رحل أعز الرجال وأنقاهم

 

حمود بن علي الطوقي

 

تابع أبناء شعب عمان الأوفياء والعالم أجمع أول خطاب تاريخي وجهه حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم – حفظه الله ورعاه- سلطان عمان عقب تنصيبه سلطانا على عمان خلفا للوالد والأب الحنون وسلطان الإنسانية ورسول السلام المغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور - طيّب الله ثراه -

كان خطابا تاريخيا بكل ما تعنيه الكلمة وسيدون في ذاكرة الشعب العماني الأبي والمخلص.

جاء الخطاب ليكون بردا وسلاما على الشعب؛ حيث أكّد جلالته أنه سوف يمضي في إدارة شؤون البلاد منتهجا سيرة فقيد الوطن والأمة جلالة السلطان قابوس -طيّب الله ثراه- مخاطبا شعبه قائلا:

" إنّ عزاءنا الوحيد وخير ما نخلد به إنجازاته هو السير على نهجه القويم والتأسي بخطاه النيرة التي خطاها بثبات وعزم إلى المستقبل والحفاظ على ما أنجزه والبناء عليه هذا ما نحن عازمون بإذن الله وعونه وتوفيقه على السير فيه والبناء عليه لترقى عمان إلى المكانة المرموقة التي أرادها لها وسهر على تحقيقها فكتب الله له النجاح والتوفيق.

هذا النهج الذي سينتهجه سلطاننا المفدى يعود بنا إلى أول خطاب للمغفور له بإذن الله جلالة السلطان قابوس عندما خاطب شعبه في أول خطاب له عند توليه مقاليد الحكم في ٢٣ يوليو عام ١٩٧٠ عندما قال: "سأعمل بأسرع ما يمكن لكي تعيشوا سعداء" وهنا يؤكد لنا سلطاننا الجديد أنه سيمضي بعمان كما خطط ورسم ملامحها وخارطتها جلالة السلطان قابوس -طيب لله ثراه-.

إنّ المساحة المتحركة بين الخطابين تبلغ بحساب الزمن خمسة عقود بنيت عمان خلالها بتلاحم وتكاتف الشعب مع سلطانهم المؤسس للنهضة العمانية، وها هو سلطاننا الجديد يمضي بعمان وشعبها الوفي في بر الأمان ويلتف الشعب من جديد حول سلطانهم الأبي، مجددين العهد والولاء للسير خلفه بكل طواعية وإخلاص.

نعم هذه هي عمان أصبحت مفخرة للجميع وبلد يشار إليه بالبنان فقد وصفت الأجهزة الإعلامية المختلفة خليجيا وعربيا ودوليا التجربة العمانية بأنها نموذج يحتذى به، فهي بحق بلد الأمن والسلام والرخاء.

كشعب عماني تابعنا خطاب سلطاننا الأبي وهو يتحدث فور تسلمه مقاليد الحكم يوم السبت الحادي عشر من شهر يناير المجيد عام ٢٠٢٠ وكان خطابًا مؤثرًا وصادقًا. خاصة عندما كان يعدد مناقب والدنا الراحل قابوس المعظم -طيّب الله ثراه-.

فقال جلالته وقلبه يعتصر حزنا على فراق باني النهضة العمانية الحديثة وسيد عمان: "لقد شاءت إرادة الله سبحانه أن نفقد أعز الرجال وأنقاهم المغفور له بإذن الله حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور- رحمه الله- رجلا لا يمكن لخطاب كهذا أن يوفيه حقه، وأن يعدد ما أنجزه وما بناه فلقد بنى دولة عصريّة شهد لها القاصي قبل الداني، وشيد نهضة راسخة تجلّت معالمها في منظومة القوانين والتشريعات التي ستحفظ البلاد وتنظم مسيرتها نحو مستقبل زاهر أراده لها وأقام بنية أساسية غدت محطة أنظار العالم وأسس منظومة اقتصادية واجتماعية قائمة على العدالة وتحقيق التنمية المستدامة وزيادة الإنتاج وتنويع مصادر الدخل مما أدى إلى رفع مستوى معيشة المواطن العماني وأقام هياكل ثابتة ودائمة للتعليم بجميع مستوياته وتخصصاته فنهلت منه الأجيال وتشرّبت علمًا ومعرفة وخبرة فجزاه الله خير ما جزى سلطانا عن شعبه وبلده وأمته وأنزله منازل الصالحين وجعل مثواه في جنات النعيم في مقعد صدق عند مليك مقتدر وهيأ لعمان أسباب العز والازدهار والتمكين .

نعم لقد رحل أعز الرجال ليكون هذا المصطلح مدخلا للفضائيات والأحاديث التي تتناقلها وسائل الإعلام المختلفة التي واكبت على مدار ثلاثة أيام كيف انتقلت السلطة بكل سلاسة وأريحية لتكون عبارة لقد رحل أعز الرجال وأنقاهم نقطة حوار حول هذا الراحل الذي أبهر العالم بحكمته وحنكته وطيب خلقه وعلو مكانته بين الأمم والشعوب.. رحم الله والدنا المعظم وفقيد الأمة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيّب الله ثراه-.

ونحن نودع والدنا بحزن شديد؛ نستقبل سلطانًا من بيت أصيل وسلالة عريقة جاء ليكمل المسيرة المظفرة؛ ونعاهده كشعب أن نمضي خلفه ونجدد العهد أن نكون أوفياء فسر بنا يا قائدنا المفدى فنحن ماضون خلفك لا شقاق ولا فتن.