كيف نجعل أهداف التنمية المستدامة واقعا معاشا؟

 

د. هناء بنت محمد أمين **

** وزارة التعليم العالي

 

◄ مبادرة الأمم المتحدة لتسريع أهداف التنمية المستدامة 2030

 

في بداية يناير 2016م بدأ رسميًا تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030 التي اعتمدها قادة العالم في سبتمبر 2018 في قمة أممية تاريخية. وتضمنت خطة التنمية المستدامة 2030 (17) هدفاً موزعة على خمسة أركان هي: الناس، وكوكب الأرض، والازدهار، والسلام، والشراكات. وبنيت هذه الخطة على النجاحات التي حققتها خطة الأهداف الإنمائية الألفية التي انتهت في عام 2015م. وتتصدى الخطة لاحتياجات الناس في الدول المتقدمة النمو والدول النامية على حد سواء، وتتناول الأبعاد الثلاثية للتنمية المستدامة: الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وستعمل الدول خلال السنوات الخمسة عشرة على حشد جهودها للقضاء على الفقر بجميع أشكاله ومكافحة عدم المساواة ومُعالجة تغير المناخ مع ضمان شمول الجميع بهذه الجهود. وتحقيق هذه الأهداف يتطلب من الحكومات وضع خطط وطنية وآلية لمتابعة التقدم المحرز في تحقيق هذه الأهداف على المستوى الوطني والإقليمي ومن ثم العالمي مما يتطلب جمع بيانات نوعية يسهل الوصول إليها في الوقت المناسب واستخدام مجموعة من المؤشرات الإحصائية المعتمدة عالميا.

وأكدت الأمم المتحدة على التزام كل الدول المشاركة بشكل منتظم في متابعة ومراقبة تنفيذ الخطة على مدى السنوات الخمسة عشرة المقبلة. واعتمدت إطار عمل للمتابعة والمراقبة ذي طابع طوعي وفعال وتشاركي وشفاف ومتكامل ويعمل على كل من الصعيد الوطني والإقليمي والعالمي مما يُساهم مُساهمة أساسية في التنفيذ.

ويحتل المنتدى رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة مكانة محورية في متابعة واستعراض خطة عام 2030 على الصعيد العالمي بالعمل بشكل مُتسق مع الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة وسائر الهيئات والمنتديات ذات الصلة.

ويعقد المنتدى رفيع المستوى المعني بالتنمية المستدامة سنويًا لقاء يعد منبرا للنقاش متاحا أمام الجهات الفاعلة المؤسساتية وغير المؤسساتية في مجال التنمية المستدامة من خلال اجتماعه السنوي لمدة ثمانية أيام، ثلاثة منها على مستوى الوزراء برعاية المجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للأمم المتحدة، كما يعقد اجتماعا دوريا كل أربع سنوات على مستوى رؤساء الدول في الأمانة العامة للأمم المتحدة.

وفي 24-25 سبتمبر 2019 عقدت القمة الأولى على مستوى رؤساء الدول حول أهداف التنمية المستدامة منذ اعتمادها في 2015، حيث اجتمع قادة العالم في الأمم المتحدة بنيويورك لمراجعة التقدم المحرز وتحديد الإجراءات لتسريع تنفيذ خطة الأمم المتحدة 2030. جمعت القمة السياسيين وقادة الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات الدولية في سلسلة من اجتماعات رفيعة المستوى لتحول السنوات العشر القادمة لغاية 2030 الى عقد حاسم من العمل. وقد شاركت السلطنة في هذه القمة بحضور معالي الدكتور علي بن مسعود السنيدي نائب رئيس المجلس الأعلى للتخطيط ووزير التجارة والصناعة

وخرجت القمة بالإعلان السياسي للمنتدى السياسي رفيع المستوى المعنون "التأهب لعقد من العمل والإنجاز من أجل التنمية المستدامة. وتضمن الإعلان السياسي التزام الدول والحكومات بتنفيذ خطة عام 2030 باعتبارها خطة عمل تهدف لما فيه صالح الناس والكوكب وتحقيق الرخاء والسلام والشراكة. ودعا الإعلان السياسي الى الإسراع بخطى العمل- على جميع المستويات ومن جانب جميع الجهات صاحبة المصلحة من أجل تحقيق رؤية خطة عام 2030 من خلال:

  • عدم ترك أي أحد خلف الركب: وأكد على أن تركز السياسات والإجراءات على الفئات الأشد فقرا والأكثر ضعفا. فلابد من تمكين الضعفاء، ويشمل من تُراعى احتياجاتهم في خطة عام 2030 جميع الأطفال والشباب والأشخاص ذوي الإعاقة، والأشخاص المصابين بفيروس نقص المناعة البشرية/الإيدز، والمسنين، وأفراد الشعوب الأصلية، واللاجئين، والمشردين داخليا، والمهاجرين.
  • تعبئة التمويل الكافي والجيد التوجيه: يلزم لسد الفجوة في تمويل أهداف التنمية المستدامة أن تزيد الحكومات والقطاع الخاص والجهات الأخرى صاحبة المصلحة من مستوى الطموح في تعبئة الموارد المحلية من القطاع العام والخاص، وأن تعزز البيئة المؤاتية للاستثمارات المستدامة، وتفي بالتزامات التعاون الإنمائي الدولي.
  • تعزيز التنفيذ على الصعيد الوطني: من خلال إدماج خطة عام 2030 على نحو استباقي في الأدوات والسياسات والاستراتيجيات والأطر المالية الخاصة بالخطط الوطنية
  • تعزيز المُؤسسات من أجل إيجاد حلول أكثر تكاملاً والعمل على إيجاد مؤسسات فعالة وشفافة وخاضعة للمساءلة على جميع المستويات، وضمان أن تكون عمليات اتخاذ القرار أكثر استجابة للاحتياجات وشمولا للجميع وأن تتسم بطابع تشاركي وتمثيلي أقوى.
  • الحد من مخاطر الكوارث وبناء القدرة على الصمود وذلك باتباع سياسات وتوفير استثمارات وابتكارات تهدف إلى الحد من مخاطر الكوارث وبناء قدرة البلدان والاقتصادات والمجتمعات المحلية والأفراد على مواجهة الصدمات والكوارث الاقتصادية والاجتماعية والبيئية.
  • التغلب على التحديات من خلال التعاون الدولي وتعزيز الشراكة العالمية حيث إن الطابع المتكامل لأهداف التنمية المستدامة يتطلب استجابة عالمية، وإيجاد سبل جديدة للعمل معاً وكفالة أن تواكب المؤسسات المتعددة الأطراف التغيرات السريعة المستجدة.
  • الاستفادة من العلم والتكنولوجيا والابتكار مع زيادة التركيز على التحول الرقمي من خلال تعزيز البحوث ومبادرات القدرات والابتكار والتكنولوجيا من أجل النهوض بأهداف التنمية المستدامة. والعمل على دعم التعليم الجيد والتعلم مدى الحياة ضماناً لتسلح جميع الأطفال والشباب والبالغين بالمعارف والمهارات ذات الصلة اللازمة لتشكيل مجتمعات أقدر على الصمود وأكثر شمولاً واستدامة.
  • الاستثمار في البيانات والإحصاءات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة والعمل على تعزيز القدرات الإحصائية الوطنية لمُعالجة الثغرات في البيانات المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة لتمكين البلدان من توفير بيانات وإحصاءات مصنفة وعالية الجودة وموثوق بها في الوقت المناسب.

 

 

 

وصاحب القمة الإعلان عن خمسة مبادرات للأمم المتحدة لتسريع تنفيذ خطة التنمية المستدامة 2030. يتم البدء في العمل بها في إطار اجتماعات الأمم المتحدة المتعلقة بأهداف التنمية المستدامة. وقد أعلن في اجتماع القمة الأول عن البدء بمبادرة الأعمال المحفزة: لجعل أهداف التنمية المستدامة واقعا معاشا. هي مبادرات اتخذتها طواعية البلدان وأصحاب المصلحة الآخرون للمساهمة في الإسراع في تنفيذ خطة عام 2030. ويمكن تسجيل الأعمال المُحفزة من قبل الحكومات الوطنية والحكومات المحلية والإقليمية ومنظومة الأمم المتحدة والمنظمات الحكومية الدولية الأخرى والمؤسسات المالية الدولية والإقليمية والمجموعات الرئيسية وأصحاب المصلحة الآخرين بما في ذلك القطاع الخاص ومنظمات المُجتمع المدني والمؤسسات الأكاديمية والبحثية، المجتمع العلمي، والجهات الفاعلة الأخرى بشكل فردي أو في شراكة. ويشترط أن تعكس الأعمال المحفزة هدفًا أكثر طموحًا أو سياسة أو برنامج جديد أو استثمارات جديدة أو دعم مالي أو دعم إضافي لأهداف و/ أو مجموعات معينة من أهداف التنمية المستدامة. وقد خصصت الأمم المتحدة موقعا إلكترونيا لتسجيل الأعمال المحفزة، معلومات تفصيلية عن كيفية إطلاق وتسجيل المبادرة والمعايير المتبعة لتقييم المبادرات المقدمة وكيفية متابعتهاis.gd/SDGactions .

 

ويتم تقييم المبادرات المسجلة من قِبل إدارة الشؤون الاقتصادية والاجتماعية وفقًا لمجموعة من المعايير وضعتها الأمم المتحدة. ويتم دعوة الحكومات والشركات وأصحاب المصلحة الآخرين الذين يقدمون مبادرات مبتكرة وطموحة ومؤثرة للإعلان عنها في وسائل الإعلام عبر أستوديو الوسائط الاجتماعية لكبار الشخصيات أو المنطقة الإعلامية لأهداف التنمية المستدامة.

وبلغ عدد المبادرات المسجلة لغاية يوم 3 فبراير 145 مبادرة تخدم أكثر من هدف شاركت فيها العديد من المنظمات الدولية والإقليمية ومختلف دول العالم من أوروبا وأمريكا الشمالية ودول أمريكيا اللاتينية ودول آسيا. أما الدول العربية فكانت مبادراتها محدودة للغاية حيث تقدمت الجامعة الأمريكية ببيروت بمبادرة واحدة وكذلك مؤسسة ماجد الفطيم ومؤسسة سمارت دبي من دولة الإمارات العربية المتحدة فقط.

وتجدر الإشارة إلى أن سلطنة عمان قدمت الاستعراض الوطني الطوعي الأول في اجتماع المنتدى السياسي رفيع المستوى السنوي في يوليو 2019، الذي أشار إلى حرص السلطنة على إدماج أهداف التنمية المستدامة في خطط وإستراتيجيات التنمية في عُمان وفي مقدمتها الخطة الخمسية التاسعة ورؤية عمان 2040، بما يعكس جدية الحكومة في تنفيذ تلك الأهداف ورصد الميزانيات وتصميم البرامج والسياسات الكفيلة بتحقيقها على المديين المتوسط والطويل. كما أشار التقرير إلى أن السلطنة في إعداد رؤيتها اعتمدت على المشاركة المجتمعية الواسعة حيث تمَّ تنفيذ العشرات من الحلقات النقاشية وورش العمل والجلسات الحوارية مع مختلف شركاء التنمية من ممثلي الحكومة والقطاع الخاص والشباب ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية. واستعرض التقرير التقدم المحرز لكل هدف من أهداف التنمية المستدامة والجهود المبذولة لرصد مؤشرات التنمية المستدامة فضلاً عن التحديات التي تواجهه السلطنة في تحقيق أهداف التنمية المُستدامة.

وتتوافر في السلطنة العديد من المبادرات والمشاريع التي تقوم بها بعض المؤسسات الحكومية والخاصة والجمعيات تخدم أكثر من هدف من أهداف التنمية المستدامة وبالتالي نرى ضرورة قيام المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ومؤسسات التعليم العالي بالعمل للمساهمة في هذه المبادرة الأممية.

 

 

 

 

 

تعليق عبر الفيس بوك