التعليم والتراث الثقافي (1-2)

 

د.سليمان المحذوري

abualazher@gmail.com

على مدار يومين (9-10 ديسمبر)، نظّمت اللجنة الوطنية العُمانية للتربية والثقافة والعلوم ندوة بعنوان "التعليم والتراث الثقافي من أجل التنمية المستدامة".. تضمّنت الندوة أوراقًا بحثية دوليّة وأخرى من السلطنة، إضافة لاستعراض تجارب ومبادرات تُعنى بتدريس التراث الثقافي في مختلف المؤسسات التعليمية. وكان لي شرف المشاركة في الجلسة الحوارية تحت عنوان "الأبعاد التعليمية والثقافية في سبيل تحقيق أهداف التنمية" إلى جانب نخبة من المتحدثين في هذا الشأن.

وقبل الخوض في تفاصيل هذا الموضوع، أجد أنّه من المُناسب تعريف المقصود بالتراث الثقافي أولًا. استنادً للموسوعة الحرة يُعرّف التراث الثقافي بأنّه كل مووث ينتقل من جيل إلى آخر، وهو يشمل المقتنيات المادية (تراثا ماديا) مثل الآثار والمباني والأماكن الدينية والتاريخية والملابس التقليدية والتحف وغيرها، وغير المادية (تراثا غير مادي) مثل عادات وتقاليد وعلوم وآداب ومعتقدات شعبية وقصص وحكايات وأمثال وفنون من شعر وغناء وموسيقى ونحوها.

ويُركّز الهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة باليونسكو على: "ضمان التعليم الجيد والمنصف والشامل للجميع، وتعزيز فرص التعليم مدى الحياة للجميع". وينبثق من هذا الهدف جملة من الأهداف الفرعية من بينها: "الترويج لثقافة السلام والمواطنة العالمية وتقدير التنوع الثقافي وتقدير مساهمة الثقافة في التنمية المستدامة"؛ وبالتالي فإنَّ الاهتمام العالمي بقضية التراث الثقافي يتكئ على هذا الهدف. بيد أنَّ السؤال الذي يطرح نفسه في هذا المقام ما أهمية التراث الثقافي؟ وفقًا لما ورد في كتيب "تعريف الشباب بحماية وإدارة مواقع التراث والمدن التاريخية" هنالك جملة من الأسباب وراء ذلك؛ منها أنَّ المفردات التراثية تعطي قيمة لحياة الشعوب وما تمَّ إنجازه، كما يمثل التراث هُوية المجتمعات، ويُعد وسيلة للتعرف على تنوع الشعوب وتطور ثقافاتها؛ وبالتالي تشجيع التفاهم المتبادل. والتراث الثقافي مصدر مهم لتنمية الاقتصاد لا سيما السياحة الثقافية، وما ينتج عنها من تطوير البنية الأساسية، وتوفير فرص عمل، وجذب الاستثمارات.

وعطفًا على ما تمَّ بيانه، فإنَّ الأفراد يضطلعون بدور مهم في إنتاج التراث الثقافي والمحافظة عليه وصونه. ومن ثم تعزيز الوعي لدى الناشئة بأهمية التراث الثقافي، واستثماره بما يخدم أهداف التنمية المستدامة أصبح ضرورة لا يمكن تجاهلها. وعليه؛ فإنّ التعليم يُعد الأداة لصون التراث الثقافي كما يقول لوبيز أحد المشاركين في الملتقى الدولي للتراث في أبوظبي عام 2010م. كما أنَّ هنالك علاقة تكاملية بين التراث الثقافي والتعليم. وبشكل خاص التركيز على مرحلة الطفولة المبكرة يعطي نتائج باهرة؛ لأن هذه الفئة عمّا قريب سيصبحون قادة المستقبل، وهم من يضعون السياسات الوطنية والدوليّة لصون التراث الثقافي.

ونتيجة لذلك، ظهر اهتمام دولي بمسألة تعليم التراث على مستوى العالم؛ على سبيل المثال في بريطانيا طُرحت فكرة الاستخدام التربوي للمباني التاريخية منذ وقت مبكر عام 1977م. وفي فرنسا تم تطوير دليل للمعلمين يحوي النظريات الخاصة بتدريس التراث وتطبيقاته في المناهج الدراسية، وفي الهند يوجد رابط تعليمي للتراث من خلال موقع المجلس المركزي للتعليم الثانوي (CBSE). أمّا في اليابان، فقد أدى تطور الاقتصاد الياباني -منذ خمسينيات القرن الماضي- إلى تراجع الثقافة اليابانية؛ لذا تم استحداث برنامج الثقافة التقليدية للأطفال من أجل التعامل مع هذه المسألة. وفي الدول العربية تعد تجربة البتراء في الأردن واحدة من الجهود التي تصبّ في هذا الاطار؛ وذلك من خلال تقديم محتوى تعليمي يساعد الطلاب والمعلمين، ويعين على تدريس وتعريف الشباب بأهمية حماية وإدارة مواقع التراث والمدن التاريخية. كما أنّ منظمة اليونسكو تقوم بجهود مقدرة في اعداد مشروع يهدف إلى تشجيع الشباب وتمكينهم من المشاركة في الحفاظ على تراثهم الثقافي، وتوعيتهم بأهمية التراث العالمي؛ وذلك من خلال شبكة المدارس المنتسبة لليونسكو في مختلف الدول.