عقدٌ على تأسيس "الرؤية"

عبدالله العليان

أثناء الإعداد لإصدار جريدة الرؤية العمانية، التقيتُ المكرم حاتم بن حمد الطائي رئيس التحرير، وكان أول لقاء لي معه في مدينة صلالة، وقد كان في تلك الفترة يتم الترتيب مع بلدية ظفار، لإصدار ملحق يومي عن مهرجان صلالة السياحي، ودار الحديث بيننا، حول المشاركة بهذا الملحق آنذاك، إلى جانب كتابة مقال أسبوعي، مع صدور الجريدة.

وكُنت في ذلك الوقت، قد استقلت من مؤسسة عُمان للصحافة والنشر والإعلان، والحقيقة أنَّ تجربة جريدة "الرؤية" تجربة رائدة بلا شك، شقَّت طريقها بثبات، وتخطيط مُتقن، منذ الانطلاقة الأولى سنة 2009، وكانت تتفاعل مع كل الأحداث والقضايا الاقتصادية والسياسية والثقافية العمانية والعربية والدولية، إلى جانب نشاطات الجريدة الأخرى في إقامة الندوات والفعاليات، ودعم العمل التطوعي والخيري، وتشجيع المبدعين، والاهتمام بالقراءة عبر مكتبة السندباد المتنقلة للأطفال...وغيرها من الأنشطة والمبادرات الأخرى الدائمة في تفعيل ما يُسهم ويعزز التنمية الوطنية واستدامتها في بلادنا.

لكنَّ الأمر الذي أراه مجالاً لافتاً أنَّ رئيس تحريرها، فتح الباب أمام كُتَّابها، لطرح كل الأفكار والتوجهات والرؤى الفكرية، حتى وإن خالفت رؤية رئيس تحريرها، وهي تذكرني بحق، بجريدة النهار اللبنانية، التي عرفت بأنها جريدة ليبرالية، تفتح لكتاب من أقصى اليمين، إلى أقصى اليسار، وهذه ميزة لا نراها في كثير من الصحف في وطننا العربي، ذلك أن عالم اليوم عالم مفتوح، ومن الصعب أن تمنع رأياً من الآراء، أو تقصيه أو تحجبه، فهناك مساحات كبيرة فتحت فيما يسمى بـ"الثورة المعلوماتية"، واقتحام وسائل التواصل الاجتماعي، لكل شيء، وصار جمهورها في بعض الأحايين، يتجاوز قراء الصحف، ووسائل الإعلام الأخرى؛ لذلك لا حلَّ إلا في إعطاء المساحة من الحرية المقبولة، بما لا يتعدى حرية الآخرين.

ولا شكَّ أن ما هو متاح إعلاميًّا في عصرنا الآن، هو تحدٍّ بكل المقاييس، وهذا التحدي لا مهرب منه، وسيزيد كثيراً ويتطور بطريقة مذهلة في قادم الأيام؛ لذلك من المهم، أن تواكب الصحيفة الناجحة، هذه التطورات المتسارعة، في عالم الإعلام، وتعمل على جذب القارئ، بما تطرحه من كتابات ومقالات، وقضايا تطرحها للجمهور، وتهتم بما يدور المجتمع، وتتلمس قضاياه، واحتياجاته، ونحن الآن نرى الكثير من الصحف في العالم، توقفت عن الصدور، فلم تعد تستطع الاستمرار، مع هذا الانفتاح الإعلامي الرهيب، وهذا بلا شك -كما أشرنا آنفاً- تحدٍّ كبير، إن لم نحسن المواكبة بجدية متقنة، كما أنَّ قبول التحدي يستلزم الحديث عن تحدٍّ آخر مقابل.. وهو كيف نجذب القارئ لهذه للصحيفة؟ وأيضاً كيف ندفع المؤسسات والشركات لحجز مساحة في هذه الصحيفة التي تجذب القراء من خلال مقالات، وتحقيقات، وأخبار؟ أيضاً من المهم أن نفتح مساحات للنقاش والحوار في قضايانا الراهنة، وهذا أيضا مجال يسعى إلى منهجية جديدة، مع إعلام هذا العصر، واستشراف المستقبل برؤية أخرى، تبتعد عن التقليدية التي سادت ردح من الزمن، في عصرنا الراهن؛ فالكثير من المفاهيم تغيرت، ويفترض أن نتعامل مع هذه التغيرات، بوعي وروح جديدة، تعكس الواقع، وتتفاعل معه.

لا شك أنَّ النجاح الذي حققته جريدة "الرؤية" بعد عقد من صدورها، يعطي الدليل على أن رئيس تحريرها، والعاملين معه، واكبوا المستجدات، وتفاعلوا معها، وقبلوا بالتحدي، وهذا السبيل الذي يحقق النجاح، ويحبط الإعاقات، وهذا ما سماه المؤرخ البريطاني توينبي، وسماه "التحدي والاستجابة".. ولذا نبارك لـ"الرؤية" هذه الاحتفالية.