"خصخصة".. والمواطن آخر من يعلم!

 

مسعود الحمداني

 

لا اعتراض لي- كمُواطن لا يفقه في الاقتصاد- على مبدأ "الخصخصة"، فهي القدر المحتم على ما يبدو للدول الصغيرة، والكبيرة على حدٍ سواء، ولعل الحكومة ترى في خصخصة بعض المشاريع العامة خيرًا يلوح، أو شرًا يُزاح، لذلك أحاول أن أُقنع نفسي بصحة ما يقوم به المسؤولون من بيع أصول شركات حكومية عملاقة للأجنبي، لأنه يُفترض أن من يكون في موقعهم الوظيفي لديه مقدرة عالية على التفاوض، وانتزاع حقوق الوطن، والحفاظ على مصالح المواطن، لأنهم بالدرجة الأولى مواطنون يضرهم ما يضر الشعب، لذلك هم حريصون على أن يقدموا أفضل ما لديهم لمُستقبل البلاد، على الأقل من باب حسن الظن بهم.

ورغم أنني أكاد لا أفهم التبريرات الإنشائية التي يسوقها بعض المسؤولين حين ينتهون من صياغة الاتفاق بينهم وبين شركة ما، وبعد أن ينهوا كل شيء يحاولون إقناع الناس بها، غير أنني أذكر أنني قرأت تلك التبريرات (العامة) في كتب الاقتصاد، أو على إحدى صفحات (جوجل)، وهنا تعود ذاكرتي إلى بعض المشاريع التي سوّق لها المسؤولون وأتوا بمبرراتهم، ومسوّغاتهم لنجاحها، وحلّقوا بأحلام المواطن للسماء، ثم فشلت.. ولا أعني أنَّ مشاريع (الخصخصة) قد تفشل على كل حال، ولكن.. أليس من حق هذا المواطن أن يقرأ تفاصيل هذه الاتفاقيات والملاحق السرية والعلنية إن وُجدت؟! أليس من حقه كأي مواطن في دولة عصرية (مدنية) أن يكون له رأي في عملية (بيع) أصول تتعلق بحياته ومصيره؟! أليست (الشفافية) هي أحد المبادئ الأساسية التي نادى بها جلالة السلطان  -حفظه الله-  في أكثر من مناسبة؟! ثم هل تُعرَض مثل هذه الاتفاقيات الحيوية على مجلس الدولة ومجلس الشورى؟!! أم أنَّ العملية تتم بسرية ثم تُصدّر للشعب لتكون واقعاً مفروضًا؟!

إنَّ الحكومات في كل الدنيا حين تغرق في الديون، وتعاني من العجز المالي، يكون موقفها ضعيفا في أي مفاوضات، وتصبح كالمواطن العاجز الذي يمكن أن يرى الأشياء بعين واحدة حين تحيط به العواصف، فيرحب بكل من يمد له يد العون، حتى وإن كان ذلك الطوق لا ينقذ من الغرق على المدى البعيد، والسلطنة بموقعها الاستراتيجي الحساس، هي محط أنظار العالم كله، الجميع يريد موطئ قدم على هذه البقعة نظرًا لأهميتها، والصراع بين الولايات المتحدة والصين على أشده في هذه الفترة، ومنطقة الخليج هي إحدى بؤر الصراع، ولا أظن أنَّ هذه الدول الكبرى بتلك الطيبة والمثالية التي نراها عليه، فشراء أصول شركات حكومية في السلطنة له الكثير من المعاني على المدى البعيد على الدولة، وفي حال عجزت الحكومة عن دفع التزاماتها المالية للطرف المستحوذ فهنا تقع الكارثة، وهذا هو مكمن الخطر، كما أن عدم وجود مستثمر محلي جاد للاستثمار في هذه القطاعات لا يعني التحوّل للأجنبي ورمي الكرة في ملعبه، وبعد ذلك نجلس على الأريكة في انتظار النتيجة.

على كل حال، ومع أنَّ الكثير من المواطنين لا يفقهون في الاقتصاد والخصخصة شيئاً (مثلي)، غير أنَّ ذلك لا يعني تهميشهم، وعدم إشراكهم في مصير ومستقبل بلدهم، ولا يعني أن يخرج عليهم مسؤول بين فترة وأخرى ليصدمهم بخصخصة قطاع ما أو قرار حيوي يتعلّق بحياتهم، وكأنهم مجرد متلقين أو مستقبلين سلبيين لا أهمية لرأيهم، لذا فإنَّ عرض تفاصيل الاتفاقيات هو احترام للمواطنة وحق من حقوق المواطنين، ولابد من تفعيل هذا الحق، كي يعرف المواطن إلى أي مستقبل يسير.