عنوان المرحلة المقبلة

حاتم الطائي

الخطاب السامي يؤكد أن جلالة السلطان يسعى لتحقيق تطلعات المواطن

10 موجهات سامية ترسم ملامح العهد الزاهر.. والشباب عماد التنمية

◄ آن للخطاب الإعلامي أن يواكب العصر ويلامس تطلعات المواطن

 

يوم الأحد الماضي كانت بلادنا الغالية على موعد مع خطاب تاريخي سامٍ، تفضّل وألقاه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- وضع جلالته من خلاله أبرز ملامح العهد الميمون بإذن الله تعالى، ورسم في ثناياه خارطة طريق واضحة المعالم لما ستكون عليه عمان خلال المرحلة المقبلة من عمر النهضة المباركة المتجددة.

أهمية الخطاب تنبع من بعدين رئيسين، البعد الأول وهو تاريخي؛ حيث إنّ هذا الخطاب المُتلفز يعد الأول من نوعه في العهد الزاهر لجلالته، إذ كان الخطاب الأول الذي تحدث فيه جلالته عقب تنصيبه سلطانا للبلاد، وكان خطابا رثائيا في المقام الأول، رغم أنّه حمل الكثير من الملامح العريضة لتوجهات الدولة ومؤسساتها، لكنّه ركز بصورة أساسية على العلاقات الخارجية وكذلك الالتزام بالنهج القويم الذي أرساه المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيّب الله ثراه. لكن خطاب الأحد الماضي، رسم موجهات رئيسة لطريقة أداء وأسلوب إدارة مؤسسات الدولة خلال المرحلة الراهنة والمراحل المقبلة من عمر نهضتنا المباركة.

أمّا البُعد الرئيس الثاني للخطاب، فيتمثل في اطلاع المقام السامي على ما ينشده المواطن وما يطمح لرؤيته في وطنه من تقدم وازدهار، ولذلك كان النطق السامي بأنّ "الانتقال بعمان إلى مستوى طموحاتكم وآمالكم في شتى المجالات، سيكون عنوان المرحلة القادمة بإذن الله، واضعين نُصب أعينِنَا المصلحة العليا للوطن، مسخرين له كافة أسباب الدعم والتمكين". هنا نحن أمام خطاب سلطاني على دراية كاملة بمستوى الطموح الشعبي وآمال وتطلعات المواطن من التقدم والازدهار، وهذا يعكس ما يتسم به عاهل البلاد المفدى من فطنة سياسية وحكمة في إدارة قطاعات الدولة على اختلافها، وهو ترجمة لرسالة جلالة السلطان الراحل إلى مجلس العائلة الحاكمة عبر مجلس الدفاع، والتي جاء فيها: "... وذلك لما توسمنا فيه من صفات وقدرات تؤهله لحمل هذه الأمانة".

ولذلك عندما نُمعن النظر في فحوى ومضامين هذا الخطاب السامي، يتضح لنا أنه ارتكز على مجموعة من الموجهات الأساسية والمحددات لطبيعة العمل في المرحلة المقبلة. وهذه الموجهات يمكن تقسيمها إلى ما يلي:

أولا: العرفان التام بمنجزات السلطان الراحل باعتبارها مفاخر وطنية ومصدر إلهام للأجيال.

ثانيا: التأكيد على رسالة السلام العمانية وعمق العلاقات الدبلوماسية مع مختلف دول العالم.

ثالثا: عُمان هي الهدف الأسمى من عملية التنمية الشاملة، ما يستدعي الحفاظ على مكتسبات الوطن.

رابعا: إعلاء دور الشباب إيمانا من دورهم الوطني باعتبارهم "ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب".

خامسا: دور "رؤية عمان 2040" في رسم ملامح المرحلة واستشراف المستقبل.

سادسا: مواصلة جهود تطوير مؤسسات الدولة عبر التشريعات والرقابة وتعزيز النزاهة وإعادة الهيكلة.

سابعا: الإدارة الرشيدة لموارد الدولة المالية لتقليل العجز وخفض المديونية العامة.

ثامنا: تأكيد قيم المساواة والعدالة وحرية التعبير والرأي.

تاسعا: الثناء والعرفان لقوات السلطان المسلحة ودورها في الذود عن حياض الوطن.

عاشرا: إبراز دور القطاع الخاص مع القطاع العام لخدمة مسيرة التنمية وتقديم الخدمات.

10 موجهات رئيسة هي أبرز محددات العمل الوطني من الآن وصاعدا، ويمكن القول إنّ هذه الموجهات قادرة على قيادتنا نحو مزيد من التقدم والازدهار، فإذا ما بدأنا بالموجه الأول وهو العرفان التام بمنجزات السلطان الراحل، فهذا يقودنا إلى أنّ جلالة السلطان المعظم- أبقاه الله- ومعه مؤسسات الدولة، تقود مسيرة النهضة المتجددة بناءً على ما تحقق من منجزات على مدى نصف قرن من الزمان، ولقد أرسى جلالة السلطان الراحل- رحمه الله- قواعد راسخة في بناء الدولة العصرية، من مشاريع تنموية وخدمية ومؤسسات على أعلى مستوى من الكفاءة والإدارة. ولذا، عمليّة البناء الحالية تقوم على تلك الأسس المتينة، ما يعني أنّ المرحلة المقبلة ستكون أكثر ازدهارا عن ذي قبل، فبنيان الحضارة العمانية الحديثة يعانق عنان السماء، من حيث التميّز والقدرة على المضي قدمًا نحو المستقبل بخطوات وئيدة، واثقة، تدرك يقينا ما تصبو إليه من تطلعات المواطن، والتي ستكون كما أكّد جلالته- أيّده الله- عنوان المرحلة المقبلة.

رسالة السلام العمانية وعمق العلاقات الدبلوماسيّة مع مختلف دول العالم، هي الموجه الثاني لهذا الخطاب، فعمان السلام ستظل قبلة للباحثين عن الاستقرار، وأرضا محايدة لا تنحاز لطرف على آخر، فقط تنحاز إلى الحق في السلام، والحق في العيش الآمن، والحق في تنمية الأوطان. وتلك مهمة سامية ونبيلة، أخذنا على عاتقنا القيام بها، لأننا شعب محب للسلام وساعٍ إلى الوئام مع العالم، ومُطبق لقيم التسامح والتعايش.

وإذا ما انتقلنا إلى الموجه الثالث في هذا الخطاب، وهو أن عمان تمثل الهدف الأسمى من عملية التنمية الشاملة، فإننا نستدعي على الفور ما تزخر به بلادنا من منجزات شهد لها القاصي والداني، وأقرّ بما أحرزته السلطنة من تقدم في العديد من المجالات، وما اعتلاء صدارة عدد من المؤشرات الدولية إلا انعكاس وترجمة لما تحقق على أرض الواقع، فضلا عن التقدم المستمر في مختلف المؤشرات، ولاسيما تلك المرتبطة بالتنافسية والنزاهة والشفافية، وغيرها من المؤشرات العالمية التي تحدد مستوى تقدم الدول.

الموجه الرابع، والذي أراه الأبرز في هذا الخطاب، التأكيد على دور الشباب، وإسهاماتهم المتوقعة خلال المرحلة المقبلة، وما وصف جلالته للشباب بأنّهم "ثروة الأمم وموردها الذي لا ينضب" سوى تعبير صادق عن الرؤية السامية لشبابنا، خاصة وأنّ العديد من أبناء الوطن من الشباب أثبتوا جدارة واستحقاقا في مجالات شتى. فيكفي أن تدخل أي مؤسسة خاصة أو حكومية أو حتى مؤسسة صغيرة أو متوسطة، وترى زهورًا يانعة في سن الشباب، تكافح وتجتهد من أجل أن تصنع عمان المجد الذي تطمح إليه، وعندها تدرك حتما أنّك أمام قوة مستقبلية إذا ما أخذنا بأيديهم إلى الطريق الصحيح وعززنا مهاراتهم وصقلناها بالتجارب والخبرات. وهنا نؤكد أنّ دور الشباب في المرحلة المقبلة سيكون ذا أثر بالغ على مسيرة التنمية الشاملة، لكن يبقى أن تتكاتف الجهود من أجل تطبيق ذلك الدور على أرض الواقع، فمتى سنجد وكيل وزارة في سن الخامسة والثلاثين؟ ومتى يكون الرئيس التنفيذي لإحدى الشركات الكبرى أقل من 40 سنة؟ أقول إنّ ذلك لن يتحقق إلا إذا آمنا بالرؤية السامية التي ترى في الشباب محركا لعملية التنمية في المستقبل.

واستشراف المستقبل يرتكز خلال هذا العهد الزاهر على رؤية "عمان 2040"، تلك الرؤية التي تجسد قاعدتين بالغتي الأهمية في صياغة العقد الاجتماعي بأي دولة، الأول أنّها رؤية تشاركية قامت على استطلاع آراء المواطنين على مختلف المستويات وفي شتى القطاعات، الثاني أنّها رؤية استشرافية ممنهجة، تبصر المستقبل بعين طموحة تسعى لوضع عمان "في مصاف الدول المتقدمة"، وهي رؤية منهجية أيضا تعتمد في آليات تطبيقها على مؤشرات أداء تضبط بوصلة توجهاتها على أرض الواقع.

ولذلك كانت الموجهات الأخرى في هذا الخطاب، مستندة على تلك الرؤية الطموحة، فالتأكيد السامي على إعادة هيكلة الجهاز الإداري للدولة ومواصلة جهود تطوير مؤسسات الدولة عبر التشريعات والرقابة وتعزيز النزاهة، إلى جانب الإدارة الرشيدة لموارد الدولة المالية لتقليل العجز وخفض المديونية العامة، كل هذه المعطيات تفضي في النهاية إلى إنجاز رؤية "عمان 2040"، وتحقيق المأمول منها.

لكن يبقى في المقابل دور أصيل لمؤسسات الدولة للتعاطي والتفاعل مع تلك الموجهات الرئيسة، والالتزام بها والعمل على تحقيقها وتضمينها في سياساتها العامة وأُطر عملها وآلياتها المؤسساتية، كي تتحقق ويستفيد منها المواطن. بات الدور كبيرا الآن على عاتق هذه المؤسسات، لكي تلتقط الكرة وتنفذ ما تصبو إليه الإرادة السامية بموجهاتها وتطلعاتها.

وأخص بالذكر في هذا السياق، المؤسسات الإعلامية سواء الجهات التنظيمية للإعلام أو المؤسسات المنتسبة والعاملة في هذا القطاع، مقروءة كانت أو مرئية أو مسموعة، والتي يُعول عليها للقيام بدور محوري وفاعل في مسيرة النهضة المتجددة خلال هذه المرحلة، فالخطاب الإعلامي آن له أن يتطور ويمارس مهامه الاستقصائية والإخبارية بالتزام أكبر واجتهاد أوفى، إذ لا يزال هذا الخطاب يقف عند حدود مفهوم الإعلام التنموي، وهو مفهوم مطلوب، لكن في الوقت نفسه يتعين الانتقال إلى مرحلة تلامس تطلعات المواطن من وسائل الإعلام، مرحلة يستطيع الصحفي فيها أن يحصل على المعلومة بنفسه ويمارس مهامه دون انتظار لبيان أو تصريح لـ"مصدر مسؤول"، فقد ولّى هذا العصر الذي ينتمي إلى القرن الماضي، ودليل ذلك ما نشهد على وسائل التواصل الاجتماعي من تحولات في الخطاب الإعلامي، والتي أثرت في جانب منها- ليس هيّنًا- على مصداقية الإعلام ومصداقية الجهات في الدولة. وحتى لا يكون حديثنا جلدًا للذات؛ فإنّ على مؤسسات الدولة أن تدعم الإعلام في عمله، أن يُدرك كل مسؤول في وزارة أو هيئة أن الصحفي عندما يتواصل معه إنّما يقوم بعمله، وأنّ الأسئلة الصحفيّة حول مجريات العمل في أي مؤسسة، هي من مسؤوليات هذا الصحفي وواجبات تلك المؤسسة الإعلامية. ولذلك يحدونا الأمل في أن يخرج قانون الإعلام الجديد ملبيا لهذه التطلعات، وموفرًا لكل صحفي وإعلامي كل ما يكفل له من سبل لإنجاز مهمته.

إننا ونحن نستهل عهدًا جديدا تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة عاهل البلاد المُفدى- أيّده الله- لننشد أن نرى تطبيقات وتجليات الخطاب السامي في مختلف شؤون حياتنا، وأن تتكاتف جهودنا جميعا من أجل بناء عمان التي نريدها.. "عمان في مصاف الدولة المتقدمة".