هل تزيح العملات الرقمية الدولار عن عرشه؟

ترجمة- رنا عبدالحكيم

تقرير اقتصادي أعدته جيتا جوبيناث كبيرة خبراء الاقتصاد في صندوق النقد الدولي

 

شهدت النقاشات العالمية حول المستقبل المالي تغيرات كبيرة خلال الأشهر الستة الماضية منذ أعلن عملاق التواصل الاجتماعي "فيسبوك" عن خططه لإطلاق عملة رقمية، وبينما تضاءلت آفاق "ليبرا" عملة فيسبوك الرقمية "الخاصة"، فإن البنوك المركزية الرئيسية تدرس ما إذا كانت هناك حاجة للعملات الرقمية "العامة" لسد الفجوة في احتياجات الدفع بالتجزئة.

ويشير بعض المحللين إلى أن إضافة عملات رقمية خاصة ومدعومة من قبل البنوك المركزية يمكن أن توفر الصدمة المتوقعة، الطويلة ولكنها بعيدة المنال، والتي أخرجت الدولار الأمريكي أخيرًا من هيمنته على عقود من الزمن في التجارة والتمويل العالميين. ويمكن أن تصبح هذه التطورات التكنولوجية أيضًا مكونًا لـ"عملة هيمنة اصطناعية" (سلة عملات رقمية احتياطية) كما اقترح مؤخرًا محافظ بنك إنجلترا المركزي السابق مارك كارني.

وهذه الاحتمالات المثيرة للاهتمام غير محتملة على المدى القريب. وربما تكون التحسينات في تقنية الدفع قد خفضت من تكلفة التحويل من النقد إلى الدفعات الرقمية، ولكن لا يوجد سوى القليل من الأدلة على أنها فعلت الكثير لتقليل نفقات الانتقال بين العملات. فهذه التكاليف غير مالية. لقد أبقت التصورات السائدة عن سلامة واستقرار الدولار على هيمنته على النظام النقدي الدولي منذ عقود.

ويحتفظ الدولار بأدوار معززة بقوة في تحرير الفواتير التجارية - فهو يمثل خمسة أضعاف حصة الولايات المتحدة في التجارة العالمية  والخدمات المصرفية العالمية. لقد أحدثت هذه تأثيرات كبيرة على الشبكة: كلما زاد عدد الأشخاص الذين يستخدمون الدولار، كلما زاد فائدة ذلك على الجميع. وقد تم تعزيز هذا الأمر مع قيام الأسواق الناشئة، التي تعتمد بشكل كبير على الدولار، بزيادة حصتها من النشاط الاقتصادي العالمي. وتبلغ حصتها من الناتج المحلي العالمي الآن 60%.

ولا تتطرق تقنيات الدفع مقدما إلى القضايا الأساسية المتعلقة بما يلزم لتكون عملة احتياطية عالمية. فاليورو، الذي كان المنافس الرئيسي لاستبدال الدولار على مدار العشرين عامًا الماضية، كان تأثيره على هيمنة الدولار متواضعا في أحسن الأحوال، بسبب التفتت المالي وعدم كفاية تقاسم المخاطر المالية والتقدم البطيء في إطار الحوكمة في منطقة اليورو. كما أن عدم اليقين بشأن الاستقرار طويل الأجل لمنطقة اليورو لا يساعد. ومن الصعب تخيل كيف ستعالج التكنولوجيا هذه القضايا.

ويتعزز وضع الدولار من خلال المؤسسات وسيادة القانون وحماية المستثمرين الموثوقة التي يُنظر إليها على أنها توفر الأمان لحاملي العملة الخضراء. ومجرد زيادة عرض عملة بديلة لن يكون كافياً للتغلب على هذه الاعتبارات. وحققت الجهود الصينية لتحويل اليوان إلى عملة دولية نجاحًا محدودًا، على الرغم من الدعم السياسي والسيولة الكبيرة من خلال اتفاقيات المبادلات الثنائية مع أكثر من 30 بنكا مركزيا.

وعندما تواجه الحكومات والمستثمرين والمتداولين خيارات العملة الرقمية، فمن المحتمل أن يعيدوا تقييم العملة المستخدمة في المعاملات عبر الحدود. ولا يعتمد اختيارهم على العديد من العوامل نفسها كما كان في الماضي مثل السيولة والاستقرار وقابلية التحويل، لكن أيضًا على المخاوف الجديدة؛ مثل: التفوق التكنولوجي للبلد المُصدِّر. ويمكن أن تصبح هذه المشكلة الأخيرة عاملاً حاسماً، بالنظر إلى المخاوف المشروعة بشأن الخصوصية والأمان من خلال الأموال الرقمية.

وعلى الرغم من الآمال الكبيرة، من الصعب أن نرى كيف يمكن للتكنولوجيا تسريع إنشاء "عملة هيمنة اصطناعية". ولا تزال العقود التجارية والمالية مقومة بأغلبية ساحقة بعملة واحدة، بدلاً من سلة من العملات. وبالنسبة لمثل هذا البديل، سيتعين على البنوك المركزية، التي تقوم عملاتها الأساسية عليها، التنسيق المشترك لضمان استقرارها وتقليل المخاطر المتصورة. لكن يمكن أن تتعارض الاحتياجات العالمية مع أهداف السياسة النقدية في الداخل، مما يقلل بشكل كبير من جاذبية قيادة العملات الاحتياطية للمشاركة.

ويحتاج النظام النقدي الدولي إلى بذل مزيد من الجهود، من خلال إجراءات أرخص وأسرع عبر الحدود. ففي الوقت الحالي، لا تزال التحويلات المالية عبر الحدود بطيئة ومكلفة ومرهقة لأولئك الأقل قدرة على تحملها. لكن التكنولوجيا يمكن أن تحقق مكاسب سريعة هنا وتحسين الشمول المالي. وإدراكًا لإمكاناتها ومخاطرها، طلبت مجموعة العشرين من صندوق النقد الدولي النظر في الآثار الاقتصادية الكلية لعوامل الاستقرار العالمية.

ومن المتوقع أن يستفيد العالم أيضًا من نظام أكثر توازناً يكون فيه لليورو واليوان الصيني دور أكبر، بيد أن التكنولوجيا لا يمكن أن تحل هذه المشكلة وحدها؛ إذ يتطلب الأمر تطوير المؤسسات القديمة لتحسين بنية منطقة اليورو وقدرتها على التحمل، ومؤسسات محلية أقوى ومزيد من تحرير الأسواق في الصين.

تعليق عبر الفيس بوك