وحدة في التنوع

 

عبيدلي العبيدلي

"وحدة في التنوع" هو العنوان الذي اختارته دار "ميراكل للنشر" البحرينية عنوانًا لآخر إصداراتها، مصحوبًا بعنوان فرعي يفصح عن مكنونات الكتاب وهو "الأديان في البحرين". وتميزت ميراكل، على امتداد ما يربو على عشرين سنة منذ تأسيسها بمطبوعات ما يطلق عليه "كتاب طاولة القهوة" (Coffee table books)، لعل الأبرز بينها هو كتاب "20/20"، وهو كتاب توثيقي يعتبر من أفضل "كتب طاولة القهوة" العربية، بل ربما العالمية، التي رصدت أحداث 2011، التي عرفتها المنطقة العربية. وحرصت "ميراكل" على حصر محتوى الكتاب في التجربة البحرينية، دون سواها من التجارب العربية الأخرى.

وقبل التوقف عند مضمون كتاب "الأديان في البحرين"، تجدر الإشارة إلى شكله. إذ ينتمي الكتاب شكلاً، كما أشرنا، إلى فئة ما أصبح يعرف باسم "كتب طاولة القهوة"، وهو كما تصفه العديد من المصادر بمثابة "تصنيف لنوع من الكتب يوضع على طاولة القهوة التي تكون في غرفة المعيشة مثلاً أو على أسطح مُماثلة في منطقة. كأماكن الانتظار في العيادات أو الشركات حيث يجلس الضيوف أو الزوار. والهدف الرئيس منها، هنا، هو تخفيف وطأة الملل بتوفير مادة جميلة وسهلة من خلال الكتاب. هذه الكتب تميل إلى أن تكون كبيرة الحجم، وثقيلة الوزن لأنها كبيرة بطبيعة الحال، كما أنها مصنوعة من ورق مصقول، حيث لا توجد حاجة ملحة لحملها، بل وضعها في هذا المكان لتصفح الجالسين. ويقتصر محتواها عمومًا على مواضيع غير روائية أو قصصية وإنشائية. وعادة ما يكون المحتوى بصريًا. حيث تكون صفحاته مكونة أساساً من الصور الفوتوغرافية والرسوم التوضيحية، يرافقه التسميات وأجزاء صغيرة من نص يشرح الصور، وذلك بدلاً من مقاطع نثرية طويلة. وهي بالطبع تستهدف أي شخص، وتحتوي على معلومات عامة وأساسية غير تفصيلية عن موضوع الكتاب. وبسبب هذا، أصبح استخدام مصطلح (كتاب طاولة القهوة) يستخدم للإشارة إلى نهج سطحي لهذا الموضوع وذلك عند نقد كتاب ما أو وصفه بهذه الصفة".

تتوزع مادة كتاب "وحدة في التنوع" على ما يربو على 200 صفحة، قسمت إلى 7 أجزاء، تصدرتها كلمات بعض الأقلام الفارقة، ممن لها علاقة بتاريخ الأديان في البحرين، القديمة منها والحديثة.

انفرد الكتاب بكلمة مميزة، كانت بمثابة خطاب مكثف يوجهه جلالة الملك حمد بن عيسى آل خليفة، إلى القارئ، وعلى وجه التحديد ذلك القارئ البحريني، مفصحا فيها بشكل مكثف عن رؤيته الشخصية لموضوعة التنوع الديني. أبرز ما جاء فيها قول جلالته "ولا يعني التسامح ضرورة انصهار المكونات المختلفة في المجتمع ضمن مكون واحد، بقدر ما يعني احترام خصوصية كل هوية فرعية في إطار من الهوية العامة الجامعة بقواسم مشتركة بين هذه المكونات المتعددة...عملية بناء الثقة لا تتحقق بشكل عشوائي، ولكنها جهود مقصودة، وعملية منظمة تستغرق وقتا طويلا حتى تظهر نتائجها. والثقة أيضاً تبدأ عندما يكون هناك قبول من كافة الأطراف بالأطراف نفسها، واستعدادا نفسيا وماديا للتواصل والتعامل والعيش المشترك. حيث تخرج عن العملية مجموعة من القيم والتاريخ المشترك الذي يساهم في بناء الثقة، ويجعل من هذه العناصر أسساً للتعايش السلمي".

بعدها تطالع القارئ كلمة مكثفة أخرى سطرها رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين د. عيسى أمين ألقى فيها من الأضواء - وإن جاء ذلك على نحو مقتضب- على ذلك البعد الحضاري، المستقى من خلفية دينية لمقولة "التعايش الإيجابي بين الأديان"، منوها إلى "إن القيمة الحقيقية لهذا الوجود هي الإنسان بثقافته، وفنونه، وعقيدته، وإيمانه، والتي تلتقي في تناغم إنساني من أجل الأفضل ومن أجل التعايش والتعاون، (مشددا على) إننا لا نخترع الواقع المنشود، ولا نطالب بتطبيقه، أو تنفيذه من خلال القوانين والمراسم. علينا ألا نختزل التاريخ وأن نعود إلى وقت مضى كانت فيه هذه الجزيرة حاضنة آلهة الخير، والماء، والخلود، وملاذا لمعابد إسكليبوس للشفاء، وأرض تنعم فيها كل العقائد بالأمن والسلام. تلك الشواهد في تلال دلمون، ومعابدها، وقبور تايلوس ومعابدها، وسكن الرهبان في الدير وقلالي وتاريخ أوال ورسالة الإسلام كلها كتبت في إرثنا الحضاري الذي امتد من حضارة ما بين النهرين إلى حضارة السند وكنا نحن في هذه الجزيرة موقع لقاء هذه الحضارات".

المدير التنفيذي لشركة ميراكل غرافيكس خالد أحمد جمعان لخص هدف ميراكل من نشر مثل هذا الكتاب، في كلمة مُكثفة غرس في ثناياها حلمه في أن "يكون هذا الكتاب رسالة إلى صناع القرار في دول الأقليات الدينية للاقتداء بالتجربة البحرينية لتحقيق المواطنة والاندماج الإيجابي".

توقف الكتاب عند محطات دينية احتضنها التاريخ البحريني، بدءًا من الإسلام، معرجاً على طوائفه المختلفة، متوقفا عند اليهودية، مستطردا نحو البهائية، قبل أن يحط رحاله عند المسيحية، بكنائسها المختلفة، قبل أن ينطلق من جديد نحو "الهندوسية"، ومنها يصل إلى "السيخ"، كي يطل من نافذتها على "البوذية".

وتنتهي رحلة الكتاب بكلمة تؤكد أن "هذا الكتاب يحتفي بأهمية التعايش السلمي الذي يعد عنصر أساسيًا وحاسمًا لأمن أي بلد واستدامة مجتمعه".

يشد القارئ بعد انتهائه من قراءة الكتاب، مجموعة من المميزات، التي أضفت على ذلك الكتاب أهمية خاصة ميزته عن سائر الكتب الأخرى التي تناولت القضية التي عالجها.

الأولى منها، ذلك المزج المميز بين الرصانة العلمية التي تتطلبها عمليات التوثيق، والسهولة الممتنعة التي تجذب القارئ العادي. هذا المزج المبدع، حول الكتاب إلى مادة مشوقة، وحاضنة مؤرخة في آن.

الثانية منها، هو ذلك الخيط المموه (بفتح الواو) الذي لا يلمسه القارئ لكنه يحس بتأثيراته، حين نجح في إظهار العنصر المشترك الذي يجمع بين الأديان كافة، ويشكل في محصلته سببا قويا كافيا يحث على تلك "الوحدة المنغرسة عميقا في التنوع في الأديان"، ما لم تشوهها يد الإنسان، وأنانيته.

أما الثالثة فهي توقيت الصدور، الذي جاء في مرحلة، باتت قضية التنوع، والقبول بالآخر قضية مصيرية يحتاج أن يتشبع بها المواطن العربي الذي شكل غيابها عن وعيه، وسلوكه سبباً رئيساً فيما تواجهه البلاد العربية اليوم من تحديات.