ولم العنجهية؟

 

 

عائشة بنت أحمد البلوشية

 

نكون صغارًا في التجارب والخبرة في معترك العلاقات الاجتماعية، فنرى الوالد يضيق ذرعاً بتصرفات أخيه، ويبدأ في الحديث أمامنا عنه وعن رعونته أو فظاظته أو أي شيء لا يمت للإيجابية بصلة، وهو يفعل ذلك ليس بدافع الكره، لكنها ردة فعل وليدة اللحظة، غير مُدرك أن من أمامه ليسوا سوى أوعية صغار، تمتلئ بما يصب فيها، وتكون ردة الفعل البديهية أن يبدأ الصغار باتخاذ نفس ردات الفعل، فيكنون البغض لذلك العم، لتمضي الأيام، ونفرة سلبية تعتري من كانوا صغارا ضد ذلك العم، وبالطبع تنتقل العدوى إلى الأجيال اللاحقة.

تختلف الأم وأختها، وتبدأ في كيل السباب والشتائم والشكوى، والأبناء يرقبون ذلك المسلسل المُتكرر بأحداث جديدة لنفس السيناريو، ورغم أن الأختين تتصالحان، وترجع المياه إلى مجاريها، لكن وبسبب التكرار، تنقش تلك المواقف نفسها في قلوب الأبناء، فيكنون السخط ضد خالتهم، فالأم تبقى أماً في نظر الأبناء، وغيرها مخطئ، ويكبرون وتكبر تلك الأحاسيس معهم.

ترى لماذا لا نربي أبناءنا على أن ما بين الكبار هو شأن خاص بهم؟ لماذا نشحنهم ونملأ قلوبهم غلاً ضد أرحامهم وأقاربهم من جميع الدرجات؟ لم نؤطر عملية حكمهم على الآخرين لنجعلها مطابقة تماماً لما نحن عليه؟ إنها قمة الأنانية غير الواعية، أن نتعامل مع المواقف الاجتماعية بهذا الشكل.

سألتها كيف حال عمتك؟ فجاءني ردها صاعقًا، عندما قالت لي: لا أعرف، ولا أريد أن أعرف!!، فسألتها: هل لي أن أعرف سبب جهلك عن حالة عمتك التي تصارع السرطان، وربما كانت هذه هي أيامها الأخيرة؟ أو ليست رحماً أوصانا المولى عزّ وجلّ بوصله؟ فردت عليَّ بأنهم قد قاطعوها منذ أن كانوا صغارا، فقد جاءت في يوم ما إلى منزلهم لزيارتهم، وأوقفت سيارتها أمام بوابة المنزل، وفجأة عاد والدي إلى المنزل ورأى أنَّ مركبة تغلق مدخل المنزل، ودخل عليهم غاضبًا، فثار جدال بين الأب وأخته، مما أدى إلى رفع الأصوات بينهما وخرجت من منزلهم باكية، بسبب ما تلفظ به كل منهما من تجريح نحو الآخر، ومن يومها ونحن في قطيعة معها، رغم أنَّ والدها يذهب إلى زيارة أخته في المناسبات المختلفة، لكن الزوجة والأبناء اتخذوا قرار القطيعة العجيب.

ترى ما الذي سيعود علينا عندما نجعل من العنجهية مقودا لمشاعرنا؟ أم ما الذي سنجنيه عندما نجعل من حولنا يصطفون خلفنا عند اتخاذنا قرارا بمقاطعة شخص ما؟ هل هو الإحساس الزائف بأننا على حق؟ أم تلك النزغة الشيطانية بأنَّ النصر حليفنا؟ إننا بذلك قد نكسب جولة دنيوية، وننسى تلك الوقفة الأخروية التي قد تطول وتطول وتطول بسبب ما تعلق في رقابنا من معاملاتنا الدنيوية، التي قد تجعل من حقوقا للكثير من البشر الذين مروا في حياتنا قد تعلقت في رقابنا، ونحن بعنجهيتنا تخففنا منها، بحجة أنَّ الأيام كفيلة بأن تداوي الجراح.

 

 

-------------------------------------------------------------

 

توقيع:

"كَنَاطِحٍ صَخرَة يَوْماً ليوهنها،،

فَلَمْ يَضِرْها وَأوْهَى قَرْنَهُ الوَعِلُ".

معلقة الأعشى.