رغبة سلطانية في الانطلاق دائما نحو الأفضل

3 أحداث فارقة في التاريخ العُماني الحديث

...
...
...
...

< 23 يوليو 1970: عُمان تبدأ رحلة النهوض تحت قيادة حكيمة وفذة

< 10 يناير 2020: وداع السلطان المؤسِّس للنهضة الحديثة بعد اكتمال بُنيان الدولة العصرية

< 11 يناير 2020: خير خلف لخير سلف يستهل عهدا جديدا بانتقال سلس للسلطة

سيظل التاريخ يتذكُر العاشر والحادي عشر من يناير للعام 2020، باعتبارهما يومين فارقين في تاريخ عُمان الحديث.. الأول: تاريخٌ وارى فيه الثرى جثمان السلطان المؤسس نلهضة عُمان الحديثة جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه-، والثاني: تنصيب حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم- حفظه الله ورعاه- الذي تولى مقاليد الحكم في البلاد في انتقالٍ سلسٍ متفرِّد، شَهِدَ العالم أجمع على رُقيِّه، تمامًا كما شهدوا لعُمان على مدى 50 عاما برُقيِّ مسيرة تطورها.

الرؤية - هيثم صلاح

 

أما الثالث والعشرين من يوليو للعام 1970، فإنه تاريخ مثَّل قِمَّة الهرم في مرحلة التحوًّل الأهم في تاريخ عمان الحديث، فقد كان مقدم جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -رحمه الله تعالى- إلى سُدَّة الحكم حينها إيذانًا ببدء عهد جديد ومرحلة تنموية فارقة، قوامها تفعيلٌ كامل لطاقات العُمانيين، وتوجيهها نحو طُموح البناء والتطوُّر؛ لإنجاز صرح الدولة الحديثة، والذي أولته حكمة جلالته -رحمة الله عليه- عين الرعاية والاهتمام على امتداد سنوات نهضةٍ مباركةٍ، أصبحت اليوم بفضلها عُمان صرحاً شامخاً بين الأمم والشعوب.

فمع إشراقة فجر النماء العُماني.. انطلقت مسيرة نهضتنا المباركة بخُطى متسارعة تظلِّل خيراتها بقاع الأرض الشاسعة، من أقصاها إلى أقصاها، وفي مختلف المجالات، فأخرجتها من حالة الظلام والعُزلة الى مكانة متميزة من الرُّقي والتطوُّر، كأنموذجٍ لدولة عصرية حديثة ومتقدمة.. ففي مضمار النقلة الحضارية الشاملة التي عاشتها عُمان خلف القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -خلَّد الله ذكره- وأخذت مسيرة البناء والتحديث تتسارع عاماً تلو الآخر، وفق خُططٍ مدروسة ومُحكمة، ورؤية نيرة وإستراتيجيات مستقبلية واعدة، تمكَّنت من أن ترخي سدول الأمن والسلام والاستقرار السياسي والاقتصادي والمجتمعي.

لقد سجَّل الثالث والعشرون من يوليو 1970، وقتها حرص القيادة ورغبة سياسية كبيرة في القضاء على عوامل الضعف وبناء الدولة العصرية بأركانها الأساسية؛ فاعتمد جلالته -طيب الله ثراه- مسارات واضحة مُترابطة لتحقيق اللحمة الوطنية وإنجاز السلام الاجتماعي، مُنهيًا مخاطر الانقسام، ومحوِّلًا عُمان إلى وطن لكل العُمانيين، داعماً لعوامل الترابط المجتمعي، ومطورًا للجهاز الإداري للدولة، ليستوعب أهداف النهوض بعملية تنموية شاملة من ناحية، وتحويله إلى أداة دمج وتماسك على المستوى المحلي والوطني باستيعاب الجميع.

50 عامًا خلف القيادة الحكيمة للسلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -رحمه الله- تروي ملحمةً وطنيةً نجحتْ خلالها القيادة الحكيمة في تكريس سُلطة الدولة والقانون، وتدعيم الوحدة الوطنية وتعزيز التقدم والنمو الاجتماعي، بإتاحة الفرصة لمزيد من المشاركة من جانب المواطنين في إدارة شؤون البلاد، والتأكيد على دورهم إلى جانب الحكومة مع توجيه تلك المشاركة وتنميتها تدريجياً وفقا لمرحلة التطور التي يمر بها المجتمع.

كما وظَّفت رؤى السلطان قابوس الراحل ملامح السياسة الخارجية لخدمة أهداف عُمان الداخلية في التنمية والاستقرار؛ من خلال تسوية كافة المشاكل الحدودية مع دول الجوار، بما في ذلك الحدود البحرية.. وبعد عزلةٍ عاشتها بلادنا في علاقاتها الخارجية قبل السبعين من القرن الماضي، وضعت مسيرة النهضة العُمانية الحديثة نهاية لهذه المرحلة، وأخذت بعمل دؤوب ومتواصل في مد جسور الصداقة مع كافة دول العالم، فضلا عن الدخول في عضوية العديد من المنظمات الإقليمية والدولية التي تعمل في نهجها على إرساء قيم السلام والتعامل والتبادل الحضاري بين شعوب وأمم الأرض كافة، وتبنت بلادنا -ولا تزال- ثوابت مهمة في سياستها الخارجية، قوامها الاحترام المتبادل، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير، ومد يد الصداقة والتعاون للجميع دون استثناء.

وإن كان الحديث عن منظومة متكاملة مترابطة من المسارات نجحت في تحقيق الوحدة الوطنية وحفظ النسيج المجتمعي حيويًّا متماسكًا، ودور دولي مقدَّر من الجميع، فإنَّ علامة فارقة أخرى في التاريخ العُماني لا تقل أهمية عن سابقتها، برزت في السادس من نوفمبر 1996م، حينما أصدر السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- النظام الأساسي للدولة، تتويجاً لحقبة ماضية تمكَّنت خلالها السلطنة من بناء دولة عصرية متكاملة في أجهزتها ومؤسساتها الملتزمة في مبادئها وسياستها الواضحة في مواقفها وتوجهاتها؛ فجاء هذا النظام الأساسي مُشكِّلًا قاعدة أساسية تنطلق من خلالها عُمان لتحقيق مزيد من التقدم والرُّقي والتطور، راسمًا صورة واضحة للمبادئ التي تلتزم بها السلطنة في سياستها الداخلية والخارجية، والهادفة في جملتها لبناء الإنسان العُماني وتطوير قدراته الذاتية وخبراته العلمية والعملية؛ باعتباره قطب الرحى الذي تدور حوله كل الأهداف، وتُحقَّق من أجله كل المنجزات.

إنَّ الواقع التنموي لبلادنا، والذي يتولى قيادته اليوم بحول الله وقوته بكل أمانة واقتدار مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور -حفظه الله ورعاه- ليؤكد بجلاء على أنَّ عُمان ترتكز على جُملة موجهات وممكنات نقلت عُمان الشعب والوطن -وستستمر- إلى آفاق حياة جديدة قوامها العيش الكريم، وفلسفة جديدة في الحكم قوامها المحافظة على الهوية واستنهاض الهمم، فلسفة تمكنت عُمان ولا تزال بفضلها من التعامل والتفاعل مع التحديات الإقليمية والدولية، فلسفة جديدة جعلت السلطنة وستظل واحدة من الدول الأكثر استقرارا وأمناً ليس على صعيد المنطقة، ولكن على صعيد العالم، فلسفة لا تُخطئ عين مدى ما تتوافر عليه من رؤى استشرافية وأفكار تنموية خلَّاقة.. باختصار هي فلسفة حكيمة تقود مسارات النهوض التنموي والاستقرار السياسي والمجتمعي في البلاد، وستنطلق نحو المستقبل بكل ثبات.

وهذا عَيْن ما شملته الرؤية الثاقبة لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- في الخطاب الأول للشعب يوم 11 يناير 2020، بتأكيد جلالته على مواصلة السير على خُطى جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -رحمه الله- والثوابت التي اختطها في التعايش السلمي بين الأمم وحسن الجوار، والعمل على تحقيق التكامل الاقتصادي والرقي بحياة المواطنين والنأي بهم عن الصراعات الخارجية.. في انعكاس جلي للرغبة السياسية الأكيدة في الحفاظ على النهج، والتطلُّع للأفضل على المستويات أجمع داخليا -سياسيا، واقتصاديا ومجتمعيا- وخليجيًّا، وعربيا، ودوليا. موجِّها جلالته -أيده الله- إلى صون المرتكز الأصيل والضَّامن الحقيقي المعين على تحقق ذلك بتأكيده -أيَّده الله- على "تضافر جميع الجهود، وتقديم كل ما يسهم في إثراء مساعي التطور والتقدم".

تعليق عبر الفيس بوك