ترسيخ العدالة الاجتماعية

حاتم الطائي

◄ قرارات جلالة السلطان المعظم تجسد أسمى معاني العفو ومراعاة ظروف المواطنين

◄ "عُمان 2040" تستهدف تنمية الإنسان والمجتمع وفق 3 ركائز رئيسية

◄ المرحلة المقبلة تتطلب تضافر الجهود والبناء على ما أنجزته مسيرة النهضة

البدايات دائماً ما تعكس دلالاتٍ بالغة الأهمية في أيِّ جهدٍ وعملٍ يستهدف الصالح العام، وتلك البدايات تحمل العديد من المعاني والدلالات وتُرسِّخ للكثير من المفاهيم اللازمة لقراءة وتحليل الواقع، واستشراف المُستقبل أيضًا.. وهكذا انطلق العهد الجديد لحضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- بإجراءات زاخرة بالمعاني والرسائل الدلالية التي لا تُخطئها العين ولا يغفل عنها كل لبيبٍ.

وانطلاقة العهد الميمون بإذن الله تعالى لجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- أيده الله- وبعد انقضاء فترة الأربعين يومًا من تنكيس الأعلام والحداد على وفاة السلطان الراحل، حملت الكثير من المعاني البليغة، وأوَّل ما يُمكن إبرازه أنَّ جلالته يُرسخ لمفهوم العدالة الاجتماعية، والتي تحققت بصور شتى منذ انطلاق مسيرة النهضة المُباركة، وتتعدى تطبيقاتها في مشاريع الطرق أو الخدمات الصحية والرعاية الاجتماعية للفئات المستحقة، وغيرها من أوجه وتطبيقات العدالة الاجتماعية في أي مجتمع. فجلالة السلطان المُفدى- أيده الله- تجاوز ذلك وشرع في تطبيق عدالة اجتماعية من نوعٍ فريدٍ، تُرسخ لمفهوم الإنسانية وتُعلي من قدر الإنسان المُواطن الذي هو غاية التنمية وهدفها، فكان أول قرار يُصدره جلالته في صباح أول يوم بعد فترة الأربعين، العفو عن عدد من نزلاء السجن. والمُتتبع لهذا القرار يُدرك أنَّه يُجسد أسمى معاني العفو والصفح، خاصة وأنَّ إجراءات العفو دائماً ما تضع في عين الاعتبار الظروف الاجتماعية والصحية للنُزلاء.

هنا نجد أنَّ الحرص السامي من لدن جلالة السُّلطان على العفو عن هؤلاء الأشخاص، إنما ينطلق من نظرة الأبوة الحانية على أبناء شعبه الوفي، الذين ربما اضطرتهم الظروف إلى السقوط في براثن الجريمة وتلقوا بعدها العقاب القانوني وفق منظومة العدالة الناجزة التي نفخر ونُفاخر العالم بها، فكان قرار جلالته بالعفو تطبيقاً لصحيح القانون وما خوله النظام الأساسي للدولة لجلالته من صلاحيات بصفته القائد الأعلى.

لكنَّ الخطوة الأبرز والتي كانت بمثابة بشارة زفها البنك المركزي العُماني إلى أبناء الوطن من العاملين في القطاع الخاص الذين أُنهيت عقود عملهم لأسباب شتى، تمثَّلت في توجيه البنك المركزي لكافة المصارف وشركات التمويل والتأجير التمويلي، حيث يُواجه هؤلاء المواطنون مطالبات من المصارف وشركات التمويل والتأجير التمويلي بسداد أقساط ما حصلوا عليه من قروض وتسهيلات ائتمانية. وهذا التوجيه من البنك المركزي يعكس مدى التزام مؤسسات الدولة في العهد الجديد لجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المُعظم- حفظه الله ورعاه- بتطبيق مفهوم العدالة الاجتماعية، فالتوجيه يُطالب المصارف وشركات التمويل والتأجير التمويلي بوضع آليات واضحة لحصر حالات هؤلاء المُواطنين، وإيجاد آليات مُناسبة للتواصل المُباشر مع هذه الفئة ومُتابعتها ووضع الحلول المُناسبة لمُعالجة أوضاعها، وهنا نجد حرصًا على مُعالجة أوضاع المواطنين بصورة عاجلة، إذ إنَّ تطبيق العدالة يستلزم كذلك سرعة الفصل وإنجازها دون تأجيل أو إرجاء، وقد راعى القرار أيضًا هؤلاء المواطنين بصورة تتماشى مع نهج العدالة الاجتماعية؛ إذ تمَّ إمهال هذه الفئة فترة سماح تمتد إلى 12 شهرًا من تاريخ التوقف عن السداد، وإعادة جدولة ما حصلوا عليه من قروض أو تسهيلات عند حصولهم على عمل آخر.

إنِّنا أمام مشهدين يرسخان لمفهوم العدالة الاجتماعية في بلادنا، مع انطلاقة العهد الجديد، وتلك ميزة كبرى تُؤكد مدى الاهتمام السامي بالقضايا المجتمعية التي تمس الإنسان العُماني مُباشرة وتُؤثر على معيشته، وترسم معالم الطريق أمامه خلال السنوات المُقبلة.

والحديث عن العدالة الاجتماعية يدفعنا لكي نُعرِّج على محور "الإنسان والمُجتمع"، الذي يتصدر محاور الرؤية المُستقبلية "عُمان 2040"، وقد كان جلالته- أيَّده الله- رئيسًا للجنة الرئيسية التي أعدت هذه الرؤية التي ستقود عُمان على مدى العقدين المُقبلين نحو مصاف الدول المُتقدمة في العديد من المجالات. ومحور "الإنسان والمجتمع"، يضع 3 ركائز رئيسية من أجل أن يحيا الإنسان العُماني في رخاء واستقرار، وأول هذه الركائز "تعزيز الرفاه الاجتماعي"، والتي تسعى إلى إرساء مبدأ العدالة والمساواة بين أفراد مجتمعنا. ولا شك أنَّ المشهدين اللذين تطرقنا لهما فيما سبق من هذا المقال، يبرهنان على التطبيق الأمثل لهذه الركيزة، فالمواطن وبفضل السياسات الحكيمة لجلالة السلطان المُعظم ينعم بالرعاية الاجتماعية، كما إن فئات مثل المرأة والشباب والأطفال والأشخاص ذوي الإعاقة والمسنين سيحظون أيضاً بنصيب وافر من نظم الرعاية الاجتماعية وتطبيقات العدالة الاجتماعية على السواء.

وإذا ما توسعنا في قراءة الركيزتين الأخريين ضمن محور "الإنسان والمجتمع" في رؤية عُمان 2040، نجد أنَّ الثانية تتمثل في المحافظة على الهوية العُمانية والتراث العُماني، من خلال تعظيم القيم الإسلامية السمحة في نفس كل مُواطن، بما يُعينه على التَّعاطي مع المتغيرات من حوله، مثل قضايا العولمة والتعامل مع التنوع الثقافي في المجتمعات الأخرى. بينما الركيزة الثالثة تتمثل في تطوير الكفاءات والقدرات الوطنية، والتي تستهدف بناء قدرات المُواطنين وإعدادهم وفق أسس علمية وعملية تُعينهم على الإسهام بقوة في بناء مجتمعهم المزدهر، علاوة على تأهيلهم على النحو الذي يُمكنهم من اكتساب مهارات المُستقبل والتفاعل بذكاء مع التطور التقني الهائل في العالم من حولنا.

وما من شك أنَّ قضايا التدريب والتأهيل في مسيرة بناء الإنسان العُماني، تدفعنا إلى الحديث عن دور مؤسسات القطاعين العام والخاص في تطوير وصقل مهارات الشباب، وتهيئتهم لسوق العمل، مسلحين بأفضل المهارات ومتميزين في مجالات تخصصهم، وذلك من خلال برامج التدريب والتأهيل وتشجيع الشباب على العمل وزيادة الإنتاجية. والمرحلة المُقبلة تتطلب من جميع الجهات تضافر الجهود، من أجل بناء الإنسان العماني الواعي بمتغيرات العصر والمُدرك لخصائص هذا التغيير، ومن ثمَّ شق طريقه نحو المُستقبل بثقة ويقين أنه على الطريق الصحيح، وذلك لن يتأتى دون شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص فيما يتعلق بتنظيم وإدارة برامج التدريب والتطوير والتأهيل.

وختاماً.. إنَّ الانطلاقة المُتجددة لمسيرة النهضة المباركة تحت القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- ماضية في طريقها على النهج القويم ووفق الثوابت العُمانية الراسخة، بما يخدم أهداف التنمية واستدامتها، ويُعظم من عائداتها على الفرد والمجتمع، ويُحقق الرؤية المستقبلية "عمان 2040"، بمختلف محاورها وركائزها، فعُماننا الحبيبة تستحق من الجميع أن يشمر عن سواعد الجد، وأن نجتهد لكي نصل إلى عمان التي نريدها متقدمة وفي رخاء واستقرار وتقدم ونماء.