رأسمالية الكوارث (3-3)

 

 

عبيدلي العبيدلي

 

يرى بعض النقاد، ممن تعرضوا لمُراجعة كتابي "رأسمالية الكوارث"، لمؤلفه أنتوني لوينشتاين، أو "عقيدة الصدمة: صعود رأسمالية الكوارث"، لمؤلفته نعومي كلاين، نكهة مُميزة يحاولون وضعها في خانة التحليل المرتكز على ما يوصف بأنه "نظرية المؤامرة"، وهو تصنيف تدحضه الوقائع التي عرفها العالم، وعلى وجه التحديد بلدان العالم الثالث، والتي قادت في نهاية المطاف إلى ما أشار إليه الكاتبان، وهو استثمار حالة الذهول التي تولدها الصدمات، طبيعية كانت تلك الصدمات، أم من صنع الإنسان، من أجل إحكام قبضة عواصم القوى العظمى على مقدرات بلدان العالم الثالث.

لكن تنفرد كلاين برؤية تلك الأزمة تعود إلى صدور من يفتعلها، فتشير إلى ما تطلق عليه "ارتداد نتائج عقيدة الأزمة" على أصحابها، مستندة في ذلك على ما بات يشهده المسرح السياسي الأمريكي من تحولات تعبر عن عجز الإدارات المتعاقبة، بدءا من تلك التي شكلها الديمقراطيون، برئاسة أوباما، أو الجمهوريون التي يقودها اليوم ترامب. فجميعها عبرت في جوهرها، عن أزمات بنيوية بات يعاني منها الاقتصاد الأمريكي، جراء تبنيه تلك النصائح التي روج لها ميلتون فريدمان في العام 2006. وبدأ العالم يرفع علامات استفهام كبيرة حول جدوى ما جاءت به مدرسة شيكاغو الاقتصادية التي أسسها فريدمان، طالما انقلب السحر على الساحر الذي يؤكده اليوم تخبط الغرب في أزمات متلاحقة، تعبر عنها تلك الصراعات التي تشهدها مؤسسة الحكم الأمريكية، معبرة عن نفسها في التهم التي يواجهها ترامب.

وتطور كلاين من رسم صورة الاقتصاد المعقد الذي بات يتشكل على هياكل استراتيجية "رأسمالية الأزمات، فتتحدث عما أسمته "مجمع رأسمالية الكوارث - اقتصاد جديد متكامل في أمن الوطن، والحرب التي تمت خصخصتها، وإعادة إعمار الكوارث لم يكلفها شيء سوى البناء والتشغيل. دولة أمنية تمت خصخصتها، في الداخل والخارج. من كاميرات المراقبة والتقنيات الحيوية إلى مراكز الاحتجاز والقواعد العسكرية الخاصة".

وبالتالي، فإن ما كشفه لوينشتاين، وكلاين، كل منهما بشكل مستقل، ومن منطلقات مختلفة، وعبر تجارب ذاتية غير متطابقة، إنما تحاول أن تلقي الضوء على سياسات اتبعتها الدوائر الرأسمالية في الدول العظمى من أجل ضمان إخضاع العالم، وخاصة بلدان العالم النامي، من أجل ضمان استمرار نهب خيرات تلك البلدان، بما يخدم مصالح الاحتكارات الأمريكية أولا، ومن ورائها الاحتكارات العالمية الأخرى، وفي القلب منها تلك التي تسيطر على الصناعات العسكرية والأمنية.

ولا تخرج ما جاء به لوينشتاين وكلاين، عما سبقهما إليه جون بيركنز، "الاغتيال الاقتصادي للأمم: اعترافات قرصان اقتصادي"، الذي لقب بالقرصان الاقتصادي، الذي نجده يشرح بتفاصيل توصل لها عبر عمله في شركة مين (MAIN) الأمريكية المتخصصة في الأعمال الهندسية الإنشائية، التي نجحت عبر تعاونها المباشر مع البنك الدولي، ببناء منظومة كاملة، تقوم على خطط متماسكة، تقدم على هيئة نصائح تتجرعها الدول النامية على هيئة رشفات سريعة، لكنها متتابعة  تحثها، على الشروع في إنشاء " بنية تحتية تتضمن بناء محطات كهربية وبناء سدود وتوسيع الطرق وصيانة الموانئ ويقوم بتمويلها مؤسسات اقتصادية دولية. ويصبح كل هدف القرصان إقناع حكومات دول العالم الثالث بقبول قروض لبناء تلك المشروعات المبالغ في قدراتها وإمكانياتها؛ لينتقل القرض من البنك الدولي إلى البنوك الأمريكية ولتتحمل حكومات دول العالم النامي دفع أعباء خدمة الدين الذي لم يدخل منه دوﻻرا واحدا أرض الدولة المدينة".

هنا تسارع الولايات المتحدة، وربما دول غربية أخرى كي تحكم قبضتها على تلك الدول التي وقعت في قبضة ديونها المتراكمة، التي تجعلها في عداد من يجد نفسه أسير أزمة مفاجئة، إن لم يكن جراء الفوائد التي تولدها تلك الديون. وكما هو معروف "تستغل الوﻻيات المتحدة الأمريكية عجز الدولة عن دفع الديون وفوائد الديون – الكارثة -  لتدفع بتلك الدول إلى مدار الهيمنة الأمريكية والتبعية الصريحة لسياساتها. وكلما نجح القرصان في إقناع الدول بالاقتراض من أجل بناء المشروعات كلما تم تصعيد القرصان في سلمه الوظيفي. ويعرض الكاتب في كتابه نماذج لقرصنة اقتصادية قام بها هو وزملاؤه على دول شتى ".

هنا يبدأ مخطط زرع بذور الأزمة، التي تتطور كي تتحول إلى "كارثة"، برسم خطط لمشروعات اقتصادية في دول العالم الثالث لبناء بنية تحتية تتضمن بناء محطات كهربية وبناء سدود وتوسيع الطرق وصيانة الموانئ ويقوم بتمويلها مؤسسات اقتصادية دولية. ويصبح كل هدف القرصان إقناع حكومات دول العالم الثالث بقبول قروض لبناء تلك المشروعات المبالغ في قدراتها وإمكانياتها؛ لينتقل القرض من البنك الدولي إلى البنوك الأمريكية ولتتحمل حكومات دول العالم النامي دفع أعباء خدمة الدين الذي لم يدخل منه دوﻻرًا واحد أرض الدولة المدينة.

ينظم إلى أولئك الكتاب الذين يكشفون الكثير من زيف ادعاءات الدول العظمى حول مساعدة البلدان النامية لمحاربة الجوع، والاعتماد الذاتي على إمكاناتها المحلية، في حين الهدف الحقيقي المتخف وراءها، تماما مثلما تعمل "رأسمالية الكوارث"، مؤلفا كتاب "صناعة الجوع: خرافة الندرة World Hunger))"، السيدة فرانسيس مورلابيه، وجوزيف كولينز. يكشف هذا الكتاب أن "3٪ من سكان العالم يتحكمون في ما يقارب 77٪ من مساحة الأراضي الزراعية، وأن ما يزرع من مجمل الأراضي الزراعية لا يتجاوز 44٪، بينما لا تصل النسبة في بلدان العالم الثالث إلى 20٪".

ترتفع في هذا المجال علامة استفهام كبيرة تتحدى من يمسكون بالأمور في بلدان العالم الثالث، ومن بينهم نظرائهم العرب هي: أنه طالما أصبحت الأمور واضحة أمام أبصارهم، ولم تعد الأمور عبارة عن مؤامرات تحاك في غرف مغلقة، بقدر ما هي استراتيجيات يتم وضعها في ردهات مؤسسات علمية وأكاديمية، تتحول إلى خطط محددة ترسمها جهات تتحكم فيها دوائر صنع القرار في واشنطن وعواصم الدول العظمى الأخرى، فما هو الدافع الذي يرغم أولئك الماسكين بزمام الأمور في بلدانهم، على القبول بالوقوع ضحايا سهلة تفترسها ضواري الدول العظمى؟