هل نحن مستعدون لضريبة القيمة المضافة؟

فايزة الكلبانية

 

كما هي العادة.. جدلٌ واسعٌ، ونقاشاتٌ عِدَّة حينما يأتي أي ذكر حول قرب موعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة، والتي تمَّ تأجيل تطبيقها في السلطنة، بين مُؤيد ومُعارض في المجتمع العماني، مُعربين عن تخوفاتهم، في ظل التزام دول مجلس التعاون الخليجي بتطبيقها نتيجةً لتأثُّر إيراداتها بعد هبوط أسعار النفط.

وقد تابعنا، خلال اليومين الماضيين، تصريحَ مَعَالي الدكتور علي بن مسعود السنيدي وزير التجارة والصناعة، والذي جاء في مقابلة مع وكالة بلومبيرج -على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي "دافوس 2020"- وذلك ردًّا على سؤال حول خطط عُمان لتطبيق ضريبة القيمة المضافة لدعم الاقتصاد؛ فقال معاليه: إن الحكومة تأمل أن يتم التطبيق بحلول العام المقبل (2021)، رغم أنَّ هذه الضريبة "لا نُحبها ولا يُحبها الناس.. لكننا مضطرون إليها".

ولكن اليوم، يجب أن يَعِي الجميع -بالرغم من كل التحديات- أنَّ الحكومة عملتْ جاهدةً خلال الأعوام القليلة الأخيرة الماضية على تأجيل تطبيق الضريبة؛ من خلال إيجاد البدائل الأخرى للتنويع الاقتصادي، وضبط الإنفاق الحكومي، والسيطرة على الوضع الاقتصادي المتراجِع، ولكن هذا الصُّمود لن يدوم طويلا في ظل مُطالبات صندوق النقد الدولي لحكومة السلطنة بفرض ضريبة القيمة المضافة، والبدائل للتنويع الاقتصادي؛ حيث يَرون أنَّ تطبيق ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5% سيُشكِّل إضافة كبيرة للإيرادات الحكومية غير النفطية، ولكن "وقد لا يتحقق هذا الهدف لسبب أو لآخر".

فقد بدأتْ دول الخليج العربي تطبيق ضريبة "القيمة المضافة" منذ العام 2018، وفرضوا 5% على غالبية البضائع والخدمات؛ بهدف زيادة العائدات ومُواجهة انخفاض أسعار النفط. واعتبر الخبراء في تصريحاتهم أنَّ الالتزامات الضريبية في الخليج مسألة جديدة على سياستها المالية، وتغيُّرٌ في أدائها الاقتصادي.

ومن هذا المنطلق، ما زلنا نتساءل حتى اليوم: "هل نحن مستعدون في السلطنة فعلا لتطبيق ضريبة القيمة المضافة بهذه النسبة (5%)؟".. فحسب ما أوضحته تجارب دول مجلس التعاون الخليجي التي بدأت بتطبيق الضريبة في العامين الماضيين، ترتبتْ عليها أعباء على المواطن وضغط مادي واقتصادي، انعكس سلبا على الاقتصاد والحياة المعيشية للمواطن. ومن خلال هذه المؤشرات والملامح، نقترح -بما أنه لا مفر إلا وأن يتم تطبيق الضريبة- أن يكون تطبيقها على مراحل، ولنبدأ مطلع العام المقبل بنسبة 1%، والسنة التي تليها 2%... وهكذا، حتى نصل إلى الهدف بشكل تدريجي، ومنها: نخفف العبء والضغط على الحكومة، ونهيِّئ المواطن لتقبُّل هذا التغيير، المجبرون على معايشته وتقبله، ولكن على دفعات ومراحل؛ وذلك لكون الوضع الاقتصادي ومعدلات دخل الفرد بالمجتمع المتواضعة؛ فكيف سيعمل على مواجهة الارتفاع في الأسعار الذي سيترتب نتيجة تطبيق هذه الضريبة. وفوق ذلك، لابد أنْ يدفع الضريبة المفروضة على السلع والخدمات التي تشملها. وهذا ستترتب عليه أعباء تتراكم إلى جانب غيرها من التحديات الأخرى والحلول التي فرضت مؤخرا على المواطن ذاته لتفادي آثار أزمة تراجع أسعار النفط، على حساب تضييق المعيشة على المستهلك.

هناك ما يقارب الـ160 دولة حول العالم تعمل على تطبيق ضريبة القيمة المضافة، يُضاف إليها خلال العامين الماضيين تطبيق دول الخليج للضريبة في العام 2018؛ حيث تفرض ضريبة القيمة المضافة على أغلب السلع والخدمات عند إجراء عمليات البيع والشراء، وتفرض على القيمة المضافة للعمليات التجارية، أي الفرق بين ثمن السلعة النهائي وبين تكلفة إنتاجها التي تتمثل بمواد التصنيع والخدمات الداخلية. وكما أوضح عددٌ من الخبراء الاقتصاديين في استطلاعات عِدَّة، قد يكون هناك تباين بين مختلف الدول المطبِّقة لهذا النوع من الضريبة؛ سواء في الاستثناءات لبعض السلع والخدمات، أو في نسبة الضريبة، إلا أنه يظل تطبيق هذه الضريبة من الأمور غير المقبولة، وغير المرحب بها لدى المجتمع الخليجي عامة والمحلي بالسلطنة خاصة، وكما يظل عبئا علينا أو بالأصح "شر لابد منه"؛ فالبعض من دول الخليج يفرض ضرائب في القطاع السياحي أو قطاع الفندقة وقد اعتادوا على ذلك، ولكن في السلطنة، وفي ظل عدم استقرار الوضع الاقتصادي، وارتفاع إحصاءات الباحثين عن عمل، وهذا الضغط الاقتصادي، سيكون من الصعب تقبل تطبيق القيمة المضافة في حال لم يتم تهيئة المجتمع العماني، وتثقيفه، وتوعيته بضرورة تطبيق هذه الضريبة وما سيترتب عليها، أو إعادة النظر في تنفيذها بشكل تدريجي ليسهل التعود عليها وتقبلها من المجتمع ومواجهة تبعاتها، وصياغة لوائح تفصيلية لذلك.

ومن هذا المنطلق، وبما أنه تمَّ إقرار هذه الضريبة، فنتمنى أن تتم دراسة مدى قابلية المؤسسات، لاسيما القطاع الخاص، لتطبيق هذه الضريبة، ومدى مقدرة المواطن -أي المستهلك- على التأقلم مع تبعات فرض هذه الضرائب ومعايشة عبء آخر يقع على كاهلنا كمواطنين. لذا؛ فمن المفترض أن تشهد الأيام المقبلة إيضاحات وتوعية بماهية السلع والمنتجات التي تشملها الضرائب وتعريف الناس بما يترتب عليهم في القريب العاجل، وتجري التحضيرات من قبل كافة الأطراف، ويجب على المؤسسات الحكومية أن تكون مستعدة، كما يجب على المؤسسات الخاصة الاستعداد لها أيضا، والآمال معقودة على أن تتم دراسة تأجيل تطبيق هذه الضريبة في فترة مستقبلية لاحقة، تكون فيها المؤسسات أكثر انتعاشا وتطورا في أوضاعها.

 

faiza@alroya.info