عهد جديد

 

أنيسة الهوتية

تناقل الأسلاف أنَّ الأمطار البيضاء الباردة والخفيفة حين تنزل في وقت وفاة شخص معين، فإنها دلالة على أن ذلك الشخص كان قد فعل الخير الكثير في حياته، ورضي الله عنه وأرضاه، وبأمر الله تتنزل الملائكة من السموات السبع تبشره بـ"سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار"، ومع نزولها تخشع الغيوم البيضاء النقية فتهطل مطراً طيباً بارداً بأمر ربها حتى يطيب ثرى قبره ويكون "برداً وسلاماً".

ومع عدم اتفاق أهل العلم على ذلك لعدم وجود دلالات "وما أوتينا من العلم إلا قليلا".. إلا أني ما زلت أستحسنه على قول أن السماء كانت تبكي؛ لأنَّ فعليا السماء لا تبكي، بل هي تستهل لاستقبال أرواح الصالحين والأخيار بملائكة الرحمة، أو تنزل غاضبة بغيوم سوداء تبرق وترعد تكبيراً وتهليلاً لله وحده لا شريك له مع ملائكة العذاب وهم شداد غلاظ.

ومع علمنا بوجود منخفض جوي قادم في هذه التواريخ، إلا أن هذا المنخفض كان مختلفا، فلم يكن في السماء غيوم سوداء، إنما كان البياض لباساُ يواري زرقته الفاتحة نهارا والداكنة ليلاً، وفي تلك الليلة لم نسمع برقا أو رعدا سوى تلك الرياح التي وكأنها تهب من أجنحة الملائكة المبشرة لاستقبال روح شخص أفنى خمسين عاما من عمره لخدمة شعبه، وتمسك برسالة السلام التي هي منبع أساس كل الرسالات السماوية التي أنزلها الله تعالى إلى أنبيائه ورسله، حتى يتم قلع الشر من جذوره، ويزرع الخير ويحصد للناس أجمع. لرجلٍ كان مؤمنا بأن الموت والحياة بيد خالق الروح والكون والناس الجمع، ومؤمنا بأن السعادة هي في نشر الخير والسلام ومعاونة الناس. لرجلٍ عاش خمسين عاما سلطانا يمتلك المال والجاه، إلا أنه لم يستخدمه قط لنشر الفساد والفتن، ولم يشارك في حرب أو حمل في رقبته دماء الأبرياء.

لرجل عشق عُمان الوطن وترابها وبنى عليها نهضتها المباركة، وها هو اليوم ينام في حضن عمان وهي تواريه كأم حنون وتقول له: نم قرير العين يا بُني، فقد كنت ابناً باراً وتحملت الكثير وأرهقت كاهلك.

نعم، إنه الأب الذي عشقه كل مواطن عماني وبكته القلوب والأعين دمعا ودماً، ولو عاش فينا مائة عام ما كنا سنمل، ولكنها مشيئة الله تعالى ولا اعتراض على حكمه جل وعلا.

11 يوما من آخر بيان نزل إلينا يحمل لنا فرحة أن مولانا صاحب الجلالة قابوس بخير، إلى يوم خبر وفاته. وبتاريخ 11 يناير 2020 بدأت عُمان بسلطاننا صاحب الجلالة هيثم بن طارق بن تيمور حفظه الله ورعاه، الذي اختاره علينا وليا وراعيا وأمينا هو صاحب حكمة وذو عقل متين وذلك الاختيار بحد ذاته شهادة ودليل بأن عُمان انتقلت من أيدي أمينة إلى يد أمينة أيضًا.

وسلطاننا هيثم بن طارق -حفظه الله ورعاه- نحن نجدد له العهد والوفاء والولاء والسمع والطاعة، ولسنا نحن أمانته فقط، بل هو ووطننا عُمان أمانتنا أيضا وواجبنا كمواطنين أن نحمي الأمانة ونفتديه بالنفس والمال وكل غالي الأثمان، ونستمرُّ على ذات النهج دون انحياز، وألا نسمح للفتن والقلاقل بالدخول إلى البيت العماني لا من الأبواب ولا من النوافذ.

ستبقى عمان كما هي، وسنبقى نحن العمانيين كما نحن ماضين على عهدنا لقائدنا وسلطاننا هيثم بن طارق ما حيينا، وكتفك الكريمة التي حملت نعش حبيب قلوبنا لن تثقل بالهموم بإذن الله تعالى، وندعو الله أن يوفقك ويسدد خطاك ويبارك لك ويرزقك البطانة الصالحة البارة والعقول النيرة الذين سيكونون عدتك في مسيرتك القادمة المباركة بإذن الله تعالى، وكلنا نحن عمان وشعبها معك.