"مخيم المها العربي" و "1000 ليلة" و" منتجع شاطئ السلاحف".. أياد عمانية تحول الصحراء إلى "جنة سياحية"

 

-الجولات التعريفية بجوائز عمان للسياحة تستكشف كنوز السلطنة

-"أم سعيد".. قصة امرأة خرجت أجيالا من خيمة لتصنيع "الحرف اليدوية"

- "النوخذة ناصر العلوي" شاهد على تاريخ البحارة العمانيين

الرؤية - مدرين المكتومية

رحلة طويلة قطعناها من العاصمة مسقط، صوب "الشرقية" محملين بالشغف والرغبة في التعرّف عن قرب على أماكن أصبحنا نفتقدها بعدما تهنا في زحام المدن، وانشغلنا في حياتنا، اليومية بإيقاعها المتسارع، لكن الأوان على ما يبدو كان قد آن لرحلة، ننتظر ما قد تجود به علينا من معرفة ومتعة.

"هنا الشرقية" على بعد 200 كيلو متر عن مسقط ربما تزيد قليلًا قطعناها في السيارة التي انطلقت بينما كانت عقارب الساعة تشير إلى الثالثة، كان سحر المناظر الطبيعية من حولنا يداعب الخيال، من جمال بدية وفلجها، ومياهه التي تغذي مزارع شاسعة، انطلقنا إلى بساطة العيش وحكايات الأجداد، وشرارة الحنين التي تشعل نيران المحبة إلى أولئك الذين حملوا مشاعل النور العماني لسنوات طويلة، وخلدوا حكايات ما نزال نتداولها إلى يومنا.

في ولاية "بدية" صاحبني الزميل الصحفي أحمد الجهوري، لنلاقي أحد العالمين ببواطن الصحراء، "أبو أسيل"، الذي صاحبنا لنكمل رحلتنا، في البداية استقبلنا في منزله، مقدمًا واجب ضيافة ينم عن كرم عماني أصيل، بعدها انطلقنا لنكمل الرحلة.

أخذتنا السيارة إلى شارع غير مستوٍ، تعمّقنا في الصحراء وسط الرمال، لنبدأ تجربتنا الأولى مع "مخيم المها العربي" لا يمكن تفسير ما رأيناه إلا بأنّ رجلا آمن بأنّ الصحراء قد تنبت له خيرًا مهما استصعبت زراعتها لكنّه رغم ذلك أكمل مسيرته حتى صار المخيم ملاذًا للهاربين من ضوضاء المدن إلى جمال الصحراء وشمسها.

تجوّلنا في مخيم المها، اكتشفنا أننا لم نكن ندرك أنّ هناك شيئا أجمل بكثير من فنادق الخمس نجوم، والمكان ليس فقط بملحقاته وإنما بالمشاعر التي تنتاب زائره في تلك اللحظة، بعدها انتقل بنا "أبو أسيل" الذي صار دليلًا إلى مكان آخر في الصحراء نفسها بين الإبل هناك نرى طفلا يعود من مدرسته، ثمّ يبدأ في سقاية وإطعام الإبل، بعدها يصلي لربه.. مشهد فطري رائع.

لكن بين كل ذلك كانت "أم سعيد" الأكثر إدهاشًا لنا، خيمة كبيرة بها مشغولات يدوية تجلس فيها، تظهر ملامح الزمن على وجهها؛ لكنّها رغم ذلك ما تزال تحتفظ بجمالها، وقوة في يديها ونظراتها المصوّبة نحونا، بحنو وكرم بالغ استقبلتنا، حكت لنا عنها وحياتها التي قضتها بين هذه الصحراء والطبيعة الرائعة وكم من الوقت احتاجت ليصبح المكان على ما هو عليه، وكيف أنّ تلك الخيمة ساهمت في تخريج أجيال.

لم تكن "أم سعيد" امرأة المنسوجات اليدوية فقط، وإنما سيدة كريمة وعظيمة، تطلب منا البقاء لنكون في ضيافتها تصب القهوة وتسقينا؛ وتخبرنا أنّ الإنسان لا يحتاج إلا القليل ليعيش بسعادة، وأنّها افترشت الصحراء لتسترزق منها، واختارت أن تكون في عمق الأرض بين رمال بدية لتكون المرأة "البدوية" حاضرة في زمن المدنية التي أنست الكثيرين أصولهم.

واصلنا السير نحو "مخيم 1000 ليلة" المسافة طويلة جدا، عند المدخل قابلتنا لافتة مدون عليها "منذ 2004 بني مخيم 1000 ليلة والآن قررت أن أستريح لأرحّب بكم، خذوا حذركم، فهذا ما فعلته بي الصحراء"، وجدنا أنفسنا دون شعور كل منا يأخذ زاوية ليلتقط صورا في ذلك المخيم البديع، وكأننا نعيش بين عالمين وزمنين وتوقيتين، بين الصحراء والبساطة وبين الحضارة والرقي.

 لم يكن اسم "1000 ليلة" عاديا، ولكنّه خيار لمكان لابد لمن يحط رحاله عنده أن يحكي قصصا قد يلتقيها ويتعثر بها، كل شيء كان منسجما، كلوحة فنية رائعة، أبدعها فنان، البرك، أشجار الغاف في كل مكان، والصحراء اللامتناهية، وغروب الشمس بلونها الغريب والسماء التي شارفت على أن تنقلب لسواد دامس، كل شيء هناك كنا نتنفسه بكل أريحية.

لم تنته الشرقية هنا لأننا ذهبنا لنعانق البحر حيث أمواج البحر ترتطم على الصخور بكل قوّتها، لم تكن "صور" محطة أيضا هينة وبسيطة، حتى وإن لم يتجاوز وجودنا فيها 48 ساعة، جسر معلق يربط "صور" ببعضها بعضا، وسوق عتيق أضفت عليه الحضارة شيء من البهاء، وبحر ممتد إلى ما خلف التخوم البعيدة، كل شيء هناك يحكي قصة البحر والبحارة العمانيين القدماء.

 كانت صور محط اهتمام البحارة من كل صوب وحدب، لم يسعفنا الوقت كثيرا للبقاء فيها فكانت محطتنا الأخيرة زيارة مطعم "الحوش" الذي كان يقابل البحر، وبرغم قدم المكان إلا أنّ "عبدالناصر" صاحبه حاول جاهدًا أن يعيد الحياة لذلك المنزل المهجور، وأن يكون مقصدًا للزوار، ومكانا يجتمع فيه الناس ليتناولوا أطيب المأكولات وألذها.

 لم يكن الحوش عبارة عن مطعم فقط، ولكنّه أيضًا كان مكانا لترى من خلاله البحر، ولتتذوق في أطباقه أكلات أهل صور الشعبية، فالمكان بتفاصيله البسيطة ينم عن عراقة وقدم.

واصلنا أنا، ورفيق الرحلة المسير نحو "رأس الحد" وبالتحديد "منتجع شاطئ السلاحف" كنّا قاصدين زيارة أحد الشخصيّات الذي قضى عمره وشبابه في وسط الرياح العاتية، هو "النوخذة ناصر العلوي- بو جمال" الذي أخبرنا عنه المُكرم حاتم الطائي بأنّه صديق قديم، والجلوس معه يعني أنّك تسمع قصصًا لم تمر ببالك ولا مخيلتك، فقصدناه وبإصرار تام من جمال ابنه بالبقاء في المنتجع والمبيت فيه؛ بتنا فيه ليلة واحدة، لكنّها لم تكن ليلة عادية، فأن تنام وأنت تستمع لارتطام أمواج البحر على اليابسة فهو أمر قمة في الروعة.. رياح باردة وأمواج هائجة.

كان منتجع شاطئ السلاحف قصة أب وابنه عملا جاهدين لأن يحققاها، ولأنّها كانت قصة كفاح، أصبح كل شيء فيها محط اهتمام من قبلهما.. يحاولان جاهدين أن ينقلا المكان من البساطة للفخامة لكن دون أن يفقد أساسه، ذهبنا في رحلة بحرية، كنا خلالها في عرض البحر.

كانت حكاية البحار العماني، النوخذة ناصر العلوي، الذي ركب البحر وهي في سن التاسعة من العمر، مع والده الذي كان يقضي حياته على السفن، بعد أن أنهى دراسة القرآن الكريم اختار البحر ليكون رفيقه، تعلم من والده فنونه، عرف كيف يتعامل مع السفينة، فكما يقول لنا: "السفينة أشبه بوزارة - هناك وزير يقود الدفة وهناك بحارة كل منهم لديه عمل معين ينجزه ليصلوا للمكان الذين يريدونه".

النوخذة ناصر كحال كل البحارة القدماء يعتمدون على علم الفلك والنجوم والبوصلة في تحديد مساراتهم، وعلى القدر في وصولهم لبر الأمان، سافروا نحو اليمن ودول الخليج والعراق والهند بسفنهم الشراعية، مجازفين بأنفسهم لأجل صناعة الحراك التجاري البحري، كان بين الحين والآخر يشير بأصبعه نحو بقعة من الأرض بالقرب من المنتجع ويقول: "هنا كانت تصل السفن محملة بالأخشاب، ومن هنا كنا ننطلق لرحلة أخرى".

قصصهم غريبة، أخبرنا أنّ نساء البحارة كنّ وقبل أي رحلة يجبرن أزواجهنّ من البحارة على كتابة عبارة على جدران المنزل فيما معناها "أنّ من أخذك منا ليعيدك إلينا"..

النوخذة ناصر، تجلس بجانبه وكأنك تقرأ تاريخ البحر على وجهه وكيف يمكن للقدر أن يُغيّر مسارات كثير من البحارة، فرجل بهذا السن وما زال يملك الطاقة والحياة، وقلبه مُتعلِّق بالسفن الشراعية وبالمواقف التي كادت تزهق روحه.

كان منتجع شاطئ السلاحف محطتنا الأخيرة في الجولات التعريفية لجائزة عمان السياحية، التي خرجنا فيها بدروس مستفادة وبقصة بحار عماني عاش ليحكي قصته لأناس لم يعيشوا تلك المرحلة ولن يعيشوها

منتجع شاطء السلاحف.jpg
مخيم المها1.jpg
مخيم المها العربي.jpg
مخيم المها.jpg
ام سعيد.jpg
مخيم المها 2.jpg
النوخذة.jpg
النوخذة ناصر العلوي مع فريق الرؤية.jpg
النوخذة ناصر العبري.jpg
الف ليلة وليلة.jpg
ابو اسيل مع فريق الرؤية.jpg
1000 ليلة (3).jpg
1000 ليلة (4).jpg
1000 ليلة (1).jpg
1000 ليلة (2).jpg
 

تعليق عبر الفيس بوك