جلالته يؤكد في خطابه الأول الالتزام بتحقيق أماني الشعوب الخليجية

دعم ركائز "التعاون الخليجي".. نهج عُماني راسخ يتواصل مع تولي جلالة السلطان هيثم بن طارق مقاليد الحكم

 

الرؤية - مريم البادية

مسيرة حافلة بالعطاء والإنجاز غير المسبوق، قادها جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- صنع خلالها العديدَ من المنجزات التي لا تحصى، لكنَّ ثمة إنجازًا يتعين على الجميع الوقوف أمامه، والتأمل في أبعاده ودراسة نتائجه الإيجابية؛ فتأسيس مجلس التعاون لدول الخليج العربية، كان الحدث الأكثر أهمية في مطلع الثمانينيات من القرن الماضي؛ إذ كان لتأسيس هذا الكيان الإقليمي دور محوري في توحيد الكلمة الخليجية وبناء الصف ووحدته، لمواجهة التحديات التي تعصف بالمنطقة من آن لآخر، ومن أجل النهوض بدول المجلس، والارتقاء بها إلى مصاف الدول المتقدمة.

هكذا أرادتْ الحكمة السامية لجلالة السلطان الراحل أن تكون نهجا يسير على خطاه من يأتي من بعده، وهذا ما تأكد عندما أعلن حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق بن تيمور المعظم -حفظه الله ورعاه- التزامه بمواصلة العمل مع الأشقاء قادة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من أجل "الإسهام في دفع مسيرة التعاون بين دولنا لتحقيق أماني شعوبنا، ولدفع منجزات مجلس التعاون قدما إلى الأمام".

وفي هذا السياق، يؤكد المكرم الدكتور محمد بن حمد الشعيلي عضو مجلس الدولة، إنه ومنذ تولي جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -تغمده الله بواسع رحمته- مقاليد الحكم في البلاد عام 1970، وحرص الانفتاح على دول الخليج العربي وتأسيس علاقات مشتركة مع جميع دول المنطقة تقوم على أساس الاحترام المتبادل وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، رغم أن عُمان في بداية العقد الثامن من القرن الماضي كانت تواجه الكثير من التحديات الداخلية الجسيمة، إلا أنَّ ذلك لم يثنِه -رحمه الله- عن المضي قدما في تثبيت مكانة السلطنة بين دول المنطقة وتعزيز دورها الإيجابي؛ إيمانا من المغفور له بأن استقرار المنطقة سينعكس على استقرار الأوضاع الداخلية في دولها، وعلى الدفع بعجلة التنمية والتطوير لصالح شعوبها.

وأضاف الشعيلي لـ"الرؤية" أنه -رحمه الله- من الذين بادروا بالدعوة إلى تأسيس كيان مشترك يجمع دول الخليج العربية، وقد تجلى ذلك في قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية في العام 1981 في اجتماع أبوظبي، وللدلالة على الجهود التي بذلها -رحمه الله- في الدفع نحو قيام المجلس برفقة أخيه أمير الكويت الشيخ جابر الأحمد الصباح -رحمه الله- فقد تم اختياره -رحمه الله- لإلقاء أول كلمة رسمية بالنيابة عن إخوانه قادة دول المجلس، والتي عبر فيها عن أهمية هذا الإنجاز في الدفع نحو تعزيز العمل المشترك بين دول المجلس، وأهميته في تقوية الأواصر بين شعوبه، واستغلاله في خدمة قضايا الأمتين العربية والإسلامية.

وتابع الشعيلي أنَّه ومنذ ذلك الحين ظلت السلطنة تمارس دورها الفعال في خدمة المجلس والعمل على الارتقاء به نحو الأمام دائما، بفضل السياسة الحكيمة لفقيد الوطن الراحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه. وأوضح الشعيلي أنَّ السلطنة ظلت تحرص على تقريب وجهات النظر بين دول المنطقة وحلّ الخلافات بينها بالطرق السلمية والدبلوماسية، ووقفت إلى جانب الأشقاء الخليجيين في كل الظروف التي واجهت المنطقة؛ ومنها على سبيل المثال لا الحصر: موقفها الداعم لعودة الشرعية في الكويت إبان الاحتلال العراقي الغاشم لأراضيها في العام 1990م.

وضرب عضو مجلس الدولة المثل بفترة نشوب الأزمة الدبلوماسية بين بعض دول الخليج وقطر سنة 2017، وحرص السلطنة على أن تقف على مسافة واحدة مع الجميع في إيجاد حلول إلى الخروج من هذه الأزمة التي تعد من أخطر الأزمات التي واجهت مجلس التعاون منذ إنشائه في العام 1981، ووجه المغفور له بإذن الله كافة الأجهزة المعنية نحو تقريب وجهات النظر بين دول الخليج أملا في الوصول إلى قاعدة مشتركة للخروج من الأزمة الراهنة، وأخذت الدبلوماسية العمانية تتنقل بين دول المجلس استنادا إلى المبادئ الثابتة في السياسة العمانية التي تقوم على الحكمة وعلى نشر السلام بين الشعوب في كل زمان ومكان.

واختتم الشعيلي قوله إنَّه -رحمه الله- سطر الكثير من المواقف المشهودة التي لا يمكن حصرها في إنجاح الكثير من المشاريع التنموية المشتركة بين دول الخليج، وكان -رحمه الله- من أوائل الذين طالبوا بتأسيس قوة عسكرية مشتركة بين دول المنطقة، والتي ترجمت فيما بعد إلى أرض الواقع تحت مسمى قوات درع الجزيرة.

من جهته، قال عوض بن سعيد باقوير صحفي ومحلل سياسي، إنَّ جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- لعب دورا كبيرا في تأسيس منظومة مجلس التعاون الخليجي، وكان له دور بارز في دفع العمل الخليجي المشترك، علاوة على إيجاد مقاربة سياسية بين دول المجلس وإيران، ولعل القمم الخليجية في مسقط كان لها دور مهم في دفع العمل الخليجي، خاصة على صعيد الاتفاقية الاقتصادية والأمنية، كما كان -رحمه الله- صوت الحكمة في حل الخلافات بين الأشقاء؛ وذلك من خلال حكمته وواقعيته السياسية. وذكر باقوير أن مجلس التعاون شهد في السنوات الأولى تطورا كبيرا في دفع العمل الخليجي المشترك، وكانت سياسة السلطنة التوافقية تنسجم مع تطلعات دول الخليج في إقامة منظومة أمنية ليحل السلام والاستقرار في هذه المنطقة الحساسة من العالم.

وأضاف باقوير أنه وخلال الأزمة الخليجية الراهنة كان للسلطان الراحل دور مهم في نزع فتيل الخلاف، علاوة على جهوده في ملف الحرب اليمنية، وضرورة إيجاد مقاربة سياسية لحل أزمات المنطقة من خلال حوار إيراني خليجي، ومن هنا فإن إسهامات جلالة السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور -طيب الله ثراه- في دعم منظومة مجلس التعاون والأمن والاستقرار في المنطقة سوف تظل علامة فارقة في تاريخ المنطقة الحديث.

تعليق عبر الفيس بوك