جوامع سلطانية وأوبرا ومراكز للثقافة والعلوم

المنشآت السلطانية .. صروح شامخة تعكس نهضة عمان برعاية السلطان قابوس

 

الرؤية - مريم البادية

شهد العهد الزاهر للمغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور – طيب الله ثراه -  العديد من المنجزات في مختلف القطاعات، من بين هذه القطاعات والتي يمكن أن نتوقف عندها هي "المنشآت السلطانية، والتي تعكس في جوهرها فلسفة قابوسية عميقة الدلالات وبديعة التنفيذ.

شُيّدت تلك المنشآت لتصبح تحفة معمارية وقيمة إنسانية وروحية تعم فائدتها أنحاء الوطن ومختلف الأجيال في العصور المقبلة، لتشكل منارات فكرية وثقافية ودينية، ينهل الناس من معينها وذلك تحقيقاً لمبدأ التنمية الشاملة المتوازنة.

وأولى جلالته رحمه الله اهتمامًا كبيرا بالجوامع التي تمّ إنشاؤها في مختلف ولايات السلطنة، فبلغ عدد الجوامع السلطانية المفتتحة للشعائر ستة وثلاثين، تتابع كافة شؤونها إدارة المساجد والأوقاف بالمركز بالتنسيق مع المنشآت السلطانية، بالإضافة إلى 14 جامعًا سلطانيا موزعة على مختلف محافظات وولايات السلطنة.

أنشئت الجوامع السلطانية من أجل تحقيق الهدف الرئيسي لتكون أماكن للعبادة بالإضافة إلى جعلها مراكز إشعاع ثقافي وتعليمي للمجتمع من خلال ما تحويه من مكتبات وقاعات للمحاضرات ومختبرات الحاسوب ومدارس للقرآن الكريم.

 وفي عام 1992 أصدر السلطان قابوس -رحمه الله- تعليماته بإنشاء أكبر جامع في السلطنة، بحيث لا يقتصر على توفير مكان للصلاة والتعبّد فحسب، بل يكون مركزاً للتفاعل مع روح الإسلام ديناً وعلماً وحضارة، ومع نتاج تاريخه الأدبي والثقافي وكان ذلك جامع السلطان قابوس الأكبر الذي بدأ العمل فيه عام 1995 وأنجز في 2001م ليكون تحفة معمارية إسلامية بديعة ومركزا دينيا ثقافيا ينهل منه المتلقون العلم ويؤدون في جنباته العبادة.

ويحتل الموقع مساحة إجمالية تصل إلى 416000 متر مربع حيث يتسع المُصلى الرئيسي لـ6500 مصل ويأخذ شكلاً مربعاً بقبته المركزية التي ترتفع عن سطح الفناء بـ 50 متراً، ويربط قمة جدران المصلي والصحن الداخلي شريط محفور عليه الآيات القرآنية بخط الثلث، وتملأ الزخارف الهندسية الإسلامية أطر أقواس الأروقة، فيما تحتل أسماء الله الحسنى المحفورة بالخط الديواني واجهات الأروقة ، وجاء بناؤه على النهج العماني السائد في رفع عمارة المساجد التقليدية القائمة في أحياء وقرى المدن القديمة عن مستوى العمارة السكنية أو العامة وكذلك عن مستوى أرض الوديان، ويأتي كمركز للتفاعل مع روح الإسلام ديناً وعلماً وحضارة، ويؤكد دور المسجد كمصدر إشعاع علمي وفكري على امتداد الساحة الإسلامية.

واهتم رحمه الله بالمزيج الثقافي التاريخي وتجسد ذلك من خلال بناء المتاحف لتشكل دورا ثقافيا وعلميا وتعليميا بارزا في حياة الشعوب، فهي جسر الحاضر والماضي، حيث صدر في عهد جلالته مرسوم سلطاني "رقم 62/2013 " بإنشاء المتحف الوطني ليكون أول متحف وطني، واتخذ من مدينة مسقط مقرا له بجانب قصر العلم العامر، حتى يكون شاهدا على نشر ثقافة عمان الضاربة في عمق التاريخ.

ويضم المتحف مجموعات متكاملة من المقتنيات والشواهد التاريخية والتراثية للبلاد، بصورة تبرز كافة الأبعاد الثقافية. ويأتي الهدف منه في تحقيق رسالته التعليمية والثقافية، لترسيخ القيم العمانية الأصيلة، وكذلك المحافظة على مكونات التراث الثقافي العماني من خلال دعم الأبحاث والدراسات العلمية والتاريخية، ويحتوي هذا المتحف على 14 قاعة، ويضم أكثر من 5500 من اللقى المميزة و43 منظومة عرض تفاعلي رقمية.

ولم تغفل هذه المنشآت عن جانب الترويح عن النفس، حيث كان السلطان الراحل مولعا بالموسيقى، وخصوصا الكلاسيكية، وكان جلالته ملما بأشهر الموسيقيين العالميين، وأدرك جلالته -طيّب الله ثراه - الأثر الثقافي لتأسيس الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية وأكد على ضرورة الحاجة للموازنة بين الثقافات، بين الحداثة والتراث مع علم جلالته رحمه الله المسبق أن تأسيس الأوركسترا لا يعني إهمال أو إغفال تقاليدنا وتراثنا.

وفي خطاب له يقول جلالته رحمه الله: "نحن نحاول الحفاظ على تراثنا الموسيقي في عمان، لا يمكنني تفضيل لون على آخر أو الفصل بين الأعمال، تعجبني الموسيقى الأندلسية والتركية والإيرانية والكثير من الموسيقى الهندية والإفريقية، أتمنى أن تثمر كل هذه الجهود المبذولة لتطوير الموسيقى، وأن تنجح في تحقيق غايتي المتمثلة في رفع مستوى الوعي الثقافي لدى الأفراد بوجه عام، ومستوى التعليم الموسيقي بوجه خاص"، وجاءت فكرة إنشائها في عام 1985.

وتولى جلالته رحمه الله  مهمة وضع الأسس المناسبة لدراسة أفضل السبل لإنجازها وبإشراف مباشر منه فاختار مجموعة من الموسيقيين الشباب الموهوبين بناء على مهاراتهم الموسيقية في مجالات الألحان والإيقاعات والأنغام، وحصل المرشحون المنتقون جميعًا على دراسات مكثفة في الموسيقى سواء داخل السلطنة أو خارجها برعاية الحرس السلطاني العماني، واستقبلت الأوركسترا السيمفونية السلطانية العمانية الدفعة الأولى من الطلاب الشباب في عام1985، ومنذ ذلك العام وحتى يومنا هذا والاوركسترا السلطانية تحيي الكثير من الحفلات الموسيقية.

ثم تأسست دار الأوبرا السلطانية بمرسوم سلطاني رقم "105 /2010" وأن تكون تحت الرعاية الفخرية لجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيب الله ثراه -، وجاء الافتتاح الرسمي لها في 2011م، وهي صرح ثقافي يستوعب الثقافة المحلية والعالمية من خلال الفنون التي يطرحها من فعاليات ثقافية وموسيقية ومسرحية البالغ عددها 50 فرقة في مقدمتها الأوركسترا السيمفونية السلطانية، إلى جانب الاجتماعات الهامة والمؤتمرات والملتقيات والندوات التي تقام في هذا الصرح الثقافي، ويتناغم بنيانها وشكلها المعماري مع الثقافة والتراث العماني.

وفي الجانب الآخر فهناك عدد من الهيئات والمؤسسات السلطانية كمركز السلطان قابوس العالي للثقافة والعلوم، حيث صدر مرسوم سلطاني رقم " 52 / 2012" في عهد جلالته رحمه الله بإنشاء هيئة علمية ثقافية. وذلك للمساهمة في تحقيق أهداف السلطنة في مجالات الثقافة والعلوم، وتوثيق الروابط وأوجه التعاون مع المؤسسات الثقافية والعلمية والأكاديمية والمراكز المتخصصة في الدول الأخرى، والعمل على التعريف بالثقافة العمانية ونشر نتاج الفكر العماني الثقافي والعلمي.

ويضم أيضًا عدد من المراكز مثل مركز السلطان قابوس للثقافة بواشطن، ومركز عمان للموسيقى التقليدية، وكلية السلطان قابوس لتعليم اللغة العربية للناطقين بغيرها، ومسابقة السلطان قابوس لحفظ القرآن الكريم ومسابقة اقرأ، وجائزة السلطان قابوس للثقافة والفنون والآداب وأسبوع الوئام والتقارب الإنساني، وانتقل عدد من المؤسسات التابعة لهذا المركز إلى وزارة الفنون التي أنشئت مؤخرا وهي جمعية التصوير الضوئي وجمعية هواة العود وجمعية الفنون التشكيلية.

تعليق عبر الفيس بوك