لا "تَضارِب" صِفراً

أنيسة الهوتية

 

 

لا "تضارب" صفراً أبداً، لأنه ببساطة سيحولك صفراً مثله! كانت هذه نصيحتي الدائمة لكل من اشتكى التنمر والإيذاء النفسي والتسلط اللفظي من مختلف بيئات التعايش البشرية التي يمر بها الفرد من المدرسة، العمل، البيت، الوسط العائلي، وسائل التواصل الاجتماعي، وأيضا ساحات التطوع المختلفة في الميادين الثقافية، الرياضية، العلمية وغيرها الكثير. لأنه وبسهولة تامة حين "نلاسن" أو "نضارب" السفهاء سنكون سفهاء مثلهم، وإن تواجد مستمع محايد لن يفرق بين الحق والباطل في لحظة ارتفاع الأصوات وتلاكم الكلمات بين الطرفين.

وبناء على ذلك المنطق العقلاني، على الإنسان أن يتصرف بحكمة ويعالج الأمر بقلع الآفة من جذورها، وليس بسقيها حتى تكبر وتصبح نبتة ضارة مؤذية تمتد إلى مساحات أكبر في أراضينا وتخرب زرعنا الذي ننتظر حصاده الطيب في المستقبل.

والأصفار أنواع كثيرة، والنوعان الأساسيان هُما: أصفار اليمين والتي بزيادتها تزيد القيمة للرقم وإن كان واحداً! ويبقون تابعين له، لأنّهم لا قيمة لهم بدون ذلك الرقم على شمالهم! ولا يسوى الرقم تلك القيمة الكبيرة بدون هذه الأصفار على يمينه! إذا فهي مصلحة مشتركة! وأصفار الشمال والتي وإن زاد عددها إلا أنّها لا تؤثر في القيمة لا سلباً ولا إيجاباً ويبقى بقاؤهم من عدمهم سيان.

وحتى لا نفقد قيمة أنفسنا علينا ألا ننزل إلى النقاشات والمهاترات التي هي دون مستوانا وإن كان هناك من يحاول أن يستفزنا من خلال مختلف المواضيع المطروحة التي تهمنا استدراجا لنا، علينا أن ندير لها ظهورنا "كورنيش" بمجرد معرفتنا ماهية الطارح للموضوع وإن كان الطرح مهماً. أمّا في حالات "التحرش" اللفظي المباشر علينا، فإننا نستطيع اللجوء إلى الأشخاص الممثلين للقانون في تلك البيئة كي يردوا عليهم قانونيا وستكون تلك هي الضربة الأقوى لذلك الصفر بأن يتم تحويله من اليمين إلى الشمال دون أن نفقد نحن قيمتنا الرقمية المعنوية.

وإن أردنا أن نزيد من قيمة رقمنا الشخصي الذي يُمثل أخلاقنا، ثقافتنا، علمنا، وديننا، علينا أن نسعى إلى الأرقام الأعلى قيمة منا ونتناقش ونتحاور معهم لأنهم ببساطة سيكونون أكثر عقلاً، ثقافة، علما، لباقة، وحكمة. ولن تكون نتيجة المعادلة صفرا معهم أبدا بل ستكون رقما أعلى لكلا الطرفين!

واتباعاً للمنهج الإنساني، فإنّه لا بأس أن نخوض نقاشاً عقلانياً مع رقم أقل قيمة من رقمنا الشخصي، حتى نستطيع أن نرفع قيمته لأننا بذلك نساعد في إصلاح البيئة المجتمعية والثقافية للأجيال القادمة والتي ستبدأ جميعها من الصفر ومن واجبنا أن نبدلها إلى أرقام أعلى قيمة.

ويجب أن نعترف بأنّ الأصفار سوف لن تنتهي، ولكن علينا أن نحاول وضعها في صف اليمين على الأقل لتكون أكثر فائدة!

ولن أنسى هذا الدرس الذي علّمني إيّاه أبي -رحمه الله- حين ذهبت إليه أشتكي أن جدتي طردتني من مدرسة القرآن عقابا حين رددت على زميلتي التي قالت لي بأنّي خادمة، لأنّها رأتني "أخم" المدرسة والحوش. وكان لي من العمر ثماني سنوات حينها، وقال لي: "كلامك هو مقدارك وقيمتك، وجدتك تربيك لتكوني شخصا أفضل" تعجبت وسألته كيف؟ فردّ عليّ: "كما يفوح الطيب من العطور، تفوح أخلاق الإنسان من أسلوب كلامه وردوده خاصة حين الغضب، وزجاجة العطر تلك لن ترضى بأن يفوح منها سوى الطيب".