دروس من مدرسة قابوس

 

محمد بن حمد البادي

إلى جنات الخلد سيدي السلطان المبجل، فلن ننسى أبداً ذلك الصوت الأبوي الحنون الذي سنفتقده إلى الأبد، والذي كان مطلعه دائماً ((أيها المواطنون الأعزاء))، ذلك الخطاب السامي الذي كنت تحضنا دائماً فيه على الحفاظ على الإنجازات التي تحققت، ومقدرات الوطن ومكتسباته، والذود عنه والعمل على رفعته وإعلاء شأنه، وأن نتمسك بمبادئ الدين الحنيف التي تقودنا إلى الخير والسلام.

سيدي السلطان المعظم لن ننسى كلماتك المضيئة التي خرجت من قلبٍ ينبض حباً بهذا الوطن، يوم أن أوصيتنا بأنفسنا وبهذا الوطن العزيز خيراً: ((فإن على كل مواطنٍ أن يكون حارساً أميناً على منجزات الوطن ومكتسباته، التي لم تتحقق ـ كما نعلم جميعاً ـ إلا بدماء الشهداء وجهود العاملين الأوفياء، وألا يسمح للأفكار الدخيلة التي تتستر تحت شعاراتٍ براقةٍ عديدةٍ أن تهدد أمن بلده واستقراره، وأن يحذُر ويُحَذّر من هذه الأفكار التي تهدف إلى زعزعة كيان الأمة، وأن يتمسك بمبادئ دينه الحنيف وشريعته السمحاء التي تحثه على الالتزام بروح التسامح والألفة والمحبة)).

 

 

 

إني أكاد أجزم أن أكثر من ثلاثة أرباع هذا الشعب لم يعش الأيام أو - على الأقل - السنوات الأولى من حكم جلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم رحمه الله، ولكن عودوا إلى الأرشيف، وافتحوا الصناديق المغلقة، وأخرجوا الملفات القديمة، وطالعوا الصور التي تكدست عليها الأتربة، عودوا أدراج خمسين عاماً، بالتحديد عام 1970م، وإنني هنا لست في معرض المزايدة على الوطنية والحب والوفاء لسيدي السلطان قابوس ـ طيب الله ثراه ـ ولكن لعمري إنّ رفقاء دربه في العسر واليسر الذين شاركوه بناء عمان لبنة لبنة، أياديهم بيده، خطواتهم بخطواته، ليلهم بليله، نهارهم بنهاره، طيلة خمسين عاماً، يوم أن كانت بلداً غبراء قاحلة، لا عمار فيها ولا ثمار، يوم أن كانت تعيش حالة من العزلة والجمود والفقر والأمية؛ لأكثر بكاءً، ولأشد بأساً وألماً ووجعاً، ولأغزر دمعاً على فراقه وفقده ـ رحمه الله ـ من أولئك الذي أتوا من بعدهم فوجدوها خضراء يانعة مثمرة، حصناً منيعاً، بهجةً للأنظار، قبلة الحكمة والسلام للعالم أجمع.

لقد أرسى ـ رحمه الله ـ دعائم دولة عظيمة راسخة البنيان، يشار إليها بالبنان، دولةً عصريةً، دولة المؤسسات والقانون، تحقق ذلك بإرادة صادقة من لدن جلالته، فقد سهر الليالي الطوال، وأخلص وتفانى في العمل، ومن خلفه ثلة من العاملين الأوفياء، مقتفين أثره، متتبعين خطاه نحو المجد، معاهدين الله على طاعته في المنشط والمكره، في العسر واليسر، صدق فيهم قول الله تعالى: ((مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)).

وحين استوفى رزقه، وبلغ أجله، بعد رحلة عظيمة من البناء والتعمير، دامت نصف قرنٍ من الزمان، انتقل ـ رحمه الله ـ إلى جوار ربٍ كريمٍ، غفورٌ رحيمٍ، فرحل عن عمان وهي منارةً شامخةً يشع منها نور العدل والسلام، وأضحت مضرب الأمثال في التطوير والعمران، وتعايش شعبها بالحب والوئام.

هكذا أرادها أن تكون وهكذا خطط وعمل وضحّى بصحته وشبابه وأفنى عمره في البناء والتعمير لتكونوا سعداء في أقرب وقت ممكن.

فكونوا عند حسن ظنه فيكم دائماً، فالعالم أجمع يرى في كل منكم (سلطاناً)، وفي قلب كل رجلٍ منكم (قابوس) السلام.

نحن اليوم جميعاً أمام أمانةٍ عظيمةٍ، ومسؤوليةٍ جسيمةٍ، إزاء الإرث العظيم الذي خلّفه لنا هذا السلطان العظيم، فعلينا المحافظة على مقدرات ومكتسبات هذا البلد، والحفاظ على أمنه وسلامته واستقراره، لنثبت للعام أجمع أننا على قدر المسؤولية، وأننا جديرون بالتضحيات التي قدمها لنا مولانا السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ طيّب الله ثراه ـ في سبيل بناء دولةٍ عصريةٍ رائدةٍ مزدهرةٍ، تواكب دول العالم المتقدمة في شتى المجالات، ولنكمل معاً مسيرة البناء من بعده بنفس النهج، بنفس العزم والإصرار الذي تعلمناه من حكيم العالم، يداً بيد، خطوة بخطوة نحو التقدم والنماء.

فإكراماً لهذا القائد العظيم ـ طيّب الله ثراه ـ وتقديراً واحتراماً له، وتخليداً لذكراه الطيبة، ووفاءً لمسيرته العطرة، وفخراً واعتزازاً بما حققه، ومن أجل أن تبقى عمان حرةً أبيةً كما أراد لها أن تكون، فإننا نقدم عهداً وولاءً دائمين لمن اختاره ـ رحمه الله ـ خلفاً له، حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ ليكمل مسيرة البناء والتعمير، نضع أيادينا جميعاً بيده، نبايعه على الطاعة في العسر واليسر، والمنشط والمكره، وسنكون له السند المتين، والناصح الأمين، معتصمين دائماً تحت قيادته بوحدة الصف والكلمة، والهدف والمصير، متجنبين كل أسباب الفرقة والشقاق، والتنابذ والتناحر، عاملين بقوله تعالى: ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)).

تعليق عبر الفيس بوك