نمط النمو يعتمد على احتفاظ الأسواق الصاعدة القوية نسبيا بمستوى أدائها

صندوق النقد الدولي: 2020 "عنق الزجاجة" للاقتصاد العالمي.. والتحسّن "متواضع"

 

 

  • ضمان الصلابة المالية وبناء هوامش أمان كافية من السيولة على رأس أولويات الاقتصادات النامية
  • العسر الاقتصادي يفرض على الأسواق الصاعدة تعديل سياساتها لإعادة بناء الثقة
  • الحفاظ على شبكات الأمان الاجتماعي لحماية محدودي الدخل أمر ضروري في الحدود التي تسمح بها القيود القائمة

 

الرؤية - نجلاء عبدالعال

رسم أحدث تقارير لصندوق النقد الدولي حول آفاق النمو العالمي صورة متكاملة للضغوط التي يمر بها الاقتصاد العالمي، ورصد تراجعا في بعض تقديراته لنسب النمو، لكنّه أشار في الوقت نفسه إلى أنّ العام 2020 ربما يمثل عنق الزجاجة التي سيمضي بعدها الاقتصاد العالمي إلى مزيد من التحسن المضطرد، رغم التوقعات بأن يكون التحسن أبطأ من المتوقع خلال العام الجاري أو كما عنون تقريره: "مستجدات آفاق الاقتصاد العالمي: استقرار مبدئي، وتعافٍ بطيء".

وأشار التقرير إلى أنه من المتوقع أن يرتفع معدل النمو العالمي، المقدر بنحو 2.9% في 2019، إلى 3.3% في 2020 ثم يرتفع بدرجة طفيفة إلى 3.4% في 2021. ومقارنة بتنبؤات عدد أكتوبر 2019 من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، يعادل النمو المقدر لعام 2019 والمتوقع لعام 2020 انخفاضا بنسبة 0.1 نقطة مئوية لكل عام، و0.2 نقطة مئوية لعام 2021. ويمثل انخفاض تنبؤات النمو للهند الجانب الأكبر من التخفيضات التي طالت توقعات النمو.

ويعكس مسار النمو العالمي حدوث انخفاض حاد متبوع بعودة مجموعة من اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية ضعيفة الأداء والواقعة تحت ضغوط - بما فيها البرازيل والهند والمكسيك وروسيا وتركيا إلى مستويات نمو تقترب من المعايير التاريخية.

ويعتمد نمط النمو على احتفاظ اقتصادات الأسواق الصاعدة القوية نسبيا بمستوى أدائها القوي في الوقت الذي تواصل فيه الاقتصادات المتقدمة والصين تباطؤها التدريجي في اتجاه معدلات نموها المحتمل. ومن المتوقع أن يستمر تأثر الاقتصاد العالمي في 2020 بالتيسير النقدي الكبير الذي أجرته الاقتصادات المتقدمة واقتصادات الأسواق الصاعدة في 2019. ولولا هذا التنشيط النقدي لكان تقدير النمو العالمي لعام 2019 ومعدله المتوقع لعام 2020 قد بلغ مستوى أقل بنسبة 0.5 نقطة مئوية في كل من العامين. ومن المتوقع أن يصاحب التعافي العالمي انتعاش في نمو التجارة -وإن كان أقل من تنبؤات أكتوبر- مما يعكس تعافي الطلب المحلي والاستثمار على وجه الخصوص، وكذلك انحسار بعض المعوقات المؤقتة في قطاعي السيّارات والتكنولوجيا. 

وأكد التقرير أن هذه النتائج تعتمد بدرجة كبيرة على تجنب مزيد من التصعيد في التوترات التجارية الأمريكية - الصينية - كما تعتمد بشكل أعم على الحيلولة دون تفاقم العلاقات الاقتصادية الأمريكية -الصينية، بما في ذلك ما يتعلق بسلاسل عرض التكنولوجيا، وتجنب خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي دون اتفاق، واستمرار احتواء التداعيات الاقتصادية للقلاقل الاجتماعية والتوترات الجغرافية - السياسية. 

وأوضح التقرير أن الدول والاقتصادات النامية ستكون الأوفر حظا في نسب النمو من الاقتصادات المتقدمة، ففي مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة والاقتصادات النامية، من المتوقع أن يرتفع النمو إلى 4.4% في 2020 4.6% في 2021 بانخفاض قدره 0.2 نقطة مئوية للعامين عن المتوقع في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، بعد أن بلغ معدله المُقدَّر 3.7% في 2019. ويعكس نمط النمو للمجموعة مزيجا من التعافي المتوقع من الهبوط الاقتصادي العميق في حالة البلدان ضعيفة الأداء والواقعة تحت ضغوط في مجموعة اقتصادات الأسواق الصاعدة واستمرار التباطؤ الاقتصادي الهيكلي في الصين.

ويتوقع أن يسجل النمو في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى 2.8% في 2020 -أقل من توقعات عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بنسبة 0.1 نقطة مئوية، ثم يرتفع إلى 2.3% في 2021. ويأتي معظم هذا التراجع في توقعات عام 2020؛ بسبب تخفيض التوقعات لاقتصاد المملكة العربية السعودية على خلفية التراجع المتوقع لنمو إنتاج النفط عقب قرار أوبك+ في شهر ديسمبر بتمديد تخفيضات المعروض النفطي. ولا تزال الآفاق ضعيفة في عدة اقتصادات بسبب تصاعد التوترات الجغرافية -السياسية -إيران، والقلاقل الاجتماعية- ومنها ما يشهده العراق ولبنان، والصراع الأهلي - ليبيا وسوريا واليمن.  

أمّا آسيا الصاعدة والنامية فمن المتوقع أن يبلغ النمو ارتفاعا تدريجيا طفيفا من 5.6% في 2019 إلى 5.8% في 2020 و5.9% في 2021، فيما يمثل انخفاضا بنسبة 0.2 نقطة مئوية لعام 2019 و0.3 نقطة مئوية لعام 2020 مقارنة بتوقعات عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي. ويرجع الجانب الأكبر من التخفيض في توقعات النمو إلى تخفيض التوقعات الموضوعة للهند، حيث تباطأ الطلب المحلي بحدة تجاوزت التوقعات في سياق الضغوط الواقعة على القطاع المالي غير المصرفي وتراجُع نمو الائتمان. ومن المقدر أن يبلغ النمو في الهند 4.8% في 2019، على أن يتحسن إلى 5.8% في 2020 و6.5% في 2021، بانخفاض قدره 1.2 و0.9 نقطة مئوية عن توقعات عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، بدعم من دفعة التنشيط النقدية والمالية وأسعار النفط المنخفضة.

ومن المتوقع أن يشهد النمو في الصين هبوطا تدريجيا من معدل تقديري يبلغ 6.1% في 2019 إلى 6% في 2020 و5.8% في 2021. ومن المرجح أن يصبح الضعف الدوري أخف على المدى القصير بسبب التراجع الجزئي المتصور عن التعريفات الجمركية السابقة ووقف أي زيادات إضافية في التعريفات الجمركية في إطار "المرحلة الأولى" من اتفاق تجاري مع الولايات المتحدة، مما يؤدي إلى رفع تنبؤات النمو في الصين بمقدار 0.2 نقطة مئوية لعام 2020 مقارنة بعدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي.

غير أنّه من المتوقع أن يظل النشاط الاقتصادي متأثرا بالنزاعات التي لم تحل في العلاقات الاقتصادية الأوسع نطاقا بين الولايات المتحدة والصين، إلى جانب ضرورة تعزيز التنظيم المالي اللازم على المستوى المحلي. وبعد تراجع النمو في بلدان آسيان-5 إلى 4.7% في 2019 يُتوقع أن يظل مستقرا في 2020 قبل أن ينتعش مجددا في 2021. وقد تم تخفيض توقعات النمو بدرجة طفيفة لكل من إندونيسيا وتايلند، حيث يتأثر الطلب المحلي أيضا باستمرار ضعف الصادرات.

أمّا في أوروبا الصاعدة والنامية فمن المتوقع أن يقوى النمو مسجلا 2.5% تقريبا في 2020-2021 بعد أن بلغ 1.8% في 2019 بارتفاع قدره 0.1 نقطة مئوية لعام 2020 مقارنة بتقديرات عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، ويعكس هذا التحسن استمرار النمو القوي في أوروبا الوسطى والشرقية، وانتعاش النشاط في روسيا، واستمرار التعافي في تركيا مع الانتقال إلى أوضاع تمويلية أقل تقييدا.

وفي أمريكا اللاتينية، من المتوقع أن يتعافى النمو من معدل تقديري يبلغ 0.1% لعام 2019 إلى 1.6% لعام 2020 و2.3% لعام 2021 أقل مما ورد في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بنسبة 0.2 و0.1 نقطة مئوية، على الترتيب، وتأتي هذه التوقعات المعدلة في ظل تراجُع آفاق النمو في المكسيك في 2020-2021، وهو ما يعزى لعوامل منها استمرار ضعف الاستثمار، وكذلك التخفيض الكبير لتنبؤات النمو في شيلي تحت تأثير القلاقل الاجتماعية.

وفي إفريقيا جنوب الصحراء، من المتوقع أن يرتفع النمو إلى 5,3% في 2020-2021 -صعودا من 3.3% في 2019. ويمثل هذا التوقع انخفاضا بنسبة 0.1 نقطة مئوية عما ورد في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي بالنسبة لعام 2020، و0.2 نقطة مئوية بالنسبة لعام 2021. ويرجع ذلك إلى تخفيض التوقعات لكل من جنوب إفريقيا -حيث تتسبب القيود الهيكلية وتدهور الماليات العامة في كبح ثقة الأعمال والاستثمار الخاص- وإثيوبيا - حيث يُتوقع أن يتأثر النمو بعملية ضبط أوضاع القطاع العام اللازمة لاحتواء مواطن الضعف المرتبطة بالديون.

وفي الاقتصادات المتقدمة، من المتوقع أن يستقر النمو عند معدل 1.6% في 2020-2021 بانخفاض قدره 0.1 نقطة مئوية عن توقعات 2020 الواردة في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، فيما يرجع في معظمه إلى تخفيض التوقعات للولايات المتحدة ومنطقة اليورو والمملكة المتحدة، وكذلك لاقتصادات متقدمة أخرى في آسيا، ولا سيما منطقة هونغ كونغ الصينية الإدارية الخاصة عقب اندلاع الاحتجاجات. 

 

ميزان المخاطر

واستعرض التقرير المخاطر المحيطة بآفاق الاقتصاد، موضحا أنّ ميزان المخاطر المحيطة بآفاق الاقتصاد العالمي لا يزال مائلا في اتجاه التطورات المعاكسة، وإن كان أقل ميلا إلى النتائج السلبية مقارنة بما ورد في عدد أكتوبر من تقرير آفاق الاقتصاد العالمي، وفند الأسباب على مستوى العالم في عدد من النقاط من أهمها: السياسة النقدية الداعمة، خفوت حدة التوترات التجارية، أو على الأقل تذبذب تأثيرها على الأسواق، وخاصة في ظل الإعلان مؤخرا عن "مرحلة أولى" من اتفاق تجاري بين الولايات المتحدة والصين، مع استمرار تيسير الأوضاع المالية في منطقة اليورو.

وأكد أنّه من الممكن أن تستمر دلائل الاستقرار مما يؤدي إلى ديناميكية مواتية بين الإنفاق الاستهلاكي الذي لا يزال متماسكا وتحسُّن الإنفاق التجاري. كما أشار إلى إمكانية أن يأتي دعم إضافي من انحسار المعوقات المتفردة في الأسواق الصاعدة الرئيسية، مقرونا بالتيسير النقدي وتحسن المزاج السائد عقب "المرحلة الأولى" من الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة والصين، مع ما يصاحب ذلك من تراجع جزئي عن التعريفات الجمركية المطبقة من قبل وتعليق أي تعريفات جمركية جديدة.

وذكر التقرير أنّه "يمكن أن يؤدي اقتران هذه العوامل إلى زيادة قوة التعافي عن المستوى المتوقع حاليا، ومع ذلك، فلا تزال هناك مجموعة بارزة من مخاطر التطورات المعاكسة".

وأورد من تلك المخاطر تصاعُد التوترات الجغرافية - السياسية، ومن أبرزها التوترات بين الولايات المتحدة وإيران، والذي يمكن أن يعطل إمدادات النفط العالمية، ويضر بالمزاج السائد، ويضعف الاستثمار التجاري الذي لا يزال في مستهله. وبالإضافة إلى ذلك، فإنّ احتدام القلاقل الاجتماعية في كثير من البلدان – تأثرا، في بعض الحالات، بتآكل الثقة في المؤسسات المستقرة والافتقار إلى التمثيل الكافي في هياكل الحوكمة – يمكن أن يُحدِّث اضطرابا في النشاط الاقتصادي، وُيُعقِد جهود الإصلاح، ويتسبب في إضعاف المزاج السائد، مما يجذب النمو إلى أقل من المستوى المتوقع. وحيثما كانت هذه الضغوط تزيد من تفاقم التباطؤ العميق الجاري بالفعل، كما هو الحال مثلا في اقتصادات الأسواق الصاعدة ضعيفة الأداء والواقعة تحت ضغوط، يمكن ألا يتحقق التحسن المتوقع في النمو العالمي – الذي يدفعه بشكل شبه كامل التحسن المتوقع في هذه الاقتصادات والانكماش الأقل عمقا في بعض الحالات.

وذكر أنه إذا ما حدث مزيد من التدهور في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة وشركائها التجاريين -كالذي تَجَسد، على سبيل المثال، في الاحتكاكات بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، أو في الروابط التجارية التي تشترك فيها بلدان أخرى، فمن الممكن أن تتعرقل الخطوات الوليدة نحو نهاية الانخفاض في الصناعة التحويلية والتجارة، مما يؤدي بالنمو العالمي إلى نتائج أقل من توقعات السيناريو الأساسي.

تعليق عبر الفيس بوك