النهضة المباركة.. الانطلاقة الثانية

حاتم الطائي

السلطان قابوس أسس دولة مكتملة الأركان والبنيان وأرسى قواعدها الراسخة

جلالة السلطان هيثم بن طارق رسخ لمعاني الوفاء والإخلاص لباني النهضة المباركة

"رؤية 2040" تمثل الانطلاقة الثانية للنهضة المباركة لضمان استدامتها

 

يحق لكل مُواطن ومُواطنة أن يفخر بما تحقق من مُنجزات وطنية على أرض وطننا الغالي، منذ أن أشعل المغفور له بإذن الله تعالى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- طيب الله ثراه- جذوة النَّهضة المُباركة، فانتشر ضياؤها في أصقاع الوطن العزيز، فما من ولاية ولا قرية ولا نيابة إلا وبصمة النهضة مختومة على شوارعها وجدران مدارسها ومشافيها ومراكزها الصحية، وحدائقها الغنَّاء، ومحطات الطاقة التي لا تنطفئ، وغيرها مما لا يُعد ولا يُحصى من شواهد مادية تبرهن للجميع أنَّ قائدًا حكيمًا نجح في أن ينقل وطنه من غيابات الجهل إلى نور التَّقدم والتطور.

والمُنجزات المادية ليست وحدها دليل التقدم الذي أحرزته بلادنا على مدى 50 عامًا من النهضة المُباركة، بل أيضًا بناء دولة المُؤسسات والقانون، التي بفضلها ارتقت عُمان إلى مصاف الدول المُتقدمة، وحازت إشادات العالم أجمع، بما تملكه من أنظمة قضائية ورقابية ومُحاسبية ومُعلوماتية، تعمل وفق أعلى معايير الأداء والجودة. وفوق كل ذلك نظام أساسي مُحكم، يُسير كافة شؤون الدولة بما فيها آلية انتقال السلطة من سلطان لآخر.

إنِّنا هنا أمام دولة مُكتملة الأركان والبنيان، أسسها السُّلطان الراحل- رحمه الله- ونجح في إرساء قواعدها المتينة الراسخة في جذور الأرض، لتظل شامخة أبد الدهر، ولينعم العُمانيون لأعوام عديدة وأزمنة مديدة بالرخاء والاستقرار والازدهار. ولذا كانت أولى كلمات حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- عقب توليه مقاليد الحكم وأداء قسم اليمين أمام مجلسي عُمان والدفاع، أن شدَّد على عدم قدرة الكلمات مهما تعددت والعبارات مهما تنوعت، أن توفي جلالة السلطان الراحل حقه فيما أنجز وبنى، وكان النطق السامي التاريخي الأوَّل لجلالة السلطان المُعظم- أيده الله- واضحاً للغاية في هذا الجانب، إذ قال جلالته: "... فلقد بنى دولة عصرية شهد لها القاصي قبل الداني وشيد نهضة راسخة تجلَّت معالمها في منظومة القوانين والتشريعات التي ستحفظ البلاد وتُنظم مسيرتها نحو مُستقبل زاهر أراده لها وأقام بنية أساسية غدت محطَّ أنظار العالم...".

هذا هو عين الوفاء وجوهر العرفان من سلطان حكيم حاز ثقة السلطان الراحل بعدما توسم فيه الخير والقُدرة على مواصلة المسيرة الظافرة، بكل إخلاص وتجرُّد، فكان الانتقال السلس للحكم هو الأسرع والأكثر سلاسة. وهذا دليل آخر على ما تحقق من مُنجزات النهضة، فآلية انتقال الحكم التي حددها النظام الأساسي للدولة منجز نهضوي خطته الحكمة السامية لجلالة السلطان الراحل- طيب الله ثراه- هدفت بشكل أساسي إلى ضمان أن تسير الأمور في البلاد حال شغور منصب السلطان، بسلاسة ويُسر، دون أية تأويلات أو مُعوقات من هنا أو هناك. فما أعظم الوطن الذي يرزقه الله حاكماً حكيمًا ذا رؤية ثاقبة استطاعت أن تستشرف المُستقبل وترسم السيناريوهات التي تكفل حماية وصون مُنجزات النهضة.

وعند الحديث عن صون المُنجزات، نستطيع القول إنَّ الحفاظ عليها يمثل التحدي الأول أمام كل مواطن ومواطنة، والحفاظ الذي نتحدث عنه لا يعني الحماية المادية وحسب، بل أيضًا يشمل الاجتهاد والجد في العمل، وتفاني كل مُوظف وعامل في وظيفته ومهنته، فصون المنجز الوطني يتطلب تضافر جميع جهود أبناء الوطن، من أجل استكمال المسيرة ومواصلة الدرب على خطى جلالة السلطان قابوس طيب الله ثراه، وخلف القيادة الحكيمة لجلالة السلطان هيثم بن طارق المُعظم- أيده الله-. وتضافر الجهود يستلزم منِّا جميعًا أن نُبادر من أجل هذا الوطن العزيز، وأن نعمل على خدمته كل في مجال عمله.

وأول ما ينبغي القيام به في هذا السياق، الوقوف صفًا واحدًا خلف جلالة السُّلطان المفدى، ودعم تنفيذ السياسات في مختلف المجالات، والوثوق في القرارات الحكومية التي تستهدف مصلحة المواطن أولاً، حتى وإن بدت للبعض ذات تداعيات سلبية عليه، لكنها في نهاية المطاف ترمي لخدمة الصالح العام.

ونُشير في هذا السياق إلى مُستقبل الوطن، هذا المستقبل الذي ترسمه الرؤية المُستقبلية "عمان 2040"، وهي الرؤية التي ستحقق- بإذن الله تعالى- الانطلاقة الثانية من النهضة المُباركة، فكما كانت الانطلاقة الأولى في عام 1970، تأتي الانطلاقة الثانية في عام 2020، أي بعد 50 عامًا من بزوغ فجر النهضة الأول، ويأتي فجر النهضة الثاني مع تولي جلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظم- أبقاه الله- مقاليد الحكم. ولا شك أنَّ الخبرات السابقة لجلالة السلطان خلال ترؤس جلالته للجنة الرئيسية لرؤية عُمان 2040، تطلق موجات تفاؤل لا حصر لها في نفوسنا، فالقيادة الحكيمة وبإشرافها المُباشر على مراحل إعداد الرؤية، قادرة على إنجازها بالصورة التي أراد لها جلالة السلطان الراحل، ويسير على نهجه جلالة السلطان المُعظم- أبقاه الله-. ونقطة الارتكاز الرئيسية لهذه الرؤية هي تكاتف الجهود وتضافرها، والتي يجب أن تتحول إلى شعار مجتمعي، يشحذ الهمم ويجمع السواعد الوطنية المخلصة للمساهمة في عملية البناء والتحديث.

إنَّ تهيئة الوطن والإنسان للمرحلة الجديدة التي ستشهد تنفيذ "رؤية 2040" أمر واجب على مختلف مؤسسات الدولة والمجتمع المدني ووسائل الإعلام، وقد قطعنا شوطًا كبيرا للغاية في هذا الجانب، خلال مراحل إعداد الرؤية، والتي شهدت إشراك شتى قطاعات المجتمع وفئاته في صياغة وتحديد أولويات هذه الرؤية المُستقبلية، لتكون لنا ليس فقط خارطة طريق نستشرف بها المستقبل الزاهر إن شاء الله، لكن أيضًا لتكون منهاج عمل نمضي وفق أسسه وقواعده، لا نحيد عنه قيد أنملة.

وكل من اطلع وقرأ مرتكزات وآلية تنفيذ تلك الرؤية المستقبلية، يُدرك تمام الإدراك أنَّ وطننا الحبيب مُقبل على عمليتي تحديث وتطوير شاملتين، تعتمدان التنويع الاقتصادي في المقام الأول، وزيادة مُساهمة المواطن في التنمية الشاملة، وتمكين القطاع الخاص من القيام بدور أكثر فعالية في هذه التنمية، والبنية التشريعية والقانونية باتت مهيئة تماماً لهذه التطلعات، فقانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص وقانون الشركات التجارية وقانون الاستثمار الأجنبي، وغيرها من القوانين المتطورة، تدعم هذا التحول في السياسات الاقتصادية للدولة العُمانية الحديثة. ومما يُعزز من مسارات هذه التنمية، أنها تعتمد على مبدأ الاستدامة، الذي يكفل استمراريتها ودوامها إلى الأجيال القادمة خلال العقدين المُقبلين وما يليهما.

وبالتوازي مع هذا التوجه الجديد، تأتي أهمية الوعي المجتمعي، ودور المواطن (الإنسان) في تنفيذ بنود هذه الرؤية، من أجل أن يستكمل دوره الذي بدأه خلال مراحل إعداد الرؤية، عندما شاركت فئات المُجتمع قاطبة في صياغة وبلورة الأفكار- كما ذكرنا آنفا. ومن هذا الوعي يتحقق تضافر الجهود، وتتولد الطاقات لتمضي الانطلاقة الثانية من مسيرة النهضة نحو مرافئ التقدم والازدهار، التي نريدها جميعًا.

وختامًا.. إنَّ منجزات الأوطان شواهد للتاريخ، وأدلة حضارية على ما رسمته عقول الأفذاذ، وشيدته سواعد الرجال، لتظل خالدة أبد الدهر، يستفيد منها أبناؤنا والأجيال القادمة.