مبارك يرحل ويترك التاريخ لـ"يحكم بما له وما عليه"

الرؤية – محمد البرمي

"لعل حديثي أمامكم اليوم هو آخر ما أتحدَّث به حتى ينتهي العمر، وإنني وإذ اقترب العمر من نهايته مرتاح الضمير قضيته مدافعًا عن مصر ومصالحها وأبنائها حرباً وسلامًا، وليحكم التاريخ علي وعلى غيري بما لنا وما علينا"، 9 سنوات و14 يومًا، على ذلك الخطاب الأخير للرئيس المصري الأسبق محمد حسني مُبارك منذ رحيله عن السلطة في مصر عقب انتفاضة 25 يناير التي أطاحت بقائد القوات الجوية ونائب الرئيس السابق من الحكم لتتولى القوات المسلحة مسؤولية البلاد.

خلال السنوات الماضية قضى الرئيس الأسبق محمد حسني مُبارك حياته بين شائعات متكررة بوفاته، ومحاكمات في العديد من القضايا منها "قتل المتظاهرين" و"القصور الرئاسية" وهي الوحيدة التي صدر ضده فيها حكم بالإدانة بات نهائياً، وقضايا "هدايا الأهرام" وأخرى في "الكسب غير المشروع" كما كان شاهدًا في قضية اقتحام السجون، سنوات 9 لم تمر هادئة على الرئيس الأسبق وعائلته ولديه "جمال وعلاء" وزوجته سوزان ثابت، فشهدت العديد من التقلبات والمحاكمات.

91 عامًا هي عمر الرئيس المصري الأسبق، والمولود في 4 مايو 1928 بقرية كفر المصيلحة، في محافظة المنوفية، والذي تخرج في الكلية الحربية عام 1950 وتدرج بصفوف القوات المسلحة حتى وصل إلى منصب رئيس أركان حرب القوات الجوية، ثم قائداً للقوات الجوية في أبريل 1972، وقاد القوات الجوية المصرية أثناء حرب أكتوبر 1973.

شكل مبارك على مدى أكثر من نصف قرن الجزء الأكبر من ذكريات الشعب المصري كأحد قادة حرب أكتوبر بعدما تولى منصب مدير الكلية الحربية عقب نكسة 1967م، ثم تدرج في المناصب حتى تولى رئيس أركان حرب القوات الجوية، وقائدا لنفس السلاح، ونائبا لوزير الدفاع، ثم مشاركا في الإعداد لخطة الحرب ثم واصل تدرجه السريع بفضل كفاءته وفي عام 1975 اختاره السادات نائباً لرئيس الجمهورية، وعقب اغتيال السادات عام 1981 تولى مبارك رئاسة مصر بعد استفتاء شعبي، وجدد فترة ولايته عبر استفتاءات في الأعوام 1987، 1993، و1999، ثم فاز في أول انتخابات رئاسية تعددية عام 2005.

ما لا يُمكن لأحد إنكاره هو الجزء الأهم من حياة الرجل الذي عاش كجندي مصري دافع عن أرضها، وقاد سلاح الجو بعدما تم تدميره في نكسة 67 إلى طفرة كبيرة ساعدت الجيش المصري في الانتصار بحرب 73، ثم خدم الرجل لسنوات طويلة من مناصب متكررة، وأكمل ما بدأه الرئيس السادات في استعادة باقي الأراضي المصرية حتى انسحبت إسرائيل من كامل سيناء في أبريل 1982 وتم حل الخلاف الحدودي بالتحكيم الدولي.

واجه مبارك تحديا كبيرا في 25 فبراير 1986 وهو نفس تاريخ وفاته للمصادفة انتفاضة الأمن المركزي الذين احتجوا اعتراضًا على تردي أوضاعهم، لكنه نجح في إنهائها بعدما استمرت عدة أيام واضطر الرئيس الراحل لاستدعاء القوات المُسلحة.

على المستوى الخارجي وبعدها بدأ مبارك مرحلة جديدة سياسيًا حافظت خلالها مصر على سياستها الخارجية التي تعطي الأولوية لعلاقتها مع إفريقيا، إلى جانب الشرق الأوسط وأوروبا، وانتخب مبارك رئيسا لمنظمة الوحدة الإفريقية عامي 1989 و1993، إلا أنَّ ذلك تأثر بعض الشيء بحادثة أديس أبابا 1995 والتي حاولت فيها الجماعات الإسلامية اغتيال "مبارك" بعدها تغير ذلك التقارب المصري الإفريقي وهو من بين المآخذ السياسية على الرئيس الراحل.

وعربيًا كان للرئيس المصري الراحل محمد حسني مبارك دور ناجح في إعادة العلاقات مع الكثير من الدول العربية التي قاطعت مصر اعتراضًا على اتفاقية كامب ديفيد وكان للسلطان الراحل قابوس بن سعيد دور في ذلك، كما كان له دور كبير بعد الغزو العراقي للكويت، في تحرير "الكويت" بإرسال قوات مصرية.

في منتصف التسعينات واجه مبارك تحديًا صعبًا بعد انتشار الجماعات الإسلامية ودخولها في مواجهات مع الشرطة كان أشهرها مذبحة الأقصر في نوفمبر 1997، لكنه وفي ظرف سنوات قليلة تمكن من استعادة الأمور ونجحت الشرطة المصرية في القضاء على الجماعات الإرهابية التي راجعت نفسها فيما بعد، كما لم تكن السنوات الأخيرة في حكم الرجل الذي امتد لما يقرب من 3 عقود جيدة، مع تنامي نفوذ الحزب الوطني ونجل الرئيس جمال مبارك وسط مزاعم متكررة بتوريثه الحكم ومع تصاعد الغضب الشعبي وغياب "مبارك" شهدت مصر انتفاضة شعبية أطاحت به من الحكم بعدما اضطرت القوات المسلحة إلى "خلعه" في النهاية حفاظًا على البلاد من الإنزلاق إلى الفوضى.

رحل مُبارك في صمت بعد حياة صاخبة، من القرية إلى القوات المُسلحة، ثم إلى دوائر صنع القرار، ثم صانعًا للقرار فرئيسًا سابقًا يُحاكم في قضايا، ثم ظهور أخير على "يوتيوب" للحديث عن ذكريات حرب أكتوبر والسنوات التي صنعت مجد مصر العسكري في العصر الحديث، تغيرت حكومات مصرية مُتعاقبة وتوالى على السلطة من المجلس العسكري إلى الإخوان ثم الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي، وربما كان ينشد في أيامه الأخيرة أن يعرف الإجابة عن سؤاله التاريخي السابق "حكم التاريخ في ما له وما عليه" لكن الأمر ترك مفتوحًا، ككل الأسئلة التي خلفها الرؤساء السابقون، تختلف تتفق معهم، وتطلق الحكم كيفما شئت.

وأعلنت الرئاسة المصرية، الرئيس المصري السابق حسني مبارك، لما قدمه لوطنه كأحد قادة حرب أكتوبر، كما قررت إعلان الحداد لمدة 3 أيام.

بلا خطابات كما اعتاد الرجل لسنوات، خرج مبارك من المستشفى التي قضى فيها أيامه الأخيرة إلى مقبرة الأسرة حيث أوصى بأن يدفن مع حفيده "محمد علاء" الأقرب إلى قلبه والذي توفي في 18 مايو 2009.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك