المستثمرون يلجأون إلى "الملاذات الآمنة".. وشركات الأدوية تربح

"كورونا" يصيب الاقتصاد العالمي بالحمى.. وأسعار السلع والبورصات تلتقط العدوى

...
...
...

 

الرؤية- نجلاء عبدالعال

"إذا عطست أمريكا أصيب اقتصاد العالم بالزكام"، قاعدة اقتصادية بدأت في التلاشي، لأسباب عدة، إذ يبدو أنَّ هذه القاعدة ستحل قاعدة أخرى محلها: "إذا ضرب الصين فيروس، أصيب اقتصاد العالم بالحمى"!

فمع اختلاف موازين القوى الاقتصادية وصعود نجم التنين الأحمر، ونمو حركة التجارة الواردة من الصين، أصبحت بكين لاعبا مؤثرا في الاقتصاد العالمي، وهو ما تجلى بصورة واضحة مع انتشار فيروس كورونا الجديد في مقاطعات صينية، وانتقاله إلى دول أخرى، وكردة فعل، تتواصل حالة الترقب من تداعيات تفشي الفيروس على الاقتصاد العالمي، ولاسيما مبيعات النفط، حيث تعد الصين أحد أكبر مستوردي النفط في العالم، والمستورد الأول للنفط الخليجي. وتتضمن المخاوف كذلك إمكانية تأثير الاحترازات التي تفرضها الصين على مواطنيها على معدلات الإنتاج في شتى القطاعات، ومن ثمَّ الصادرات، فالصين أكبر مُصدِّر للكثير من السلع الاستهلاكية في العالم، وهو ما قد يضطر الكثير من الدول المستوردة إلى الشراء من دول أخرى ربما بسعر أعلى.

وفي جانب تأثيرات الفيروس على أسعار النفط، سجلت أسعار النفط بالفعل أدنى مستوياتها في سبعة أسابيع، أمس الأول الجمعة؛ إذ نزلت بأكثر من 1% بفعل مخاوف من احتمال أن يؤدي انتشار لفيروس كورونا الجديد إلى تراجع الطلب على الوقود خاصة مع وقف الصين لعمل المواصلات العامة في بعض مقاطعاتها، كما أنَّه يعبر عن التخوف من أن يُؤدي استمرار الفيروس وانتشاره إلى تراجع النمو الاقتصادي للصين كما حدث عند تفشي فيروس سارس من قبل، وقال تقرير لـ"جيه.بي مورجان" لأبحاث السلع الأولية: "نتوقع صدمة سعرية تصل إلى خمسة دولارات أقل لبرميل النفط إذا تطورت الأزمة إلى وباء مثل سارس بناء على تحركات أسعار النفط التاريخية".

تأثيرات انتشار أو توسع العدوى بفيروس كورونا الجديد ترسم العديد من السيناريوهات، لكن المؤكد أن هناك بالفعل الكثير من القطاعات بدأت في التأثر بجانب النفط. فقد تأثرت شركات الطيران وقطاع السياحة، والذي يعتمد في أكثر من 15% من أعماله على الصينيين، إذ يمثل السياح الصينيون العدد الأكبر من السياح على مستوى العالم، بأكثر من 150 مليون سائح سنويا، بخلاف المسافرين داخل الدولة نفسها، وهو عدد يضاعف هذا الرقم على الأقل 10 مرات. وبرغم اعتماد بعض الدول على السياحة الصينية إلا أن مجرد وضع السياح الصينين في بؤرة الشك والترقب من حملهم للفيروس، قد يدفعهم لتفضيل البقاء داخل الصين بدلاً من الخضوع لإجراءات وقائية مشددة في المطارات، إينما ذهبوا في العالم.

وعلى الجانب الآخر فإن الصين كبلد جذب سياحي، سيتأثر بشدة في تكرار لما حدث إبان انتشار وباء "سارس" في 2003، وكان سبباً في أن تسجل الصين انخفاضًا بنسبة 25% في عائداتها من السياحة.

وأطلق مجلس السياحة والسفر العالمي تحذيرا قبل يومين، قال فيه إن انتشار فيروس كورونا الجديد في الصين يمكن أن يترك "تأثيرًا اقتصاديًا طويل الأمد" على السياحة العالمية في حال تم السماح بانتشار الذعر. وبحسب ما ذكرت التقارير الدولية فإنَّ السلطات الصينية وجهت وكالات السفر بتعليق الجولات المحلية والدولية في إطار جهود لاحتواء تفشي الفيروس، وبالتالي فإنَّ أكبر سوق سياحي في العالم مهدد سواء بالسفر منه أو إليه.

القطاع الثاني الذي قد يتأثر سريعاً، هو قطاع التجارة والنقل والشحن خاصة البحري، وذلك نظرا لاعتماد كثير من الدول على الاستيراد من الصين ولكن مع التخوف من انتقال الفيروس قد يقل الطلب على هذه المنتجات الصينية، وبالفعل فإنَّ بعض شركات التجارة الإلكترونية بدأت في الإعلان عن قواعد جديدة للشراء من الصين، وبدأت شركات منها شركات خليجية في التأثر من تأجيل أو إلغاء بعض الطلبيات خاصة ذات الاستعمالات الشخصية والمكياج ولعب الأطفال، ولم يعلن متجر "على بابا" -أكبر استثمارات التجارة الإلكترونية عالميا- بعد أن تأثر لكن المرجح أن يكون الأكثر تأثرا خاصة في ظل اعتماده الكبير على السوق الصينية كبائع إلى العالم.

وعلى مستوى الاستثمارات، تلاحظ التأثير في اليوم الثالث من الإعلان عن انتشار الفيروس باعتباره نوعا متطورا لا يستجيب للأمصال أو العلاجات المتاحة حاليًا، وبدأ في الأسواق المالية، وخاصة بما يمثله ذلك من إمكانية دفع الاقتصاد العالمي إلى ركود بوتيرة أسرع. وتشير تقارير المحللين إلى أن هذا الفيروس ربما يكون "الدبوس الذي سيفجر الفقاعة العالمية المتضخمة جدا، أو يزيد جحم كارثة الديون العالمية البالغة 253 تريليون دولار". وتعطل الإنتاج في الصين أو حتى تراجعه من المحتمل أن يسبب ضررا كبيرا على الأسعار في العالم كله، خاصة إذا ما انتشر الفيروس في مقاطعات أخرى.

لكن على الجانب الآخر، فرب ضارة نافعة، فقد حظيت الملاذات الآمنة في البورصات العالمية بإقبال كبير من المسثمرين، وشهد الذهب قفزة في سعره لأعلى مستوى في أكثر من أسبوعين، بينما هبط النفط إلى أقل مستوى. وقال أحد المحللين إن "السوق بأسرها انتقلت إلى وضع اللامخاطرة".

وعادت الشركات المنتجة للمستلزمات الطبية إلى انتعاش غير مسبوق منذ انتشار فيروس كورونا في نسخته السابقة ومن قبله سارس، فقد تضاعف الإقبال على كمامات التنفس وأجهزة ومواد التعقيم وغيرها من مستلزمات يحاول الأفراد والشركات بل والدول وقاية أنفسهم بها قبل وصول الفيروس.

تعليق عبر الفيس بوك