وداعًا قابوس.. سلطان القلوب

محمد العليان

حكمت فعدلت من العام 1970م ورحلت في 2020م.. إنَّا لله وإنا إليه راجعون، ومؤمنون بقضاء الله وقدره، الموت قاهر الأرواح فلا مفرَّ منه ولا مهرب، فروحٌ وريحانٌ وجنة نعيم لروحك الطاهرة، وداعًا سلطان القلوب، وداعا سلطان التسامح، وداعا حبيب الشعب، وداعا يا شعب عُمان.. وعزاؤنا أنَّ السلطان قابوس بن سعيد حيٌّ في قلوبنا وفي دعائنا.. الفقد كبير ومؤلم، والفقيد عظيم، نبكيك سيدي الراحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، كان يوم الجمعة وصبيحة السبت يومًا للتاريخ، يوما طويلا ثقيلا ليس كعادته من الأيام بسماع نبأ وفاة سلطان القلوب سلطان الأمان سلطان السلام، والدموع لا يُمكن إخفاؤها حزنا وألما، يرحل الأبطال العظماء، وتبقى الأوطان تتحدث عنهم وعن إنجازاتهم وأعمالهم وتاريخهم الناصع بالبياض والنقي.

الراحل السلطان قابوس من القادة الكبار، لم تلطخ يده بأي دم عربي أو إسلامي، وظل شامخا بعمان وشعبها طوال 50 عاما؛ قيادته كانت حكيمة وثابتة.. قائد ملهم لوطنه وأحد أهم قادة العالم الحديث أجمع من خلال نصف قرن.. للتاريخ فقط فإنَّ عمان غير عن الكل، وهذا ما شهدناه من خلال انتقال السلطة والحكم السلس، والذي لم يتجاوز ساعات بالهدوء باتفاق العائلة الحاكمة على فتح وصية الراحل السلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله تعالى- وتقديرا وعرفانا لجلالته، واحتراما له وحبا له؛ فتم الاتفاق والموافقة على ما أوصى به في وصيته، وهو السلطان هيثم بن طارق، وهذا اتفاق يعطي دروسا ورسالة للتاريخ، ويعبر عن استقرار في منظومة الحكم، وحتى مراسم الجنازة كانت عادية وبسيطة، لم يكن فيها الملوك والرؤساء والقادة، بل كانت لشعب عمان كافة تسير في وداعه الأخير إلى قبر عادي مجهز له، وليس إلى ساحة أو قصر أو معلم، بل إلى مقبرة عادية للعائلة.

كم أنت كبير وحكيم وعظيم، ما أكبرك يا سلطان القلوب في حِلِّك وترحالك بهذه البساطة والتواضع والقناعة، حتى في مماتك -طيب الله ثراك- في عهده عاشت عمان في أمن وأمان واستقرار. ما أكبر قدرك في القلوب حتى بعد الممات، وبكل تأكيد فإنَّ توافُد جميع أبناء عمان لتقديم واجب العزاء يعكس قوة وتلاحم حب المواطنين والشعب لسلطانهم -رحمه الله تعالى- وحول السلطان الجديد حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه.

السلطان قابوس -طيب الله ثراه- قد أسَّس وبنى دولة عصرية حديثة على التسامح والخير والحب، سلطان سيتذكره التاريخ لأن أفعاله شاهدة لوطنه وأمته، والعالم أجمع لن ينسى مواقفه وحكمته، فقد رحل تاركًا حياته مليئة بالإنجازات التي لا تعد ولا تحصى، بل ويعجز اللسان عن وصفها من محافظة مسندم إلى ظفار.. كان سلطانَ القلوب للكثير، هو المأوى والسند، والأمان والوفاء والإخلاص داخل وخارج الوطن، ونشر الخير والمحبة والسلام، البعض كالتاريخ لا يُعاد ولا يُنسى، ويُذكر دائما في صفحات المجد بعمله وأخلاقه، هكذا هم العظماء ورجال التاريخ.

سنبقى أقوياء بإذن الله، ندافع ونخلص ونحب الوطن وجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم، ونعاهده بأن نكون الدرع الحصين والمنيع لهذا للوطن، وبإذن الله سيكون سلطان المستقبل خير خلف لخير سلف.. ليُكمل المسيرة نحو تحقيق الأحلام.

سيدي المغفور له جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور، نم آمنا مطمئنا، فاللهم إنه قد أكرمنا فوق الأرض، فأكرمه يوم العرض.. اللهم نشهد أنه قد أحسن إلى عمان وشعبها، فاجزِهِ عنا خير الجزاء، وارزقه الجنة، وإن شاء الله ستُشرق شمس جديدة تحمل الخير لعمان والرفعة بقيادة جلالة السلطان هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه.

عظَّم الله أجرك يا وطن.. لكم هي مؤلمة وحزينة نظرة الوداع الأخير، ومشهد يحمل فيه سلطان سلطانًا، مشهد كبير ومؤثر، فقابوس تاريخ لن ينسى.. لله ما أخذ، وله ما أعطى، وكل شيء عنده بمقدار.