اتفاقية التغير المناخي.. ماذا يعنينا منها؟

 

علي بن سالم كفيتان

أسدل الستار في ديسمبر الماضي عن قمة المناخ المنعقدة في العاصمة الإسبانية مدريد التي تعمل على تطبيق اتفاق باريس 2015، الذي وقَّعت عليه 193 دولة وانسحبت منه الولايات المتحدة الأمريكية مُؤخراً ولعله من البديهي التذكير بأنَّ أهم الأهداف التي تسعى لها اتفاقية الأمم المُتحدة لتغير المناخ هو التقليل من الانبعاثات الغازية التي وصلت إلى مرحلة قياسية وأدت إلى ارتفاع درجات حرارة الأرض بما يُعادل 3 درجات مئوية في شتاء القطب الشمالي مُقارنة بعام 1990 وهذا أدى بدوره إلى زيادة ارتفاع منسوب البحار والمُحيطات وغزوها لليابسة التي يستوطنها البشر ناهيك عن تضاعف مستويات تلوث الهواء نظير انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون وما ترتب على ذلك من أضرار صحية طالت الإنسان والبيئة في جميع قارات العالم.

يرجع العلماء ظاهرة الاحترار العالمي إلى زيادة حرق الوقود الأحفوري الذي يؤدي إلى انبعاث كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون إلى الجو الخارجي فتنحبس تلك الغازات وتساهم فيما بات يُعرف بظاهرة الدفيئة العالمية أي زيادة درجات حرارة الأرض بشكل مضطرد وخارج عن المألوف وصاحب ذلك حدوث كوارث بيئية أودت بحياة آلاف البشر وشردت الملايين من مناطق سكناهم المعتادة وخلقت واقعاً جديداً تسبب في نشوء الصراعات على الموارد وعلى الأماكن الآمنة من خطر تغير المناخ العالمي.

السؤال الأكثر إلحاحًا هو... من المتسبب الرئيسي بظاهرة التغير المناخي؟ ومن عليه دفع تكلفة الأضرار الناجمة؟ تذهب بعض الفرضيات إلى أنَّ هذه الظاهرة مفتعلة ولا توجد أصلاً على أرض الواقع والقصد منها هو سحب موارد الأمم النامية وتحميلها فاتورة وهمية لصالح دول العالم المتقدمة علمياً وتكنولوجياً وأصحاب هذه الفرضية لا يؤمنون كذلك بأنَّ أحداً قد وصل إلى سطح القمر ويكذبون الكثير من الحقائق العلمية، وفي هذا الإطار نجد أن عدداً من الدول النامية غير مُهتمة بهذا الشأن رغم أنها تُكابد العواصف والأعاصير وموجات الجفاف والمجاعات على نحو غير مسبوق.

وهناك من يعترف بالمشكلة في بلدان العالم النامي ويرون تبعاتها الوخيمة عليهم إلا أنهم يدفعون بأنهم ليسوا من تسبب بها وبالتالي فهم غير معنين بدفع أي تكاليف لإصلاح ما أفسدته الاقتصاديات الجشعة ويضغطون بأن تتحمل الدول الغربية ضريبة ما اقترفته تجاه الكرة الأرضية طيلة قرن من الزمن ولكون تلك الأمم لا تمتلك قوة الضغط السياسي والاقتصادي الكافي فإنَّ مساعيها لم يكتب لها الصمود وظلت تتأرجح مواقفها بين مؤيد ورافض لتحمل ضريبة تغير مناخ العالم.

في حين تنظر كل من الصين والهند وبقية الاقتصادات الصاعدة بحذر شديد لأي اتفاق بحيث تُحافظ على نموها وفي ذات الوقت لا ترغب في إغضاب العالم الغربي الداعي لإجراءات صارمة تهدف لوقف انبعاثات ثاني أكسيد الكربون خلال 12 سنة في دول الاتحاد الأوروبي مثلاً وخفض 45% من الانبعاثات العالمية خلال عقد واحد فقط والوصول إلى صفر من الانبعاثات بحلول 2050، وتثبيت معدل ارتفاع درجات حرارة الأرض عند درجتين مئويتين، والخوف الذي ينتاب تلك الدول يكمن في فرض رسوم وضرائب كبيرة على منتجاتها في حال عدم استجابتها وهذا يجعل مؤشرات النمو تتهاوى إلى الأسفل لذلك تجدهم يتمسكون بشعرة معاوية فهم موافقون على دفع الضريبة لكنهم غير مستعدين لتقليل الانبعاثات.

إن تبني الاتحاد الأوروبي لاتفاقية الأمم المتحدة لتغير المناخ منحها زخماً قوياً إلا أن انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية منها شكل ضربة قاصمة فتنفست الصين والهند الصعداء وظلت روسيا تُراقب الوضع ولديها من الأسباب الكثير لإعادة النظر في التزاماتها المُستقبلية. وهنا نتساءل وما الذي يعنينا في السلطنة؟ ونجيب بأن موقع السلطنة الجغرافي صنف ضمن الدول الأكثر تضرراً بمتغيرات المناخ العالمي ولذلك يجب أن تكون المُعالجة والتكيف مع التغيرات المناخية ضمن الأولويات الوطنية خلال المرحلة المقبلة.