إشكالات الواقع وتحدياته!

عبدالله العليان

الحديث في قضايا الأمة وتحدياتها، لا يزال مطروحًا للنقاش والحوارات والمؤتمرات، ومنها مشاريع التنوير وإصلاح الواقع الراهن...إلخ، ولا شك أنَّ هذه الدعوات أصبحت حاجة ماسة وضرورية، لكن يجب أن تصوَّب إلى الطريق التصحيح، وأنْ يكون هذا الطرح في مجاله الحقيقي، لكي تتحقق أهداف هذه الدعوات.

فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، طرح بعض السياسيين الغربيين مسألة الإصلاح في الفكر الإسلامي، وتمَّ الحديث عن مسألة الإصلاح فيما يُسمَّى بتجديد الخطاب الديني، لكن الإشكالية: كيف يتم هذا الإصلاح وفق الرغبة الخارجية؟ ولماذا التركيز على الهوية الفكرية للأمة وتراثها، مع ما تمَّ آنذاك من أفعال وأعمال، ليس من فكر الأمة ولا من تراثها، حتى لو استغلَّت بعض الجماعات بعض النصوص في التراث، وقامت بتحريفها لمآربها الخاصة، وقد سبق وناقشت بعض المهتمين بقضية الواقع العربي وتحدياته، والذي لا شك يحتاج إلى مراجعات، للتغيير إلى ما هو أفضل في سبيل النهضة والتقدم، ولكن من المهم ألا نجلد ذواتنا من أن التأخر والتراجع بسبب عقولنا أو تراثنا، أو ديننا، كما يطرح بعض الذين يريدون منا أن نلتحق بالغرب، في (خيره وشره)!

وهذه للأسف استلاب وخنوع لما يراه الآخر، وقلت بالنص في هذا المضمار: إن "العرب في بداية انطلاقتهم قبل مجيء الإسلام كانوا أمة متناحرة ومنقسمة على نفسها، بين الفرس والروم، فوحّدهم هذا الدين، وأقاموا حضارة كبيرة، أنارت للكثير من الثقافات والحضارات بعدهم، وفتحت الباب لهم للتمدد والتوسع والنهوض بعدما كانوا في أكثر العصور انحطاطاً كما قال الكثير منهم، وهذا ما اعترف به الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا في محاضرته في "ويلتون بارك" بلندن عام 1996، وهذا بلا شك يُعطي الدليل على أن ما يقوله البعض عن جمود عقولنا، أو حواجز جذورنا أو عدم قبول تراثنا للعلم والنهوض والتقدم، كلها تحليلات لم تمس جذر الأزمة، فيما نحن فيه، وكأنه هروب من الحفر المنهجي الصحيح لواقعنا الراهن، وأعتقد أن ما نحن فيه هو من واقعنا المعاش، وهذا الواقع من أفعالنا التي نمارسها، وهى غائبة عن الأفعال والأعمال الصحيحة". هذه المسألة ناقشها الكاتب د. مسفر القحطاني في كتابه "سؤالات في المنهج.. مقاربة أصولية وفكرية"، ورأى أن مشاريع الرواد إصلاح واقع الأمة، وهم من الرعيل الأول؛ مثل: الشيح محمد عبده، والأفغاني، والكواكبي... وغيرهم من العقول النيرة التي وجدت الفرق الهائل بيننا وبين الغرب، وبدأوا بالتحرك لطرح قضية هذا التراجع والتخلف الكبير: لماذا وصلنا إلى هذا المربع؟ والآخرون من الشعوب الأخرى نهضتْ وتقدَّمت، وكان لهؤلاء السبق في مناقشة هذا الواقع وتحدياته، وطرحوا قضية الحاجة الماسة للإصلاح في محددات تستحق التقدير، لكن هذه الدعوات، لم تقابل من بعض المثقفين العرب، الذين لهم رؤية أكثر اقتراباً من الفكر الغربي، أو ما يسمي بفكر التنوير الذي خرج من الصراع مع الكنيسة منتصراً، وسارت عليه بعض النخب السياسية العربية، مع أن الظروف والمشكلات بيننا وبين الغرب مختلفة ولا تقاطع بينهما، ومن المؤسف -كما يقول القحطاني- أنَّ كتابات أصحاب: "التنوير المعاصر" تمحورت حول الدين والتراث، وكأنهما سبب ظلامات حالنا الراهن، والنقد التنويري -كما يُسمِّي نفسه- لو كان في الممارسات الدينية الجانحة والمتطرفة لكان حريًّا بالقبول العام لدى كافة التيارات، لكن اقتصروا على النص وفهمه وتاريخيته وزلات أفهام الفقهاء ورجعية التراث، بينما مشكلات الإنسان القائمة تتمحور حول ضعف التنمية وفقدان الهوية وتخلف البحث العلمي والبطالة وركود الصناعة وتبعيتنا في ذلك كله، والتي لم ينشغل بتلك الإشكالات إلا القليل".

ويضيف د. مسفر القحطاني في هذه المسألة المرتبكة فكريًّا، أن الجانب الذي نحتاجه هو إيجاد تخطيط مستوفٍ لكل الظروف، لانتشال الواقع السلبي الذي نعيشه ونرغب في تجاوزه، كما أن "إستراتيجية التغيير تحتاج إلى منطق إداري صارم، ولكن لن ينجح هذا المنطق ما لم يكن هناك فهم سنني لطبيعة المجتمع، واحترام ثوابته، وتصدٍّ لمشكلاته الآنية والمستقبلية، مع الحذر من التعاطي مع الأمور الضرورية في التغيير بمنطق نصف إصلاح، أو نصف حرية، أو نصف عدالة؛ لأن تلك الأنصاف الناقصة قد تعود بالخراب على الكل. لذلك فإن الفرص محتاجة إلى رؤية سليمة وسريعة، وفي وقتها المناسب الذي يجب استغلاله، فـ"التقدم الإنساني في التاريخ -كما يرى القحطاني- يأتي على شكل فرص ولحظات باهرة قد لا تتكرر، والأشخاص الذين يشكلون كتلة الدفع الحرجة لهذه اللحظة التاريخية هم كنز الوطن وجوهره النابض (:) وغالباً يحدث نجاحهم من خلال القرار الصائب وتأسيسهم للمنهج الصحيح للعمل، وتقديمهم للمعلومة الصادقة لأجل التصور السليم". ولا شك أن الرؤية الصحيحة، لما نريده ونسعى إليه، يحتاج بلا شك للقرار الصائب، والإستراتيجية السليمة التي تبتغي المصلحة الوطنية في المقام الأول، وهذا هو مربط الفرس والمحور الذي تدور حوله مسألة الإصلاح والتغيير.