"وجوه الشارع" في مواجهة "وجوه السُلطة"

درس 2019: للتغيير وجوه كثيرة

...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...
...

 

الرؤية - هيثم الغيتاوي - الوكالات

بين الخلع والعزل والاستقالة والموت؛ عشرة وجوه على كراسي السلطة، كانت على موعد صعب مع "سُنة الحياة" في 2019؛ خاضعين لأسباب قدرَية أو مهزومين في منافسات سياسية أو مُجبرين أمام ضغط المظاهرات.. "الوجه الشعبي للتغيير"؛ في أكثر من عاصمة.

في السودان والعراق والجزائر ولبنان؛ كانت وجوه المتظاهرين أكثر وضوحا في المشهد؛ مقارنة بوجوه مَن اطمأنوا لسيطرتهم على مقاعد السلطة؛ حتى جاءتهم عاصفة الشارع من حيث لم يحتسبوا. أطاح المتظاهرون بالرئيس السوداني عمر البشير والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ورئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري ورئيس الحكومة العراقي عادل عبد المهدي، بل وبالرئيس العراقي برهم صالح؛ الذي اضطر إلى تقديم استقالته "تحت تصرف البرلمان".

وبينما كان الموت أسرع إلى الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي من المتظاهرين والخصوم السياسيين؛ والقتل من نصيب قائد "العرش الوهمي"؛ "خليفة الإرهابيين" أبو بكر البغدادي؛ كان الفشل في ملف "بريكست" سببا في غياب تيريزا ماي عن المشهد البريطاني؛ وفي الطريق إليها.. تستعد المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للغياب "نصف الطوعي" عن المشهد هي الأخري؛ تحت تأثير أزمات صحية ومنافسة سياسية "أكلت جزءا من عرشها" في 2019. أما الرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيعبر بـ "مصيره المُعلّق" إلى العام الجديد؛ بين احتمالات العزل؛ و"لوغاريثمات" انتخابات جديدة قد تفاجئ العالم برحيله؛ كما فاجأته سابقا بوصوله إلى كرسي الحكم.

 

العراق: وجهان في العاصفة

 

في العراق اندلعت شرارة الاحتجاجات الشعبية، مع مطلع شهر أكتوبر، مطالبة بتغيير الطبقة الحاكمة في العراق، والنظام السياسي الذي يستند إلى الطائفية، وهي الاحتجاجات التي أدت إلى استقالة رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، في 30 نوفمبر، وما تزال متواصلة حتى الآن، بانتظار تسمية رئيس وزراء جديد للبلاد، في وقت يطالب فيه المحتجون بتغيير شامل في منظومة الحكم.

ومع تصاعد الاحتجاجات، اضطر الرئيس العراقي برهم صالح إلى وضع استقالته تحت تصرف البرلمان، وقال في خطاب موجه إلى مجلس النواب، إنه "يفضل الاستقالة على تكليف مرشح يرفضه المحتجون بتشكيل الحكومة"، في إشارة إلى أسعد العيداني.

ورغم انقضاء 90 يوما، لا تزال التظاهرات الاحتجاجية متواصلة في العراق، والأصوات لا تزال تتعالى في ساحات وميادين بلاد الرافدين لتحقيق مطالب الحراك، حيث يواصل متظاهرون غاضبون قطع طرق رئيسية وجسور، بالإضافة إلى وقف العمل في حقول نفطية، ويتوافد عدد كبير من المتظاهرين إلى ساحة التحرير وسط بغداد لدعم المحتجين هناك. وفي بغداد أحرق متظاهرون العلم الإيراني ورددوا شعار "إيران بره بره، بغداد تبقى حرة"، الذي أصبح طابعاً في الاحتجاجات ضد الفساد والتدخلات الخارجية.

 

لبنان: صوت الشارع أعلى من صوت الطوائف

 

وفي لبنان فقد كان السيناريو مشابها بدرجة كبيرة للسيناريو العراقي، إذ انطلقت هناك في السابع عشر من أكتوبر، مظاهرات ضد الطبقة السياسية الحاكمة أدت إلى استقالة رئيس الوزراء سعد الحريري، في 29 أكتوبر، وتكليف حسان دياب في 19 ديسمبر، بتشكيل حكومة جديدة. وما يزال حسان دياب يسعى لتشكيل حكومته، وسط مخاوف من تأثيرات كبيرة، لعدم الاستقرار السياسي على الاقتصاد اللبناني على وجه الخصوص.

وقد كان الحراك الشعبي في لبنان خلال 2019 فريدا من نوعه، فلأول مرة تخرج مظاهرات من مختلف الطوائف تنادي برحيل النخبة السياسية وإنهاء المحاصصة الطائفية. وفي الشوارع تظاهر اللبنانيون بجميع طوائفهم وبمختلف أعمارهم. وكانت الحواجز تحترق في بيروت في أول أيام التظاهر، فيما صارت الأجواء أشبه بالعيد في الأيام التي تلت ذلك. وشملت الاحتجاجات جميع أنحاء البلاد – بما في ذلك المناطق التي تقع ضمن نفوذ "حزب الله" الشيعي أو مناطق نفوذ رئيس الوزراء السني سعد الحريري.

 

السودان: في البدء كان الخُبز

 

وفي السودان، خرجت المظاهرات في ديسمبر 2018 احتجاجا على ارتفاع أسعار الخبز التي زادت بعد أن ألغت الحكومة الدعم الذي كانت تقدمه في هذا الصدد، ثم تصاعد الأمر في فبراير2019 بإعلان الرئيس السوداني عمر البشير حالة الطوارئ وإقالة الحكومة وولاة الولايات في محاولة لإنهاء أسابيع من الاحتجاجات ضد نظام حكمه، حتى انقلبت الدفة في أبريل 2019 بإعلان الجيش الإطاحة بالبشير وشروعه في محادثات مع المعارضة بشأن الانتقال إلى الديمقراطية للبدء في مسار تغيير باتجاه حكم مدني، وإن لم يمنع ذلك القوات الأمنية من فتح النار على المحتجين وقتل 87 شخصا، على الأقل. وفي سبتمبر 2019 تشكلت حكومة جديدة برئاسة عبد الله حمدوك، كجزء من اتفاق لتقاسم السلطة لثلاث سنوات بين الجيش وممثلين مدنيين وجماعات المعارضة.

 

الجزائر.. لعنة بوتفليقة تُلاحق خلفاءه

 

وبين استقالة الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ووفاة قائد أركان الجيش أحمد قايد صالح قائد المرحلة الانتقالية؛ جرت في نهر السياسة الجزائرية مياه كثيرة؛ منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية ضد العهدة الخامسة للرئيس بوتفليقة، الذي حكم البلاد من أبريل 1999 لغاية استقالته تحت ضغط الشارع والجيش في 2 أبريل؛ وصولا إلى إعلان انتخاب عبد المجيد تبون رئيسا جديدا في 12 ديسمبر.

وتواصلت حالة الغليان في الشارع الجزائري رافضا للانتخابات الرئاسية التي أسفرت عن انتخاب تبون؛ المقرب من سلفه عبد العزيز بوتفليقة، في اقتراع اتسم بنسبة مقاطعة قياسية؛ وبأدنى نسبة مشاركة في كل الانتخابات الرئاسية في تاريخ الجزائر. وهي أقل بعشر نقاط من تلك التي سجلت في الاقتراع السابق وشهدت فوز بوتفليقة بولاية رابعة في 2014. واحتشدت جموع  المتظاهرين بالعاصمة، مرددين "الله أكبر، الانتخاب مزور" و"الله أكبر نحن لم نصوت ورئيسكم لن يحكمنا". وحمل البعض لافتات كتب عليها "ولايتك يا تبون وُلدت ميتة" و"رئيسكم لا يمثلني" "أسوأ من بوتفليقة". كما سخر مدونون من "رئيس الكوكايين" في إشارة إلى اتهام نجل تبون في قضية تهريب 700 كلجم من الكوكايين مازالت قيد التحقيق القضائي.

أمّا بوتفليقة فيقضي أيامه في شبه عزلة، بعيدا عن صخب الإعلام وهدير الشارع الثائر، الذي فرض عليه الاستقالة. وفي إقامة فسيحة تقع بحي الأبيار الراقي بأعالي العاصمة، يقضي بوتفليقة (82 سنة) أيامه مُحاطا بإخوة ثلاثة أصغر منه؛ وهم: سيدتان ورجل. كما أن له شقيقاً آخر يعيش بفرنسا، أما الأصغر السعيد فيقبع في السجن العسكري منذ نحو 3 أشهر. والإقامة ملك لوالدته المتوفاة، التي كان لها نفوذ كبير في الحكم خلال السنوات الأولى لحكمه.

 

سيدتا أوروبا: تيريزا تودّع وميركل تستعد

 

وفي 24 مايو 2019، اضطرت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، إلى إعلان عزمها التخلي عن زعامة حزب المحافظين يوم 7 يونيو، وقالت ماي في كلمتها أمام مقر الحكومة في داونينغ ستريت: "بذلت ما بوسعي" لتنفيذ نتيجة استفتاء 2016 للخروج من الاتحاد الأوروبي، معتبرة أن اختيار رئيس جديد للوزراء سيكون في مصلحة البلاد، ومن هنا بدأ دور بوريس جونسون الذي فاز بزعامة حزب المحافظين ومن ثم رئاسة الوزراء، وقد كان قد استقال من منصبه كوزير للخارجية احتاجاجا على سياسات تيريزا ماي فيما يتعلق بملف "بريكست".

أمّا المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، فقد احتفظ لها عام 2019 بأيام ثقيلة، إثر صعوبات صحية وسلسلة أزمات ضربت ائتلافها الحاكم، لتفتح الباب أمام توقعات بتقاعدها في 2020. ويعني تقاعد ميركل المنحدرة من الاتحاد المسيحي (يمين وسط)، في 2020، أنّها ستنهي مشوارها قبل عام من نهاية الفترة التشريعية الحالية وخروجها الطبيعي من الحياة السياسية. ووفق المسار الطبيعي، فإنّ حقبة ميركل من المقرر أن تنتهي بنهاية ولاية حكومتها الحالية في 2021، أي بعد 16 عاماً في السلطة، و4 فترات حكومية، لأنّ المستشارة المعروفة بـ"المرأة الحديدية" في الأوساط الألمانية و"ماما ميركل" بين اللاجئين العرب، أعلنت العام الماضي أنّها لن تخوض الانتخابات التشريعية المقررة في نهاية العام المقبل، وذلك بقولها: "أنا لست متاحة لأي منصب سياسي جديد".

 

عزل ترامب: هل ننتظر وجها جديدا؟

 

 

 

 

 

وبعد إقرار مجلس النواب الأمريكي تهمتي استغلال السلطة وعرقلة عمل الكونجرس ضد الرئيس دونالد ترامب تمهيدا لعزله، انتقلت الكرة إلى ملعب مجلس الشيوخ، الذي يحق له وحده محاكمة المسؤولين الحكوميين. وبذلك أصبح ترامب بذلك رابع رئيس في تاريخ الولايات المتحدة يطلق الكونجرس بحقه إجراء رسميا بالعزل. ومن المرجع أن تبدأ المحاكمة مطلع العام الجديد.

وإن نجا ترامب من "فخ العزل"؛ فستنتظره في العام الجديد انتخابات رئاسية بقائمة منافسين تضم تنوعًا غير مسبوق في تاريخ الولايات المتحدة. ولا يهدد فرص ترامب في هذه الانتخابات منافسوه الديمقراطيين فحسب؛ بل تنضم إليهم عدة عوامل منها: الحروب التجارية التي أشعلها وأضعفت الأمريكيين، احتمالات دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، وتحقيقات الكونجرس، التوجه العام نحو التغيير، وتحقيق إداراته عددا قليلا جدا من الانتصارات التشريعية.

 

 

تونس: للثورة وجوه كثيرة

 

وفي عام 2019، توفي الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي عن عمر ناهز 92 عامًا، ليبدأ ماراثون الانتخابات الرئاسية، الذي حمل في النهاية مفاجآت من العيار الثقيل؛ ما جعل انتخابات تونس في 2019 مختلفة تماما عن 2014 عندما كانت النتائج شبه معلومة ومحسومة سلفاً. هذه المرة كانت الأجواء أكثر "تشويقا" و"حركية" وكأن صندوق الاقتراع أصبح "صندوق العجائب"، فقد فاز رجل القانون الدستوري المستقل قيس سعيد، برئاسة تونس بنسبة 76% من الأصوات، أمام منافسه نبيل القروي في 13 أكتوبر.

وتسلم قيس سعيّد مهام منصبه، ممتنعا عن الإقامة بقصر قرطاج، في خطوة رمزية قد تعني الكثير لما ينتظر تونس من تغييرات ليس فقط في أسلوب الحكم بل أيضا في مضمون الإصلاحات بعد 8 سنوات من الثورة. وقد هبت فئات وجماعات شبابية بإطلاق مبادرات شعبية لتنظيف المدن وصباغة المباني، في أجواء تشبه كثيرا مبادرات لجان الأحياء الشعبية إبّان الثورة. وبعض هؤلاء الشبان شاركوا في الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس الراحل زين العابدين بن علي سنة 2011، أو على الأقل نشأوا في أجوائها. ويعتقد كثير من هؤلاء الشبان اليوم أنّ ما أفرزته صناديق الاقتراع يومي السادس من أكتوبر والثالث عشر منه، بمثابة "ثورة جديدة"، وصفها الرئيس سعيّد بـ"ثورة في إطار الشرعية" والقوانين.

 

مصر: فشل استغلال "الغضب المكتوم"

 

وشهدت مصر استفتاءً على تعديلات دستورية مثيرة للجدل، في العشرين من أبريل، تتيح للرئيس عبد الفتاح السيسي البقاء في الحكم، حتى العام 2030، وفي 17 يونيو، توفي الرئيس المصري السابق محمد مرسي، أثناء محاكمته بعد ست سنوات قضاها في السجن.

كما شهد العام 2019 تأثيرا متزايدا لمواقع التواصل الاجتماعي، تجسد واقعا في تظاهرات محدودة لكنها نادرة خرجت تلبية لدعوات ظهرت على بعض تلك المواقع، في ظل اتهامات باستخدامها أيضا لنشر الشائعات وزعزعة الاستقرار في المجتمع. وترتب على تلك التظاهرات في سبتمبر 2019 حبس احتياطي، وأحكام قضائية، وحجب مزيد من المواقع الإلكترونية؛ لكن الطرف الداعي إلى تلك التظاهرات فشل في "الركوب علي" التحركات المعبرة عن "غضب مكتوم" في نفوس قطاعات شعبية.

وبدأت "المغامرة" بظهور "المقاول الهارب" والممثل المصري المغمور محمد علي، الذي تعاون سلفا في مشروعات إنشائية مع الجيش، عبر سلسلة من المقاطع المصورة على حسابه الشخصي على موقع فيسبوك عدة مرات مطالبا المصريين بالخروج للشوارع ضد الرئيس عبد الفتاح السيسي، متهما إياه وقادة آخرين بالفساد، وهي اتهامات نفاها السيسي في تصريح تليفزيوني. واستجاب بضعة آلاف من المصريين لدعوة علي، ونظموا مظاهرات نادرة في عدة مدن مصرية، وبالقرب من ميدان التحرير، لم يكن أحد ليتوقعها بمن فيهم الداعي لها. وتسبب هذا الحراك المفاجئ في إلقاء السلطات القبض على نحو أربعة آلاف شخص أثناء المظاهرات وفي الأسابيع التي تلتها، خرج أغلبهم، لكن بعضهم لا يزال قيد الحبس الاحتياطي.

 

البغدادي: قتيل "العرش الوهمي"

 

وشهدت سوريا خلال عام 2019 تطورات عديدة، أبرزها الاجتياح التركي لمنطقة شرق الفرات، إلى جانب الهجمات العسكرية والقصف المكثف من جانب النظام بمساعدة روسيا وإيران على إدلب، حتى غاب عن المشهد أخيرا ومقتل أبو بكر البغدادي، زعيم تنظيم "داعش" الإرهابي، بمقتله في عملية أمريكية استعراضية. لكن أسطورة البغدادي التي برزت في 2014، بإعلانه تأسيس "خلافة" في العراق وسوريا، لم تنته بعد، إذ أعلن تنظيم "الدولة الإسلامية" أن أبا إبراهيم الهاشمي القرشي هو الزعيم الجديد للتنظيم.. وقد جاء الكشف عن هوية خليفة البغدادي بسرعة نسبية أي بعد 5 أيام فقط من إعلان الولايات عن مقتله بالمقارنة بما حدث بعد مقتل أبو عمر البغدادي في أبريل عام 2010 فقد استغرق الأمر من الجماعة أسبوعاً للاعتراف بمقتله وشهرا لإعلان خليفته.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة