الحكمة قابوسية.. وستبقى عُمانية

عندما يعايش الشعب العُماني هذه الحكمة في كل الشؤون تنغرس في أنفسنا أبجدياتها وتكون لنا نبراسا نستضيء به

 

محمود بن محمد الذهلي

اتَّفق السياسيون والأدباء والمفكِّرون وغيرهم حول حِكمته، ورزين رأيه، وصواب اختياره، ومن يحمل الحكمة يحمل الخير الوفير، يقول المولى جل وعلا: "يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ" (البقرة:269)، وفي تفسير أبو جعفر للآية قال: يعني بذلك جل ثناؤه: يؤتي الله الإصابة في القول والفعل من يشاء من عباده، ومن يُؤت الإصابة في ذلك منهم فقد أوتي خيرا كثيراً.

فلا عَجَب أن يوافق المغفور له -بإذن الله تعالى- جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- الصواب في قوله وفعله، فهو ترجمان لمن ألبسه الله الحكمة، وهذه الحكمة زرعها في قلوبنا بمواقفه النبيلة في ظل الأحداث المتتالية التي كانت تعصف بالمحيط العربي، بل وتعدى ذلك المحيط، وما لمسه العالم من سديد القول والفعل، والسلام الذي كان نهجاً يدعو إليه ينبع من منبع الحكمة التي يتصف بها، وما كان إجماع ثلاثة وثلاثين جامعة ومركزَ أبحاث ومنظمة أمريكية على منحِه جائزة السلام الدولية إلا دليلًا على منطق الحكمة في التعامل مع الأحداث، والتسارع في لم الشمل، وتوفيق الرأي، وجمع المختلف، وعندما يعايش الشعب العماني هذه الحكمة في كل الشؤون تنغرس في أنفسنا أبجدياتها، وتكون لنا نبراساً نستضيء به، ومَعلماً نقتفي أثره، بل وسلوكاً نتعامل به حتى تصبح هذه الحكمة عمانية لأبناء عمان، وكما أسلفنا بأنَّ الحكمة هي علم وعمل، قول وفعل، وعندما نستعيد شريط المواقف التي مرت، والحكمة التي تم التعامل معها لوقفنا منبهرين من طريقة التعامل، ولا ريب أن الحكمة تشمل الذكاء، فقد قيل بأن الذكاء طريق للمعرفة واستكشاف الشيء.

أمَّا الحكمة، فهي القدرة على الحكم عن الشيء من حيث قبول القيام به أو لا، وهذه الحكمة هي مزيج بين المعرفة والخبرة، والفهم الدقيق، لقضايا الأمور وطرق معالجتها، وتتزين بطبيعة الحال بالتسامح والتوازن في الردود، ولا تكون الحكمة إلا في شخص تفاءل بالحياة، ونظر إلى المستقبل نظرة مشرقة، وهذا ما لمسناه من حكمته، وقراءته للمستقبل، فقد وعد بمستقبل مشرق، فعمل لذلك، وسطع ضوء الفجر وضّاء، ومن صفات الشخص الحكيم أن يتميز بهدوئه في تعامله مع القضايا، واتخاذ القرارات لا تشوبه الانفعالات، والتحيزات، بل له من المهارة التي بها يميز الصورة الدقيقة للقضايا، وتفسير ما يدور حوله، ليختر بذلك الحلول المثلى لكل قضية من القضايا. ومن مظاهر الحكمة التي تترجمت على الواقع العماني أن ترى العمانيين بكل أطيافهم، وأجناسهم، ومعتقداتهم، وآرائهم، يعيشون في إلفة ومحبة وود، يحترم كلٌّ منهم الآخر، ويشاطره أفراحه وأتراحه مهما اختلفت رؤاه، وعندما يصفه أحد الملوك بأنه قائد حيادي، وعقلاني، يقرِّب الناس من بعضهم، ومن كل ما ذكر في ذلك نستخلص بأنه كان يطمح إلى رؤية مستقبلية يسودها السلام العالمي، والأمان إلى العالم أجمع، ومن كان همُّه ذلك فهو بلا شك قائد يحب للآخرين ما يحبه لوطنه، ولو تأملنا معالجته لكثير من القضايا في العالم نجد أنه كان حريصاً على تقريب وجهات النظر، ورأب الصدع، وإرساء قوانين السلام التي يتمتع بها، مُستخدماً منطق الحكمة، وتوطيد العلاقة، وما تنكيس كثير من الدول لأعلامها إلا تقديراً لمواقفه الإنسانية والحضارية، وتعبيراً عن مدى إعجابهم بمنطق شخصيته، وأنه أرسى كل علاقات الود والاحترام مع الجميع.

هنيئاً لنا أبناء عُمان هذا الإرث الذي خلده في نفوسنا، ورفع به هاماتنا، وإن اختياره فيمن يقود الدفة بعده امتداد لنهجه، وسير على خطاه، ورحم الله تلك النفوس الطاهرة، ووفق ولاة أمورنا للخير والسداد.

تعليق عبر الفيس بوك