المدرسة السعيدية في جوادر

 

د. هدى بنت عبدالرحمن الزدجالية

تعد المدارس السعيدية التي تأسست في عهد السلطان سعيد بن تيمور في كل من صلالة مسقط ومطرح مؤسسات تربوية تعليمية ثقافية خرَّجت أجيالاً متعاقبة أسهمت في بناء عُمان.

فقد تأسست المدرسة السعيدية بصلالة في عام 1936م، تلتها المدرسة السعيدية في مسقط عام 1940م فكانت بمثابة أولى المدرس النظامية في عُمان، إضافة إلى المدرسة السعيدية بمطرح لاحقاً في عام 1959م.

وقد كان السلطان سعيد بن تيمور حريصا على استكمال مسيرة التعليم في المناطق التابعة لعمان آنذاك؛ ولذا تأسست المدرسة السعيدية في جوادر في عام 1941م.

جوادر الواقعة اليوم في أقصى الجنوب الغربي لباكستان حيث تأخذ موقعاً استراتيجياً مميزاً على بحر عمان كانت جزءا حيويا من الإمبراطورية العمانية المترامية الأطراف منذ عام 1792م في عهد السيد سلطان بن أحمد البوسعيدي إلى عهد السلطان سعيد بن تيمور حين تنازلت عنها عمان لدولة باكستان عام 1958م.

وكانت بداية التعليم في جوادر كغيرها من المناطق الإسلامية تتمثل في نظام الكتاتيب الذي يتم فيه تعليم القرآن الكريم والقراءة والكتابة. أما التعليم النظامي فبدأ مع تأسيس المدرسة السعيدية في عهد السلطان سعيد بن تيمور، أسوة بالمدارس السعيدية في عمان.

أما عن موقع المدرسة السعيدية في جوادر عام 1941م عند تأسيسها في حي الشيخ عمر حتى عام 1952م حيث تحول المبنى إلى عيادة، وانتقلت المدرسة السعيدية إلى المبنى الجديد في حي الباغياني واكتمل المبنى الجديد في عام 1956م وظلت حتى عام 1958م في نفس المكان.

 وتعد المدرسة السعيدية في جوادر من أهم المعالم المعمارية التربوية التعليمية الثقافية في المنطقة فقد خرّجت عبر الزمن أجيالا من المعلمين والمثقفين والأدباء والقياديين في إقليم بلوشستان.

وقد أشارت العديد من التقارير الإدارية التي تعود لفترة السلطان سعيد بن تيمور أنه في عام 1946م طلبت حكومة مسقط من حكومة السند مساعدتها لإيجاد مرشحين مناسبين لعدد من الوظائف الشاغرة ليتم تعيينهم في جوادر منها معلم لغة إنجليزية براتب قدره 180روبية (تضاف له 30 روبية كبدل سكن)، ومعلم أوردو براتب قدره 150روبيه (تضاف له 30 روبية كبدل سكن). وقد اشترطت على المتقدم للتعيين عدة شروط أهمها بأن يكونوا من المسلمين.

كما زار السير روبرت هي R.Hay المقيم السياسي البريطاني في الخليج في الخامس من أبريل 1948م جوادر وذكر وجود مدرستين قام بزيارتهما هناك، وكانتا تداران من قبل حكومة السلطنة، تضم إحداهما 155 تلميذاً، واللغة الأساسية فيها هي الأوردو، وكانت توافق المعايير الباكستانية. أما أبناء العمانيين العرب أمثال أبناء الوالي فقد كانوا يدرسون فيها وهنا يشير إلى المدرسة السعيدية.

والمدرسة الأخرى تدعى مدرسة آغاخانية Agha khani، وهي تخص جالية الآغا خان الكبيرة في جوادر أقيمت بتبرعات من أموالهم الخاصة، وتتميز بكونها مختلطة تضم 43 ولداً، و47 بنتاً. وكان رئيس جاليتهم يعد مدير المدرسة ووكيل بريطانياً في جوادر.

 وكانت المدرستان تزاران من قبل مفتشين من وزارة المعارف الباكستانية بين الحين والآخر. كما كان بإمكان الأولاد إكمال تعليمهم العالي في كراتشي بعد إنهاء الصف الثامن أو العاشر.

ثم أقيمت لاحقاً في عام 1949م مدرسة ابتدائية أخرى في جوادر بنيت من الطين؛ مما يدل على أن المدرستين السابقتين لم تكونا قادرتين على تلبية الاحتياجات المحلية. ويعطي ذلك فكرة عن زيادة الإقبال على التعليم في جوادر والمناطق المحيطة بها.

وقد وضع التعليم في جوادر تحت إشراف مارتن وين مدير بلدية جوادر خلال السنوات الأخيرة من السيادة العمانية في جوادر؛ فأظهر اهتمامه بالتعليم واستطاع ضم عدد من البنات للمدرسة السعيدية التي اقتصرت في البداية على الأولاد فقط، بعكس المدرسة الآغاخانية المختلطة منذ نشأتها وظل الأمر حتى نهاية السيادة العمانية على جوادر 1958م، وان المستر وين مدير المدرسة ومعلم الإنجليزي والاوردو كذلك.

كما سعى السلطان سعيد بن تيمور لتطوير التعليم في جوادر من خلال تعيين الكفاءات المتخصصة من الناحية التعليمية خاصة المعلمين في تخصصات اللغة الإنجليزية والأوردية واللغة العربية، مقابل رواتب مجزية. وكان من أهم معلمي المدرسة السعيدية في جوادر كل من:

*الأستاذ عبدالله بن عمر الكندي: وهو من نزوى استقدمه السلطان سعيد بن تيمور عام 1941م وعمل بالمدرسة السعيدية مدة خمس سنوات في تدريس العلوم الدينية.

*الاستاذ محمد أكبر البلوشي معلم مادة اللغة الإنجليزية والأوردو والحساب ولد عام ١٩٢٠م في ولاية جوادر وتعلم بها ثم أكمل تعليمه في كراتشي ثم لاهور ليصبح من معلمي المدرسة السعيدية في جوادر. كما التحق بالجيش السلطاني العماني في عهد السلطان سعيد بن تيمور وبعدها ١٩٧٢م في سلاح الجوي العماني وأكمل مسيرته إلى أن تقاعد من عمله. عرف بشغفه بالقراءة ومن اهتماماته لعب كرة القدم والكريكت حيث كان قائد الفريق في المدرسة السعيدية في جوادر، وحصل عام 1985م على وسام الطغراء السلطانية من قبل جلالة السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- نظير خدماته العلمية الطويلة في مجال التعليم.

*الاستاذ إمام بخش حاجي لشكري البلوشي من طلاب المدرسة السعيدية في جوادر ثم أكمل تعليمه في كراتشي ليعود عام 1958م معلما فيها وظل بها قرابة 20 سنة في تدريس اللغة الإنجليزية والأوردو ثم عمل كإداري بها.

*  نظام شاه معلم الأوردو.

* محمد يوسف البلوشي عمل كمدير وكان معلما للغة الإنجليزية.

*  محمد قاسم معلم الأوردو.

*  محمد الصغير من الهند معلم الأوردو.

السيد محمد نبي من الهند معلم اللغة العربية.

* الاستاذ عبدالمجيد الجوادري معلم مادة اللغة الإنجليزية والأوردو الأستاذ والشاعر والأديب عبدالمجيد الجوادري. ولد في عام 1937م في جوادر وكان أجداده قد انتقلوا في الأصل من باهو دشتيري في بلوشستان إلى جوادر في أواخر القرن التاسع عشر. تعلّم في المدرسة السّعيديّة بجوادر ثم أصبح مدرّسا فيها، وبعد أن ضُمَّت جوادر إلى باكستان قدم إلى عمان 1968م ليصبح مدرّسا في الجيش العماني كمدرس للغة الإنجليزية والبلوشية، وله عدد من الدواوين الشّعريّة التي صدرت في مكران في الفترة من عام 2001 إلى 2010م.

 * الأستاذ محمد عيسى معلم الأوردو.

*  الأستاذ إسماعيل شاه معلم الأوردو.

 * الأستاذ مولوي محمد موسى معلم اللغة العربية.

ويعتبر كتاب مفتاح العربية المطبوع في بومباي بالهند أهم كتب اللغة العربية التي يتم تدريسها في المدرسة السعيدية.

أمّا عن مصير المدرسة السعيدية بعد عام 1958م فقد تغير اسمها إلى المدرسة النموذجية الثانوية الحكومية في جوادر (Government Model High school Gwadar) وظلت تقوم بدورها التعليمي التربوي في منطقة بلوشستان عامة وجوادر خاصة إلى يومنا هذا، وتسطر في تاريخ عمان قصة مدرسة كانت ولا تزال نواة التعليم الأولى في جوادر وبلوشستان لتحكي قصة ذلك الدور الريادي الحضاري العلمي والثقافي الذي وصلت أصداءه عمان.

 

تعليق عبر الفيس بوك