من يعزي من؟!

إسماعيل بن شهاب البلوشي

إذا استطاع واحد من الراسخين في العلم أن يفسّر شعورنا وإجماعنا على أنّ جلالة السُّلطان قابوس بن سعيد -رحمه الله- وكل ما ذُكر عنه من مآثر أنّ ذلك يعنينا جميعاً في نفس الوقت الذي يرى كل عماني أن محبة جلالته طيّب الله ثراه أمر اعتيادي ترسّخ على مر السنين في رؤية جلالته"كأب" قبل أن يكون سلطاناً وإن كل من قدَّم تعزية أو مقالا أو نثراً أو شعر أن ذلك غير محدد بعائلة أو محدد بشخصية إنما شعور حقيقي أن ذلك يعني الجميع وعندما تقرأ ذلك تفصيلاً وتتعمق في الأمر فستعلم أن نهج ومدرسة جلالته طيب الله ثراه كانت فصلاً عظيماً ودرساً لا يستطيع الوصول إليه كل من كان قائداً وعلى أي مستوى في فن القيادة وإدارة الرجال..

يشرفني أن يكون مولاي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم أعزه الله مثالاً مناسباً في المدرسة الاجتماعية والوطنية واللحمة العمانية حيث إنني لم اسمع ولم أر له موكباً قبل يومٍ واحد من توليه زمام الأمر في الوطن بل لم نره يقود سيارة مختلفة أو له مُعاملة خاصة وعلى أي مستوى وفي كل شيء، بل إنه كان مواطناً عمانياً وصديقاً للكثيرين، يشارك المواطنين في كل شيء وهذا دليل واضح على أن جلالته طيب الله ثراه جعلنا جميعاً أبناءه وتقدمت عمان وكبر الأبناء واتحدوا وتوثقت أواصر المحبة والأخّوة ونبذ الخلافات على فترة ليست بقصيرة ولذلك رأيناه طيب الله ثراه والداً للجميع وترسخت محبته انطلاقاً من مبادئ مدروسة وبتوازن دقيق جعل من العماني مضرب المثل في كل أقطار الكون ليس عن طريق المصادفة.

إن تعبير أبناء عمان عن ألم الفراق سيطول وليس من السهل علينا جميعاً نسيان جلالته طيب الله ثراه فالقادة الناجحون والذين وصلوا إلى مرحلة الثقة المطلقة فإن من حولهم لا يصدقون فراقهم وإلى أمد بعيد وهذا أيضاً درساً مجرباً في فن القيادة وإدارة الرجال ولذلك سيبقى حبه خالداً وإلى الأبد.

أما ومدرسة الوداع فمن يعتقد أنها كانت يوم الجمعة فإنِّه لم يتعمق في شخصيته وأسلوبه وفكره طيب الله ثراه وأن هذا الأمر في حد ذاته يمكن أن يكون مادة كاملة لباحث بدرجة الدكتوراه ولسوف يكون مرجعاً علمياً لكل قادة العالم فلقد بدأ جلالته طيب الله ثراه في العام 1970 بزيارات منتظمة إلى كل ربوع عمان وجلس مع أهلها جميعاً وتحت أشجارها وفي جبالها ورمالها وفي فصول المدارس، أما عن زياراته لرجال قواته المسلحة فلقد كانت أمراً لا يمكن الحديث عنه في عجالة..

حيث كان طيب الله  ثراه جندياً مقاتلاً في الصفوف الأمامية ولا توجد مساحة أرض مر منها جندي أو سكنها إلا ووطأت قدماه فيها بل إن واحداً من الضباط القدامى وعندما دخل إلى نادي الضباط لتناول الشاي الصباحي قبل العمل كان جلالته طيب الله ثراه متواجداً قبله

وأما عن حضوره العالمي فلقد كان يحرص دوماً وفي كل مكان على حضور كل المناسبات، وكذلك فإن التقليل من الحضور لم يكن بسبب تقدمه في العمر فلقد توقف عن حضور بعض المناسبات التي كان يحضرها بانتظام قبل أكثر من عشرين عاماً من اليوم فلقد كان بذلك ينظر إلى استمرار المستوى ويطمئن عليه ومن جانب آخر كان لا يريد أن يتوقف ذلك فجأة وما إلى ذلك من أضرار كثيرة..

أما عني شخصياً فلقد صافحت جلالته أكثر من 8 مرات ولكن أذكر منها موقفين وكنت محظوظاً فيهما فالأول عندما وجهني في العام 1983 والثاني عندما قال لي بارك الله فيك خلال وضعه واحداً من أوسمة الشرف على صدري.