< العمري: إشارات واضحة على تحسن النمو الاقتصادي مع تراجع العجز المزدوج
< التيسير النقدي الأمريكي "تطور مرحب به" من السلطنة
< التدابيرالمعاكسة للدورة الاقتصادية عززت قوة المصارف بالسلطنة
< "إطار الإنقاذ والحل" ينسجم مع أفضل الممارسات العالمية
< المؤسسات المالية في السلطنة تتمتع بالمرونة تجاه "التحديات المعقولة"
< النظام المالي الكلي يحظى بدرجة عالية من ثقة الأطراف المعنية
< النمو القوي يسهم في تعزيز السيولة المحلية ودعم زيادة الودائع والائتمان المصرفي
أكد سعادة طاهر بن سالم العمري أنَّ هناك إشارات على تحسُّن اقتصاد السلطنة من فترة التراجع التي شهدها مؤخراً، حيث وصل حجم الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في العام 2018 إلى أعلى مستوى له منذ العام 2014م. كما سجل الناتج الحقيقي نموًّا في العام 2018م؛ وذلك بعد تراجع محدود خلال العام 2017م بسبب انخفاض حجم النشاط في قطاع الإنشاءات وتخفيض السلطنة لإنتاجها من النفط الخام بموجب الاتفاق بين الدول الأعضاء في أوبك ومنتجين مستقلين، وأدَّى انخفاض العجز في كلٍّ من الميزانية العامة والحساب الجاري بشكل كبير في العام 2018 إلى التخفيف من العجز المزدوج بشكل ملحوظ، كما وصل فائض الميزان التجاري إلى أعلى مستوى له منذ أربع سنوات.
وأوضح سعادته -في كلمته الافتتاحية في التقرير السنوي الذي يُصدره البنك المركزي سنويًّا- حول وضع الاستقرار المالي في السلطنة، أنَّ العمل يجري على مزيد من الإصلاحات في مجال الضبط المالي، وتنويع الإيرادات الحكومية، وتحسين بيئة ممارسة الأعمال، والنمو المعتمد على القطاع الخاص، مشيرا إلى قيام السلطنة بالفعل بتطبيق ضريبة انتقائية على سلع مختارة، وتعديل اللوائح التنفيذية لقانون ضريبة الدخل، كما تمَّ إصدار قوانين جديدة للشركات التجارية، والإفلاس، والتخصيص والشراكة بين القطاعين العام والخاص. علاوة على إصدار قانون استثمار رأس المال الأجنبي، والذي يُتوقع أن يعزز الاستثمار الأجنبي المباشر ويزيد من خلق فرص العمل في القطاع الخاص.
الرؤية - نجلاء عبدالعال
وأكَّد أنَّ أسعار النفط واصلت خلال العام 2018 تقديم الدعم اللازم للاقتصاد العُماني بفضل تجاوزها المستويات المفترضة في الميزانية، كما يُعتبر التيسير النقدي من قِبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي تطوراً مرحباً به بالنسبة للسلطنة؛ فمن المتوقع أن يُسهم الانخفاض الذي أعقبه في أسعار الفائدة على أدوات السياسة النقدية في السلطنة وبقية دول مجلس التعاون في تسريع وتيرة التعافي الاقتصادي في السلطنة ومنطقة مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
وشدَّد أنه مع الإدراك بالحاجة إلى مواصلة المساعي الهادفة لتحقيق مزيد من الإصلاحات؛ فلا يُمكن إنكار التقدم الذي تم إحرازه على صعيد الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تم إطلاقها بعد هبوط أسعار النفط. وضمن هذا السياق، فإن تطبيق برنامج "تنفيذ" -والذي يركز على التنويع الاقتصادي واجتذاب الاستثمارات الأجنبية المباشرة- يسير بخطى ثابتة.
أمَّا عن القطاع المصرفي في السلطنة، فأوضح أنه يتمتع بالمتانة في ظل نوعية ملائمة من الأصول وتوافر مستويات مواتية من رؤوس الأموال. وأن البنوك العاملة في السلطنة تمكنت من تسجيل مستويات معقولة من الأرباح سمحت لها بمواصلة النمو الطبيعي وتعزيز الاحتياطيات الوقائية من رأس المال، كما ظل القطاع المصرفي يتمتع بالسيولة اللازمة مع بقاء كلٍ من نسبة تغطية السيولة ونسبة صافي التمويل المستقر أعلى من المتطلبات التنظيمية، وإلى جانب الآثار الخارجية الإيجابية لتجاوز أسعار النفط لمستوياتها المفترضة في الميزانية العامة للدولة؛ فقد ساعدت التدابير المعاكسة للدورة الاقتصادية التي تبناها البنك المركزي العُماني في بداية عام 2018، المصارف على البقاء في وضع قوي رغم ارتفاع أسعار الفائدة في العام 2018، والتحديات التي فرضتها الظروف التشغيلية.
وقال: تعلمنا من أوقات الأزمات أن نبقى يقظين، وأن نطور الأنظمة والإجراءات التي تجعلنا على استعداد مسبق للتعامل مع التحديات، والأهم من ذلك القدرة على التعافي السريع في حال حدوث صدمة بالفعل. ويأتي إطار الإنقاذ والحلّ للمؤسسات المصرفية بالسلطنة، والذي تم إصداره مؤخراً، كخطوة من خطوات عديدة تعكس عزيمتنا لتحسين مستوى جاهزيتنا وتعزيز إطارنا التنظيمي والإشرافي انسجاماً مع أفضل الممارسات العالمية والتطورات الحديثة في الصناعة المصرفية.
ورغم حقيقة أنَّ أسعار النفط ستظل هي المحدد الرئيسي للأوضاع في المدى القصير، فإنَّ استقرار القطاع المالي في السلطنة في المستقبل يتوقف على التطورات الملموسة على الصعيد الاقتصادي. وضمن هذا السياق، تُعتبر حالة السياسة النقدية للاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، وتطور التوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، والتطورات الجيوسياسية في المنطقة هي العوامل الرئيسية الأخرى بالنسبة للاستقرار المالي. ومع ذلك، تشير اختبارات التحمل التي أجريناها على مستوى السيولة والملاءة، إلى أن المؤسسات المالية في السلطنة تتمتع بالمرونة تجاه أية مستويات معقولة من التحديات.
وقد قُمنا مطلع العام 2018، باتخاذ سلسلة من التدابير الهادفة لإعادة ضبط اللوائح التنظيمية؛ مما يدل على توافر القدرة والإرادة والعزيمة لاتخاذ التدابير اللازمة لتعزيز قدرة البنوك على دعم النمو في القطاع الحقيقي وجهود التنويع الاقتصادي دون الإخلال بالاستقرار المالي. وسنبقى ملتزمين ببذل أقصى الجهود للمساهمة في رفعة السلطنة من خلال الحفاظ على الاستقرار والكفاءة في القطاع المالي.
وتضمَّن التقرير مؤشرات للوضع المالي خلال العام 2019؛ منها: أن مسح المخاطر النظامية يشير إلى أن النظام المالي الكلي بالسلطنة لا يزال يحظى بدرجة عالية من ثقة الأطراف المعنية؛ حيث أظهر المسح الذي تم إجراؤه في العام 2019م أن حوالي 70% من المستجيبين كانوا على الأقل "واثقين إلى حدٍّ ما" بخصوص النظام المالي الكلي في السلطنة، موضحا أن من شأن القوانين واللوائح التنظيمية الجديدة أن تمهّد الطريق أمام الإصلاحات المالية والاقتصادية.
كذلك، فإنَّ "مصفوفة إدراك المخاطر النظامية" المستحدثة أظهرت أنه من بين 18 حدثاً افتراضيًّا تم تقييم خطورتهم المتوقعة من قِبَل المستجيبين لمسح عام 2019، فإنَّ هناك ثلاثة مخاطر نظامية فقط يمكن اعتبارها "ذات خطورة متوقعة شديدة الارتفاع"، وهي: "التغيرات غير المواتية في أسعار النفط"، و"ارتفاع عجز الميزانية والدين الخارجي"، و"انخفاض احتياطيات السلطنة من العملة الأجنبية".. ويُحتم ذلك أن تنال هذه المخاطر النظامية أكبر قدر من اهتمام صُنّاع السياسة.
وذكر التقرير أن النمو القوي أدى إلى تعزيز السيولة المحلية ودعم نمو الودائع والائتمان المصرفي؛ مما وفَّر الدعم اللازم للقطاع المالي في السلطنة. ومع ارتفاع الادخار، تقلصت فجوة الادخار-الاستثمار، وانعكس ذلك بشكل إيجابي على وضع القطاع الخارجي للسلطنة. وواصلت أسعار الفائدة المحلية ارتفاعها خلال العام 2018م؛ اتساقاً مع تشدد السياسة النقدية في الولايات المتحدة الأمريكية خلال العام، كما لا يزال نظام سعر الصرف الثابت يوفر أداة تثبيت اسمية فعالة، وأسهم في تراجع معدلات التضخم خلال العام.
ولكنه -التقرير- أكد أنه على الجانب الآخر -ورغم التراجع الملموس في العجز المزدوج في كلٍّ من الميزانية العامة والحساب الجاري خلال العام 2018- إلا أنه لا يزال ينذر بالخطر نظراً لزيادة العجز غير النفطي في كلٍ من الميزانية العامة والحساب الجاري خلال العام 2018، وفيما يخص الاحتياطيات الأجنبية، أوضح أن صافي الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي العُماني ظل عند مستوى مطمئن؛ مما وفر قدراً كافياً من تغطية الواردات وأسهم في دعم نظام سعر الصرف الثابت.
وبشكل عام، تبدو الآفاق الاقتصادية الكلية للسلطنة مطمئنة في الأجل القصير، أما على المدى المتوسط، فتبرز الحاجة الماسة إلى تسريع وتيرة التنويع الاقتصادي والاستمرار في الإصلاحات المالية من أجل احتواء مواطن الضعف تجاه العوامل الخارجية والحفاظ على الاستقرار المالي الكلي في الاقتصاد العُماني.
السيناريو المالي الكلي
وحول السيناريو المالي الكلي، أكد التقرير أنَّ التعافي في أسعار النفط وارتفاع إنتاج الغاز أدَّيَا إلى تسجيل نمو أسمي مرتفع مدفوع بالأنشطة النفطية تحول النمو الحقيقي السالب في 2017م، إلى نمو موجب في العام 2018م، يهيمن الإنفاق الاستهلاكي على الطلب الكلي، كما أن فجوة الادخار-الاستثمار بدأت تضيق لا يزال العجز المزدوج مستمراً، لكنه شهد تراجعاً ملحوظاً على مدى العامين الماضيين. وعلى الرغم من ذلك، استمر ارتفاع كل من العجز المزدوج غير النفطي والدين الحكومي، وانخفض عجز الميزانية العامة من 3.76 مليار ريال عُماني في العام 2017م إلى 2.65 مليار ريال عُماني في العام 2018م، وهو ما يُعزى بشكل رئيسي إلى التحسن الملحوظ في أسعار النفط خلال العام 2018م، وأدى ذلك إلى تراجع نسبة العجز المالي إلى الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 5.1 نقطة مئوية لتبلغ 8.7% من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2018م. أما العجز الأولي غير النفطي في الميزانية العامة، فقد ارتفع بمقدار 244 مليون ريال عُماني في عام 2018، لترتفع نسبته من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي من 41.9% في العام 2017 إلى 42.3% في العام 2018.
وذكر أنَّ الحساب الجاري للسلطنة شهد في العام 2018 أكبر تحسن سنوي به منذ عام 1980. فقد انخفض العجز فيه بمقدار 2.55 مليار ريال عُماني، من 4.22 مليار ريال عُماني في العام 2017 إلى 1.67 مليار ريال عُماني في عام 2018، لتتراجع نسبته من الناتج المحلي الإجمالي بمقدار 10 نقاط مئوية من 15.5% عام 2017م إلى 5.5% عام 2018. وعلى الرغم من ذلك، فقد زاد عجز الحساب الجاري غير النفطي بمقدار 570 مليون ريال عُماني، ليصل إلى 12.16 مليار ريال عُماني (بما يعادل 64.1% من الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي) في العام 2018. ولا يزال مستوى الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي العُماني كافياً لتوفير الحماية لنظام سعر الصرف الثابت ولتغطية الواردات بنهاية عام 2018، وبلغ صافي الاحتياطيات الأجنبية للبنك المركزي العُماني حوالي 6 مليارات ريال عُماني، مقارنة مع 5.26 مليار ريال عُماني في نهاية 2017. وجعل ذلك هذه الاحتياطيات كافية لتغطية الواردات السلعية لفترة 7-9 أشهر، ولتغطية إجمالي الواردات من السلع والخدمات لفترة 3-5 أشهر، فضلاً عن تغطية إجمالي المدفوعات في الحساب الجاري لفترة 3.6 أشهر.
عبء الدين الحكومي
لكن استمر عبء الدين الحكومي في الارتفاع خلال العام 2018. فقد ارتفع إجمالي الدين الحكومي (بشقيه قصير الأجل وطويل الأجل) إلى 14.76 مليار ريال عُماني، بنسبة 48.4% من الناتج المحلي الإجمالي. وضمن هذا الإجمالي، وصل الدين الخارجي إلى 11.8 مليار ريال عُماني، بنسبة 38.7 % من الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار التقرير إلى تحقيق نمو قوي في القاعدة النقدية وعرض النقود بمعناه الواسع استجابة للتعافي الاقتصادي؛ حيث واصل عرض النقود بمفهومه الواسع (M2) مساره التصاعدي، استجابة لتنامي الطلب على النقود نتيجة التعافي الاقتصادي؛ إذ ارتفع بمعدل 8.3% سنويًّا في العام 2018م. كما تعافت القاعدة النقدية (نقود الاحتياطي) من التباطؤ المؤقت الذي شهدته في عامي 2016 و2017 وسجلت نموًّا بمعدل 11.6% في العام 2018، وهو ما يعد محصلة لارتفاع صافي الأصول الأجنبية لدى البنك المركزي العُماني بحوالي 740 مليون ريال عُماني مع تراجع صافي أصوله المحلية بحوالي 302 مليون ريال عُماني. كما شهد المضاعف النقدي لعرض النقود بمفهومه الواسع تراجعاً طفيفاً من 4.3 في العام 2017 إلى 4.1 في 2018.
