رسالة إلى الأب الراحل قابوس

 

 

حسان ملكاوي

 

سيدي جلالة المغفور له بإذن الله تعالى السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور...،

لك منا خالص وأصدق الدعاء نرفعه لرب السماء، أن يتغمَّد روحك الطاهرة بواسع رحمته ورضوانه، ويسكنك فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحَسُن أولئك رفيقا.

وبعد...،

فإنني أقول: نحن لا نبكي خوفا على مستقبل عُمان؛ فعُمان بخير وأمان بعون المولى العلي الرحمن، وجلالتكم اختار لعُمان سلطانًا من آل سعيد الاخيار، ونحن معهم واثقون بأنك دومًا تحسن الاختيار.

نحن نبكي على صوت وفضائل وصفات هي بلسمٌ للقلوب، صفتها الحكمة، نغمتها الرحمة، ولنبرتها الأبوية أثرها ومداها وصل العالم أجمع.

نحن نبكي على أعز إنسان.. نبكي؛ لأنَّ الأمطار تتساقط عندما تعجز السُّحب عن حملها، وعيوننا تبكي لعجز قلوبنا عن تحمل الألم. نبكي سرًّا وعلنًا لا تملُّقا ولا تصنُّعًا، نبكي محبة ووفاء، ولأن متعة الوفاء وقمته تكمُن بالشكر والعرفان والاعتراف بالفضل.

 

سيدي قابوس رحمك الله...،

نَمْ قرير العين مُطمئنَ البال على معشوقتك عُمان وشعبها المغوار، فعُمان التي بنيت، والنهضة التي صنعت، تُواصل المسيرة والإنجاز بربان سفينة من نبع قابوس استقى، ومعه نشأ وترعرع، وبه يقتدي ومن نهجه القويم يستلهم؛ فقد أكد جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- في أول خطاب على استمرار النهج والفكر وضرورة العمل والارتقاء واحترام الغير وشؤونه، والاهتمام بمصالح الشعب وتنمية اقتصاده، والسعي لدوام ازدهاره واستمرار التعاون العربي والإسلامي وإيلاء قضايا أمتنا الأولوية والأهمية اللازمة واستمرار رسالة عُمان وقابوس في نشر السلام والوئام للإنسانية جمعاء.

 

سيدي قابوس...،

لقد برهن شعبكم أنه مثالٌ للتكاتف والصمود في أكبر المحن وأصعبها.. وبرهنت السلطنة بشهادة العالم حسن التعامل مع المصاب الجلل، وانتقال سلس للسلطة تُضرب فيه الأمثال، وتعجز عن مثله أمم.

رحمك الله يا سلطاناً سكن القلوب بإنسانيته، ووهب عمره فداءً للوطن وقضايا الأمة.

وأبناء شعبك يا سيدي كما أردت وعملت وزرعت وبنيت أقوياء في الشدائد، مؤمنون بالقدر، واثقون أن الوطن شامخ وخالد إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

 

سيدي قابوس غفر الله لكم وأسكنكم فسيح الجنات...،

آآآآآه لو تسمعني ومعي الكثيرون لنقول لجلالتكم إننا كتبنا ونعيد الكتابة لأننا في كل مرة عندما نعيد القراءة، نعترف بالتقصير عن الوصف والعجز عن التعبير ونطلب من جلالتكم بعفوك وكرمك ولطفك المعتاد، أن تسامحنا لأنك فوق طاقات عقولنا وأكبر من حبر أقلامنا. وقابوسنا حكاية لا تنتهي فصولها ولا يستطيع أحد روايتها، وليتنا نجمع أفكار وخطابات ومنهاج جلالتكم لتدرسه الأجيال وتستنير بحكمتكم على مدار الأزمان.

 

سيدي قابوس...،

عُمان بخير، وتلتف حول سلطانها المفدى حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه-

 

سيدي قابوس، فقيد الأمة وسلطان الإنسانية والرحمة...،

كما كنت بحياتك بنا رحيما وعلينا قلقا، فقد أكملتها بوصيتك عند الرحيل بأن سلمت الأمانة لسلطان خير خلف لخير سلف، وأوصيت بجنازة شعبية وقبر متواضع دون تكلّف.. ولم تنتظر أممًا وقادة وروساءً من شتى الأنحاء، توافدوا إلى عُمان يعزون ويستذكرون ويعبرون بجمل وعبارات وأوصاف هي لنا مصدر فخر واعتزاز، ويصعب المجال في هذا المقال لذكرها.

 

سيدي...،

حتى الآية القرآنية الكريمة التي ذكرتها وتركت لنا تكملتها؛ حيث قال تعالى: "واصبروا إن الله مع الصابرين".. ونحن إن شاء الله صابرون ومؤمنون بالقضاء، رغم أن الرحيل أدمى القلب وأحزن النفس وأبكى العين، ولكن عهدا علينا أن نكمل المشوار كما أحببت ورسمت، وعهدا علينا أن لا تغيب صورتك عن أذهاننا وذاكراتنا، ستبقى في قلوبنا ملتزمين بوحدتنا لا فراق ولا شقاق ولا فتن، مبايعين سلطاننا على الولاء والطاعة، معينين لجلالته في العسر واليسر.

رحمك الله يا أبانا، وحفظ الله عُماننا، وأنعم على مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم بموفور الصحة والعافية والعمر المديد والرأي السديد.

والله ولي التوفيق والقادر عليه...،

تعليق عبر الفيس بوك