الإسمنت المغشوش يُهدد مستوى الثقة في الاستثمار العقاري

مقاولون ومختصون يحذّرون من خطورة المواد الرديئة المستخدمة في عمليات البناء

 

العبادي: الأولوية للمنتج الوطني العماني لمطابقته للمواصفات المعتمدة

الخنبشي: الحل في إجراء اختبارات دورية لأي شحنة إسمنت تدخل السلطنة

الحضرمي: تشديد الرقابة على محلات بيع مواد البناء

الحاتمي: البعض يقبلون على الإسمنت الرديء طمعا في فارق السعر

 

مسقط - الرؤية

 

حذَّر عدد من المقاولين والمختصين من خطورة مواد البناء الرديئة وغير المطابقة للمواصفات القياسية، التي قد تكون سبباً في تشقق الأبنية، مؤكدين أنَّ هذه المواد تهدد مستقبل الاستثمار في النشاط العقاري، مطالبين الجهات المختصة بتكثيف الرقابة على شركات تصنيع الإسمنت المحلية، وكذلك متابعة ومراقبة مختلف محلات بيع مواد البناء التي تقوم بعمليات البيع بصورة عشوائية ويكثر فيها الغش. كما أكدوا أهمية دوره في القضاء على مشكلة الغش التجاري في مواد البناء من خلال حرصه على اختيار النوعيات ذات المواصفات القياسية المطابقة. ومن جانبها، أشارت وزارة التجارة والصناعة إلى أنَّ هذه التحذيرات تأتي في ظل انتشار ظاهرة تصدع المباني، سواء الحكومية أو منازل المواطنين، رغم أنه لم يمض على بنائها سوى بضع سنين.

وقال المهندس ناصر بن عبدالله العبادي المدير التنفيذي في شركة إعمار للاستشارات الهندسية: توجد أنواع عديدة من الإسمنت بتركيبات وخصائص مختلفة وتختلف استخداماته حسب طبيعة المنشأة المستخدم بها. وبالنسبة للمباني فإنَّ النوع السائد هو الإسمنت البورتلاندي العادي الذي يستخدم في الأعمال الإنشائية فوق سطح الأرض كالخرسانة المسلحة والعادية وأعمال البياض (البلاستر) وغيرها. أما الإسمنت المقاوم للكبريتات والأملاح فيستخدم في الأجزاء الخرسانية المدفونة تحت سطح الأرض كالأساسات والجدران الساندة وكذلك في المباني الإنشائية المعرضة للمياه والأملاح. وحديثا هنالك منتج جديد هو الإسمنت الخاص بأعمال البياض (البلاستر) ويجب استخدامه في أعمال البياض فقط.

 

الأولوية للمنتج الوطني

 

وأضاف العبادي: كمكتب استشارات هندسية نحرص على استخدام المنتج الوطني العماني ونشترط على مقاولي المشاريع التي نشرف على تنفيذها استخدام الإسمنت المحلي (عمان أو ريسوت) كون أن مواصفاته معتمدة من قبل الجهات المختصة، ونتأكد من استخدام النوع الصحيح والمناسب من الإسمنت بكل مرحلة من مراحل المبنى، مشيراً إلى أنَّ المواصفات المعمول بها والمتعارف عليها في السلطنة لأعمال التشييد والمواد المستخدمة بها هي المواصفات العُمانية والخليجية والبريطانية والأمريكية، وحسب علمي هنالك مواصفات عُمانية لكل نوع من الإسمنت.

وطالب المهندس ناصر العبادي وزارة التجارة والصناعة بإيجاد آلية للتعاون مع الجهات الحكومية الأخرى والمؤسسات المهنية (كجمعية المهندسين العمانية) لمُراقبة أنواع الإسمنت المستوردة وفحصها للتأكد من مطابقتها للمواصفات العمانية، ووضع آلية لمراقبة مصانع الخرسانة الجاهزة بالسلطنة للتأكد من التزامها باستخدام الإسمنت وفق المواصفات القياسية العمانية؛ لافتاً إلى أنَّ هناك مسؤولية مهنية وقانونية تقع على عاتق المكاتب الاستشارية للتأكد من مواصفات ومنشأ المواد (ومنها الإسمنت) المستخدمة في تشييد المشاريع المنفذة تحت إشرافهم، وإجراء الفحوصات والاختبارات اللازمة على الخرسانة الجاهزة (ردي مكس) أثناء صبها بالموقع وأخذ عينات منها على شكل مكعبات لفحصها بالمختبرات المتخصصة حسب المواصفات المحلية والعالمية المعتمدة.

وأكد المدير التنفيذي في شركة إعمار للاستشارات الهندسية أنَّ تكاتف الجهود من قبل جميع الأطراف المعنية من جهات حكومية ومؤسسات مهنية ومكاتب استشارية ومقاولون ومصنعون وموردون من أجل المحافظة على جودة ومواصفات المواد المستخدمة في البناء سيكون لها الدور الفعَّال في تفادي العيوب والأضرار التي تتسبب فيها هذه المواد غير المُطابقة للمواصفات المعتمدة بالمنشآت.

 

العمر الافتراضي للمشروع

 

ومن جانبه طالب صلاح بن عبدالله الخنبشي مقاول بناء منازل بإجراء اختبارات دورية داخل المصانع وكذلك في مواقع البناء، وكذلك إجراء اختبارات لأي شحنة إسمنت تدخل السلطنة للتعرف على نسب المواد الداخلة في صناعة الإسمنت.

وقال الخنبشي: إن من الأضرار التي يسببها الإسمنت الأقل جودة قصر العمر الافتراضي للمشروع حيث ستظهر العيوب في المبنى أو المشروع خلال فترة وجيزة من انتهاء الأعمال، ومنها ظهور التشققات وعدم تماسك الجدران، مؤكداً أنَّ هذه التشققات التي تظهر في المباني السكنية تهدد الثقة في القطاع العقاري وتتسبب في تدني القيمة السوقية للمشروع العقاري.

وأضاف الخنبشي: على مالك المشروع اختيار المقاول الكفء والذي يملك الأيدي العمالة الماهرة التي تكون تحت مسؤوليته ومتابعة للعمل أولاً بأول، وعلى المقاول أن يختار الأيدي العاملة الماهرة وأن يقوم بشراء الإسمنت من محلات مواد البناء المعترف بها لدى جهات الاختصاص وعدم استيراد الإسمنت من الخارج إلا بعد التأكد من أن هذا الإسمنت متوافق مع المواصفات القياسية المعتمدة في البلد.

 

تكثيف الرقابة

ودعا صلاح الخنبشي الجهات المختصة إلى تكثيف الرقابة للمحلات المتخصصة في بيع مواد البناء وشركات الإسمنت وكذلك فتح المجال وتسهيل إجراءات الاستثمار للشباب العُماني بفتح محاجر تعدينية تعين على إنشاء مصانع الإسمنت داخل السلطنة لتغطية النقص الحاصل في كمية الإسمنت المحلي الموجود بالسوق؛ مناشدا الجهات المختصة بمراقبة جودة المواد المنتجة من محاجر مواد البناء (الكسارات) كالرمل والكنكري اللذين يعتبران عاملين رئيسيين لجودة البناء، حيث تخلط بعض الشركات التي تدير المحاجر المواد الجيدة بالمواد الرديئة وذلك لتسويقهما بأبخس الأثمان سواء لمصانع الطابوق والخرسانة الجاهزة أو للمستهلك مباشرة.

وأكد الخنبشي أن دور المستهلك مؤثر في مواجهة ظاهرة الغش التجاري في مواد البناء، حيث عليه اختيار النوعيات ذات المُواصفات القياسية المطابقة، مطالباً الجهات الحكومية والخاصة بتنفيذ حملات توعوية حول اختيار مواد البناء المطابقة للمواصفات القياسية والآثار السلبية التي تسببها المواد الرديئة في مختلف المحافظات، ومطالباً كذلك بالانتباه إلى ضرورة أن يكون الشراء من جهات معتمدة وتكثيف الرقابة من قبل الجهات ذات الاختصاص وتشديد العقوبات على المُخالفين.

وناشد صلاح الخنبشي الجهات المختصة باتخاذ الإجراءات القانونية ضد المخالفين من خلال تتبع مصدر الإسمنت؛ إن كان من داخل السلطنة فيجب إيقاف صاحب الترخيص عن مزاولة العمل وإحالته إلى الجهات المختصة لاتخاذ اللازم، أما إذا كان مصدر الإسمنت من الخارج فيجب وقف التوريد من تلك الدولة وإحالة المورد للجهات المعنية.

 

تضرر الاقتصاد الوطني

 

وقال مبارك بن حمدان الحضرمي، مُقاول بناء: هناك العديد من محلات بيع مواد البناء تبيع أنواعاً مختلفة من المواد الرديئة، والتي تكون سببا من أسباب تدهور أوضاع المباني مما يشكل خطرا كبيرا على حياة قاطنيها، مشيرا إلى أن الإسمنت الأقل جودة يتسبب في أضرار كبيرة بتآكل الحديد والخرسانات الإسمنتية، مما يؤثر في النهاية على دورة الاقتصاد بشكل عام في ظل تراجع الثقة في النشاط العقاري. وناشد الحضرمي الاستشاريين والمقاولين الإخلاص في متابعة أعمال البناء أولاً بأول وعدم التهاون مع المخالفين واتخاذ الإجراءات المناسبة لردعهم لضمان عدم تكرار المخالفات.

ودعا حمود بن علي الحاتمي، مقاول بناء، الجهات الحكومية المعنية إلى وضع إجراءات وقوانين مُشددة ضد التجار والشركات التي تستورد مواد البناء والأدوات الكهربائية الرديئة وكذلك الإسمنت قليل الجودة وسن قوانين لتحمي المستهلك الذي يتضرر من جراء نوعيات الإسمنت السيئة؛ مناشدا الراغبين في البناء عدم استيراد الإسمنت بالسعر الرخيص والتأكد عبر الجهات المعنية من نوعيات الإسمنت قبل البدء في عمليات البناء واستخدام الإسمنت المحلي الذي يتميز بالمواصفات القياسية المعمول بها في السلطنة.

ووجه الحاتمي الدعوة إلى الجهات المعنية لتسهيل إجراءات فتح مصانع الإسمنت في مُختلف المحافظات وتقديم الدعم للمنتج الوطني؛ مشيرا إلى أن هناك الكثير من أصحاب المنازل يشترون مواد بناء مقلدة من إسمنت ومواد كهربائية وتوصيلات المياه من بعض الدول لرخص أسعارها، دون انتباه إلى أن هذه المواد ليست أصلية ويتم بيعها بأسعار أرخص من أسعارها الأصلية.

 

تلاعب بالمواصفات

أما المقاول سعيد بن صالح الصلتي، فقال إن عددا من المقاولين يستخدمون نوعيات من الإسمنت والحديد والتركيبات الكهربائية وتركيبات توصيل المياه ذات الجودة الرخيصة وغير المطابقة للمواصفات القياسية وخلال فترة بسيطة يبدأ ظهور التشققات في المنازل، مما يتسبب في عزوف الناس عن شراء تلك الوحدات السكنية؛ وهو ما يضر بالقطاع العقاري.

وأضاف الصلتي: على المُقاولين مراعاة الأمانة في ممارسة هذا النشاط والحرص على استخدام المواد الجيدة في البناء، وعلى الراغبين في البناء التعرف على نوعيات المواد الجيدة قبل الشراء والتركيز على المنتج المحلي، داعيًا الجهات المختصة إلى القيام بزيارات دورية لمحلات بيع مواد البناء، كما أنَّ تفعيل القوانين ضد المُخالفين يسهم في محاصرة هذه الظاهرة.

 

 

تعليق عبر الفيس بوك