة والتحفيزات الاقتصادية التي تعود عليها أيضاً بالنفع؛ فيمكن أن تعلن على سبيل المثال عن طرح أراضٍ مجانية وتسهيلات إجرائية وإعفاءات ضريبية لمن يتقدم لإنشاء مصانع تصب في الأمن الغذائي، أو مصانع مستلزمات طبية أو غيرها من الأعمال التي يتطلبها تحقيق استدامة الاعتماد على الذات.

 

المتغيرات "الجيو – كورونية"

ومن جانبه وصف الدكتور ناصر بن راشد المعولي عميد كلية الدراسات المصرفية والمالية التداخل بين أكثر من عامل في الأزمة العالمية الحالية بالمتغيرات "الجيو- كورونية"؛ مفسرا ذلك بتداخل العوامل السياسية بالصحية والاقتصادية عالميًا، وهي متغيرات أفرزت نتائج لم تكن في الحسبان وأثرت على كل الأنشطة الاقتصادية والتجارة، بل وقيدت أيضًا حرية التنقل والسفر على مستوى العالم.

وأشاد المعولي بجهود الحكومة العمانية، خاصة من خلال اللجنة العليا المكلفة ببحث تداعيات فيروس كورونا المستجد، قائلاً إنها قامت بجهود كبيرة وبينت كيف أن الإنسان العماني وصحته أهم أولويات الحكومة حتى لو كان لذلك تأثيرات على الاقتصاد، لأن الإنسان وصحته أهم بالفعل من أية تضحيات، وهذه الجهود تستحق الثناء والتقدير وهو ما بينته الأوضاع في السلطنة مُقارنة بغيرها من دول المنطقة والعالم، واستحق الإشادة التي منحتها منظمة الصحة العالمية لهذه الجهود.

ورأى المعولي أن المتغيرات الجيو-كورونية الحالية تفرض على كل مكونات المجتمع في السلطنة القيام كل بدوره، مؤكداً أن ذلك يشمل الأفراد والقطاع الخاص وأصحاب الأعمال، فالأفراد أنفسهم عليهم المساهمة عبر الالتزام بالاحترازات والإجراءات والتعليمات التي تصدرها اللجنة العليا في التخفيف من أية تداعيات ممكنة، ويمكن لكل فرد أن يسهم بجهد بسيط في المشاركة والمساهمة المجتمعية من خلال التوعية عبر وسائل التواصل الاجتماعي على الأقل، ولأنّ حلقات المجتمع الثلاثة من الحكومة والأفراد والقطاع الخاص يعني تضافرها للقضاء نهائيا على أي إمكانية لانتشار تداعيات هذا الفيروس -بإذن الله.

وقال عميد كلية الدراسات المصرفية والمالية إن ما بدأ يظهر من مبادرات من عدد من أصحاب الأعمال عبر قنوات التواصل هو أمر حميد وخاصة إذا ما كان حقيقيا وجادا ومنظما، وهذا لا يُقلل من هذه المبادرات الفردية المشكورة لكن ينبغي أن يكون ذلك في إطار منظم يجري من خلاله الاستفادة من هذه المبادرات في مُواجهة المتغيرات الحالية التي بدأت صحية لكنها تطورت إلى جميع القطاعات ولا يستلزم ذلك فقط الإعلان عن تبرعات مالية لكن يمكن أن يكون في شكل مشاركة في التوعية عملياً، وكذلك توفير مستلزمات وما يحتاجه الناس في هذه الأوقات.

ورفض المعولي التفكير في الواقع الاقتصادي العالمي الحالي على أنه أزمة اقتصادية، وقال إنه شخصياً يؤمن بأنَّ البقاء في صندوق الحديث عن وضع الأزمة الاقتصادية لن ينتج عنه أية أفكار مبتكرة خارج هذا الصندوق؛ ويرى أن الواقع الاقتصادي الجديد الذي ينبغي التعامل معه في السلطنة هو أن العصر لن يظل عصر ازدهار أسعار النفط، ولا يمكن الانتظار لعودة أسعار النفط إلى 100 دولار.

وقال المعولي: علينا جميعاً الخروج من "إدمان النفط" -بحسب تعبيره- والخروج من أسره إلى آفاق أوسع لازدهار اقتصادي مستدام، وأكد في نفس الوقت أنه من غير الممكن تحقيق هذا الازدهار و"الفطام" من النفط بين ليلة وضحاها، لكن المهم هو البدء بالفعل، مشيرًا إلى أنَّ الاقتصاد الناجح عبر ما أثبتته جميع النظريات الاقتصادية هو الذي يسير عكس الدورة الاقتصادية؛ فإذا كان هناك ارتفاع للإيرادات من النفط ينبغي التقليل من الإنفاق والعكس صحيح، لافتاً إلى أنَّ هناك بعض الخلط بين التنويع الاقتصادي والعوائد المالية العامة، فالمطلوب من التنويع الاقتصادي كثير وكبير جزء هامشي من هذا المطلوب هو العوائد المالية التي في الغالب ما تأتي على المدى الطويل.

وحول ما يُمكن لمختلف الأطراف القيام به خلال الوقت الراهن وتحدياته المتنوعة، أكد المعولي أن بعض الأدوار البسيطة يمكن أن يكون لها آثار كبيرة، فليس من الضروري أن تُقدم الحكومة حزمة تحفيزات اقتصادية مباشرة كما تفعل بعض الدول، لكن يمكنها على سبيل المثال الإعلان عن بعض التسهيلات الجديدة أو إعفاءات مؤقتة من بعض الرسوم أو غيرها من الإجراءات المؤقتة، ليس هذا فقط بل يمكن أن يكون التحفيز معنويًا من خلال لقاءات واضحة وشفافة ومباشرة بين المسؤولين عن الاقتصاد والمستثمرين وأصحاب الأعمال في مختلف القطاعات ويمكن فقط لمثل هذا اللقاء أن يرفع الروح المعنوية الإيجابية والثقة ويحفز على مزيد من الأداء، كما يمكن من خلال اللقاءات المباشرة الشفافة أن تخرج بأفكار جديدة وتحل تحديات لقطاعات اقتصادية مختلفة.

القطاع الخاص الأكثر تأثرا

ومن جانبه قال أحمد بن عبدالكريم الهوتي عضو مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان إن الجميع عليه دور مهم تجاه الوضع الراهن والتأثيرات من تداعيات كورونا وتراجع أسعار النفط، مشيرا إلى أن المطلوب هو التضامن والتعاون بين جميع الجهات، خاصة في ظل هذا الفيروس الذي شل حركة العالم بأسره، وأكد أن القطاع الخاص يتحمل في المقام الأول التداعيات الاقتصادية المباشرة لفيروس كورونا، وما يتحمله القطاع الخاص ليس فقط من تداعيات كورونا لكن تداعيات متراكمة عبر 6 سنوات حتى الآن.

وأوضح الهوتي أنَّ المطلوب الآن هو التضامن والتعاون، لكنه أكد أنَّ القطاع الخاص يعد المتأثر الأكبر حالياً، وقال إنَّ التداعيات الحالية سبقها تحمل القطاع الخاص لتبعات سابقة من التباطؤ الاقتصادي العالمي إلى تراجع أسعار النفط ثم تأخر دفع الحكومة لمستحقات القطاع الخاص إلى أن وصلنا إلى فيروس كورونا الذي شل القطاع الخاص والحركة الاقتصادية في العالم كله وبالطبع في السلطنة.

وكشف الهوتي أنَّ غرفة تجارة وصناعة عُمان معنية بدراسة الوضع الحالي وطرح مجموعة من المبادرات وتعمل حاليًا على هذه المبادرات وسترى النور قريبا؛ منها جوانب تحفيزية، ومنها جوانب تتعلق بمبادرات مادية، ومنها جوانب لتسهيل الأمور والإجراءات خلال الفترة المقبلة، وكذلك إجراءات تخص التعاملات مع البنوك والبنك المركزي والجهات المعنية، وكل ذلك في سبيل تخفيف الضغط على القطاع الخاص، خاصة مع تأثير تراجع أسعار النفط، وهذا حتى يمكن الحفاظ على بقاء واستدامة الأعمال وعدم اضطرار أي شركة أو مؤسسة لإغلاق أعمالها وما يترتب عليه من كلف اقتصادية واجتماعية.

وأوضح عضو مجلس إدارة الغرفة أن جميع لجان الغرفة التي تشمل القطاعات المختلفة تعمل على حصر التحديات التي تواجه أصحاب الأعمال في كل قطاع والمقترحات التي يُمكنها أن تعينهم على مواجهتها، مؤكدًا أن أكثر ما يعني القطاع الخاص حاليا هو العمل على توفير الاحتياجات الأساسية للمجتمع، مشيراً إلى أنَّ الغرفة هي شريك أساسي للحكومة.

ودعا الهوتي إلى تعاون الجميع، وأكد أنَّ القطاع الخاص العماني هو قطاع خاص وطني ويستحق التقدير لدوره سواء خلال الفترة السابقة أو الأهم الفترة المقبلة لأنَّ القطاع الخاص هو في حال توقف وتعطل جميع القطاعات فإنَّ القطاع الخاص سيظل يعمل على مدار الساعة، لذلك فإنَّ التضامن والتعاون المطلوب والتقدير المتبادل للأدوار والتحديات تخفف على الأقل معنوياً من الأعباء التي يتحملها القطاع الخاص.

وأشار الهوتي إلى العديد من المحفزات التي يمكن أن تقدمها الحكومة لمشاركة القطاع الخاص العبء حتى يستطيع احتواء التحديات الكبيرة التي يواجهها القطاع الخاص؛ وعلى رأس هذه المحفزات تبسيط الإجراءات والتسهيلات البنكية وتخفيض الفوائد على القروض وغيرها من العوامل التي حتى في الظروف العادية يحتاج إليها القطاع الخاص لاستدامة أعماله.

تعليق عبر الفيس بوك